صناعات مستدامة

تحويل صناعة البلاستيك إلى الاستدامة أمر ممكن

صناعة البلاستيك والتحول إلى الاستدامة

تحويل صناعة البلاستيك إلى الاستدامة أمر ممكن

لا نستطيع أنْ ننكر أنَّ البلاستيكَ في كل مكان حولنا، ولا يمكن لمجتمعاتنا الاستغناء عنه في أي حال؛ فللبلاستيك مزايا عديدة، كما أنَّ له استخدامات متنوعة للغاية، ناهيك عن كونه مادةً رخيصةً. اليوم، يتم إنتاج البلاستيك بشكل أساسي من النفط الخام، وعندما تصل المنتجات إلى نهاية عمرها الافتراضي غالبًا ما ينتهي بها الأمرُ في المحيطات أو الشوارع أو المحارق. ينتج عن صناعة المواد البلاستيكية التي تستهلك طاقة كثيفة -وكذلك حرق مخلفاتها- كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما يجعل للمنتجات البلاستيكية إسهامًا رئيسيًّا في تغير المناخ.

بينما تتمتع المواد البلاستيكية -طوال دورة حياتها- ببصمة كربونية كبيرة، فإنَّ صناعتها تُصدِرُ ما يصل إلى 3.4٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًّا.

بالإضافة إلى المخاطر التي تتعرض لها البيئة البحرية والبرية وكذلك البشر – يُعَدُّ البلاستيكُ أيضًا ذا إسهام كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. في عام 2019 -على سبيل المثال- أنتج البلاستيك 1.8 مليار طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ لذا يمثل الانتقالُ بهذه الصناعة إلى الاستدامة خطوةً مهمةً نحو تحقيق أهدافنا المناخية.

تتمثل إحدى الوسائل في الحدِّ مِن التأثير السلبي لصناعة البلاستيك في الاعتماد على تقنيات الإنتاج المستدامة مثل الاقتصاد الدائري، حيث يتم إعادة تدوير أكبر قدر ممكن من البلاستيك؛ وبالتالي لن يكون النفطُ المادةَ الخامَ الرئيسيةَ للمنتجات البلاستيكية، وإنما نفايات البلاستيك نفسه. ولكن هل من الممكن الوصول بصناعة البلاستيك إلى الاستدامة بشكل كامل؟ الإجابة الموجزة عن هذا السؤال هي: نعم.

زيادة إعادة التدوير بشكل أكبر

عندما ننظر إلى سلاسل القيمة الكاملة لأكثر 14 نوعًا من البلاستيك شيوعًا -بما في هذا البولي إيثيلين، والبولي بروبيلين، والبولي فينيل كلوريد- نجد أنَّ هذه المواد البلاستيكية بأنواعها الأربعة عشر تشكل 90% من صناعة البلاستيك في جميع أنحاء العالم. ولكن حتى نستطيع القول إنه يمكن تحويل هذه الصناعة بشكل كامل إلى الاستدامة يجب علينا أنْ نأخذ في الاعتبار العديد من القضايا، مثل التأثيرات في عدد من الموارد، هي: الأرض – المياه – النظم الإيكولوجية – التنوع البيولوجي.

تشير كثيرٌ من الدراسات إلى أنَّ تطبيقَ الاقتصاد الدائري على المواد البلاستيكية ممكن، إلا إنه سيتطلب تدوير ما لا يقل عن 74% من البلاستيك الذي يتم إنتاجه. ولوضع الأمور في نصابها يتم -حاليًّا- إعادة تدوير حوالي 15% من البلاستيك في أوروبا، ومن المرجح أنْ يكون هذا المعدلُ أقلَّ بكثيرٍ في مناطقَ أخرى مِن العالَم.

صناعة البلاستيك وإعادة التدوير

عملية إعادة التدوير -أيضًا- يجب أنْ تخضعَ لكثيرٍ من التحسينات؛ حتى تكون أكثر فاعليةً، لتتمكن من معالجة الغالبية العظمى من المخلفات البلاستيكية. على سبيل المثال، البولي يوريثان (أحد أنواع البلاستيك، ويُستخدم في العزل الحراري وفي صناعة الأثاث والمفروشات، وغيرهما من الاستخدامات) نجد أنه -حتى اللحظة- لا يوجد أساس واضح لإعادة تدويره.

أما نسبة 26% المتبقية من البلاستيك الذي سيتم إنتاجه يمكن الحصول على الكربون اللازم لتصنيعها باستخدام تقنيتينِ أُخريينِ، الأولى: التقاط ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عمليات الاحتراق المختلفة، أو من خلال الغلاف الجوي. والأخرى: الحصول على الكربون من الكتلة الحيوية؛ وبالتالي يمكننا القول: إنَّ إعادةَ التدويرِ لن تكون التقنيةَ الوحيدةَ في طريقنا نحو تحويل صناعة البلاستيك إلى الاستدامة بالكلية.

لا شكَّ في أنَّ زيادةَ معدلِ إعادة تدوير البلاستيك إلى 74% في جميع أنحاء العالم هدفٌ طموحٌ للغاية، ومن غير المرجح -على هذا النحو- أنْ يتحققَ هذا الهدفُ بحلول عام 2030، وربما يصبح هدفًا أكثر واقعيةً في عام 2050. بالرغم من هذا فإنَّ التحدي الآخرَ الذي نواجهه حاليًّا هو زيادة تصنيع المنتجات البلاستيكية عامًا بعد عامٍ، وإذا استمر الاتجاه الحاليُّ حتى عام 2050 فلن تكون عملياتُ إعادة التدوير كافيةً.

فَهْمٌ أشمل للمراقبة على المنتجات في صناعة البلاستيك

يشير كثيرٌ مِن العلماء إلى أنَّ المنتجات البلاستيكية يجب أنْ تتماشى بشكل أفضل مع الاقتصاد الدائري في المستقبل. تحقيقًا لهذه الغاية، يجب على الشركات المصنعة العمل بشكل وثيق مع القائمين على عمليات إعادة التدوير؛ لذا سيكون من المهم أنْ يَعِيَ مُصَنِّعُو البلاستيك بشكل أوسع المسئوليةَ التي يتحملونها، وهو أمر غائب عن واقعنا اليوم، حيث تنتهي مسئوليةُ مُصَنِّعِي المواد البلاستيكية بمجرد مغادرة المنتج بوابات مصانعهم. من هنا، يجب أنْ تشملَ عملياتُ الإشرافِ والمراقبةِ دورةَ الحياةِ كاملةً، بما في هذا التخلص وإعادة التدوير، باعتبارهما الأساسَ لتحسين تصميم العمليات المستدامة.

على أي حال، فإنَّ دعمَ الزيادة في عمليات إعادة تدوير البلاستيك هو الطريق الصحيح الذي يجب أنْ تسلكه هذه الصناعة؛ نظرًا لعدم وجود أي مشكلات معضلة متعلقة بإعادة التدوير، وبالتالي فإنها تمثل حلًّا واعدًا للتحول بصناعة البلاستيك -بشكل كامل- نحو الاستدامة.

النتائجُ المتوقعةُ على المدَى البعيد، لزيادة الاعتماد على إعادة تدوير البلاستيك بدلًا من إنتاج البلاستيك البكر – تشملُ تخفيضَ البصمةِ الكربونيةِ التي تُنتجها صناعة البلاستيك، بالإضافة إلى تخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري بشكل كبير، وهما أمرانِ ذَوَا إسهام رئيسي في كثير من المشكلات المناخية التي يعانيها -حاليًّا- كوكبنا.

إننا لا ننكر ما للبلاستيك من دور أساسي في حياتنا اليوم، ولكننا نتحمل المسئولية كلها عن الأضرار البيئية الكارثية الناتجة عنه، التي تتمثل في تصنيع منتجاته والتخلص من مخلفاته بصورة غير مسئولة؛ لذا يقع على عاتق هذه الصناعة الدور الأهم في تبنٍّ حقيقيٍّ للاقتصاد الدائري، وتصميم منتجات أكثر ذكاءً تحقق متطلبات التنمية لحاضرنا، وتحفظ بيئتنا للأجيال القادمة.

وفي الختام، لا نستطيع أنْ ننكرَ تخوفنا من التصاعد الحاد في صناعة البلاستيك البكر، وما يترتب على هذا من استهلاك كميات ضخمة من الموارد والطاقة، وبالتبعية تَولُّد كميات هائلة من المخلفات البلاستيكية -سنويًّا- تَأِنُّ منها جميعُ الأنظمة البيئية فوق كوكبنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى