البلاستيك.. صديق التنمية وعدو الاستدامة
البلاستيك.. صديق التنمية وعدو الاستدامة
تتزايد المخاوف العالمية يومًا بعد يومٍ حول قضية تغير المناخ وما يتعلق بها من قضايا أخرى حاسمة، وهو ما نتج عنه -بالتبعية- زيادة التركيز بشكل كبير على تطبيق مفاهيم التنمية المستدامة في جميع مناحي الحياة، باعتبارها أحد الحلول الواعدة في مواجهة ما يمر به العالم من أزمات، ليس فقط على صعيد البيئة والمناخ.
الملف الخاص لهذا العدد يتناول إحدى أكثر القضايا إثارةً للجدل، ألَا وهي قضية «البلاستيك»؛ محاولةً منَّا لإعطاء صورة كاملة عن طبيعة هذه الصناعة، ولإبراز الدور الحيوي الذي تلعبه في حياتنا اليومية، مع تسليط الضوء على الجوانب السلبية وتأثيراتها وأشهر حلولها المتاحة للتعاطي معها، ومناقشة أبرز الفرص والتحديات التي تواجه هذه الصناعة مِن منظور أوسع.
ثورة حضارية قادها البلاستيك
لا ينكر أحد هذه الحقيقة: «لا غنى عن البلاستيك في حياتنا الحديثة»، لهذا نجد البلاستيك في كل مكان حولنا، سواء استطاعت عيناك رؤيته، أم لا. أثبت البلاستيكُ منذ اكتشافه في منتصف القرن التاسع عشر -يومًا بعد يومٍ- أنه المادة المثالية في كثير من الاستخدامات؛ فمن ناحية يعتبر مادةً رخيصةً نسبيًّا، ومن ناحية أخرى يعتبر بديلًا مناسبًا عن الخشب والزجاج، وحتى بعض المعادن ومواد التصنيع الأخرى.
لن نبالغ إذا قلنا: إنَّ حياةَ القرن الحادي والعشرين دون البلاستيك حياةٌ لا يمكن تصورها، فالواقع هو أنَّ منتجات البلاستيك موجودةٌ في كل مكان حولنا، وجزء لا يتجزأ من حياتنا: نأكل بها، وننام فوقها، ونتعلم معها، وننقذ الأرواح بها، ونرتديها، ونعيد تدويرها، ونربي أطفالنا عن طريقها، وغير ذلك كثير في منازلنا ومكاتبنا ومجتمعاتنا.
يشكل البلاستيك -في المتوسط- حوالي 15 بالمائة من إجمالي وزن مواد تصنيع السيارات، وربع وزن مواد تصنيع الهواتف الذكية، ونصف وزن الطائرة؛ إضافةً إلى أنَّه عنصر أساسي في كثير مِن سلاسل القيمة المضافة، بما في هذا التعبئة والتغليف، الرعاية الصحية، البناء، الخدمات اللوجستية، الملابس، الأدوات المنزلية والأثاث، أدوات السباكة الحديثة والمواسير، ومؤخرًا إعادة التدوير.
وللبلاستيك دور حيوي في دفع عجلة التنمية الصناعية نحو خلق فرص عمل، وتطوير منتجات جديدة؛ ذلك كله من أجل تحسين حياة البشرية، إلا إنه كلما زاد استخدام البلاستيك زادت التكاليف والأعباء البيئية والاجتماعية.
إننا مجتمعٌ يُمضي وقتًا كثيرًا ويستهلك مواردَ أكثر في تصنيع البلاستيك البكر وتحويله إلى منتجات مذهلة، مع تجاهل لإعادة استخدام البلاستيك المستهلَك أو إعادة تدويره؛ فبينما نُعِيْدُ تدوير نسبة قليلة من إجمالي المواد البلاستيكية التي ننتجها كل عامٍ تشق الكميةُ الكبيرةُ المتبقيةُ طريقها إلى المحيطات والمدن، مما يتسبب في إلحاق الضرر بالحياة البحرية، والتأثير في جودة الحياة البرية.
الكيمياء وراء البلاستيك
البلاستيك -الذي يُطلَقُ عليه أيضًا مسمَّى «اللدائن»- يتكون في الأساس من «البولميرات – Polymers»، والبولمير هو سلسلة كيميائية تتكون من مجموعةً من الجزيئات المكررة المتصلة، ويطلق على كل جزيء منها اسم «مونومير – Monomer»، وتتحكم طريقة ارتباط هذه السلاسل ببعضها -وكذلك نوعية الجزيئات المُشَكِّلة لكل سلسلة- في نوع وخصائص المادة، وتحديد الاستخدام الأمثل لها.
لتبسيط الأمر، يمكنكم تخيل البوليمر الواحد على أنه قطار، ويتكون هذا القطار من عربات كثيرة متشابهة ومتصلة ببعضها بعضًا، حيث يمكن اعتبار كل عربة على أنها مونومير، وتتصل هذه العربات ببعضها بعضًا بشكل قوي وثابت، بحيث يكون للقطار قدرةٌ على أداء مهامه، وهي الحال نفسها بين المونوميرات، حيث ترتبط ببعضها بعضًا بشكل قوي يحفظ تماسك البوليمر، ويمنحه خصائصه المميزة.
تبعًا للمصدر يمكن تقسيم البوليمرات إلى قسمينِ رئيسيينِ، الأول: البوليمرات الطبيعية “natural polymers” التي نجدها في الطبيعة دون أي تدخل بشري في تكوينها، مثل كثير من المركبات الشهيرة كالصوف والحرير والقطن والمطاط الطبيعي، وكذلك البروتينات والأحماض النووية وغيرها. والثاني: بوليمرات من صنع الإنسان “Synthetic polymers”، وهي التي يصنعها الإنسان باستخدام التفاعلات الكيميائية، ومن أشهرها النايلون، والبوليستر، والتفلون، وبالطبع الأنواع المختلفة للبلاستيك مثل الـ»PVC» والبولي إيثيلين، وغير ذلك كثير.
تُسْتَخرَجُ المونوميراتُ المختلفةُ “Monomers” بشكل أساسي من مشتقات الوقود الأحفوري، مِن خلال مجموعة تفاعلات كيميائية، ليتم بعد هذا المزج بين هذه الجزيئات تحت ظروف محددة في عملية تعرف باسم البلمرة “Polymerization”؛ لإنتاج البوليمرات المختلفة التي من أهمها البلاستيك.
وبناءً على ما سبق كله -ونظرًا إلى اختلاف طبيعة تفاعلات وخصائص البوليمرات عن المركبات الكيميائية التقليدية -سواء العضوية منها أم غير العضوية- نشأ فرع جديد في علم الكيمياء، هو «كيمياء البوليمرات»، حيث يكون مَعْنِيًّا بدراسة هذه المواد المعقدة، وكيفية الحصول على أنواع جديدة منها ذات خصائص محددة، ودراسة الموجود منها بالفعل في الطبيعة.
المناحي البيئية السلبية
في كل دقيقة يتم إلقاء ما يعادل شاحنة من مخلفات البلاستيك في محيطاتنا، لذا أصبح التلوث البلاستيكي مشكلةً عالميةً خطيرةً. ولتوضيح الصورة بشكل أفضل، فإنَّ ما يقرب من 7 مليارات طن من البلاستيك المنتج بين 1950 – 2017 (من أصل 9.2 مليار طن) أصبحت نفايات بلاستيكية انتهى بها المطاف في مكبات النفايات، أو في المسطحات المائية المختلفة.
يمكن أنْ يغير التلوثُ البلاستيكيُّ الموائلَ والعمليات الطبيعية، مما يقلل من قدرة النظم البيئية على التكيف مع تغير المناخ، ويؤثر -بشكل مباشر- في سبل عيش ملايين من الناس، وفي قدرات إنتاج الغذاء والرفاه الاجتماعي.
لا ننكر أنَّ البلاستيكَ مفيدٌ حقًّا، حيث نستخدمه كل يوم في كثير من التطبيقات، لكن مشكلة البلاستيك تبدأ عندما لا يكون هناك حاجة إليه، حيث أَدَّى التخلصُ منه بكميات كبيرة إلى عدد من المشكلات المتفاقمة على كوكبنا.
يوجد البلاستيك في كثير من الأشياء التي نستخدمها، مِن الملابس إلى العبوات والزجاجات وغيرها، حيث يُعَدُّ صنعُ الأشياءِ من البلاستيك أمرًا شائعًا؛ لوجود كثير من الأنواع المختلفة منه يمكن إنتاجها في الأشكال والألوان والأحجام كلها، لكن مشكلة البلاستيك تكمن في أنَّ معظمه غير قابل للتحلل، بسبب تركيبه الكيميائي -أشرنا إليه سابقًا- المعقد؛ فعلَى عكس المخلفات -مثل الورق، أو هدر الطعام، وحتى تلك المخلفات التي تتحلل إلى مركبات بسيطة عند إلقائها في البيئة، فتتغذى عليها الكائنات الدقيقة- فإنَّ البلاستيك يمكنه البقاء في البيئة لمئاتٍ من الأعوام دون تغيُّر.
وطبقًا للدراسات، من المتوقع وجود أكثر من 5 تريليونات قطعة بلاستيكية في محيطات العالم، وقد يستغرق الأمر قرونًا حتى تتحلل هذه النفايات، وهو أمر منطقي تمامًا، حيث يُنْتَجُ في كل عامٍ 400 مليون طن من البلاستيك، و40٪ من هذا الرقم يمثله البلاستيك أحادي الاستخدام (البلاستيك الذي نستخدمه مرَّةً واحدةً قبل التخلص منه في سلة المهملات).
من أمثلة البلاستيك أحادي الاستخدام: الأكياس، وزجاجات المشروبات، وتغليف الحلوى والشيبسي، وغيرها، وهو ما يتسبب في إدخال أكثر من ثمانية ملايين طن من البلاستيك إلى محيطات العالم في كل عامٍ، بينما تجد الكمياتُ الباقية ملاذًا على اليابسة.
هناك مشكلة أخرى، هي أنه لا يمكن إعادة تدوير أنواع البلاستيك كلها، وقد يكون هذا بسبب طريقة صنعه، أو لأنَّ عملية إعادة تدوير بعض أنواعه مكلفة للغاية، أو يصعب تدويره من الناحية الفنية. على سبيل المثال، تحتوي بعض أكواب القهوة الورقية على بطانة بلاستيكية مقاومة للماء، مما يجعل من الصعب إعادة تدويرها، وهو أمر بالغ الأهمية، خصوصًا إذا علمنا أنه يتم التخلص من 7 ملايين كوب قهوة ورقي بشكل يومي، ولكن يتم إعادة تدوير هذه الأكواب بمعدل 1 إلى 400.
مثالٌ آخرُ، هو إعادة تدوير الـ «PVC» التي تعتبر عمليةً شبه مستحيلةٍ، نظرًا إلى ما يصدر عنها من غازات آكلة تؤدي إلى تهالك المعدات المستخدمة، بالإضافة إلى تلويث الهواء وبيئة العمل. ما سبق كله قاد كثيرًا من الخبراء إلى قول: إنَّ كميات البلاستيك في المحيط ستزن -بحلول عام 2050- أكثر من وزن الأسماك!
أحد الجوانب السلبية الأخرى للتلوث البلاستيكي، هو تضرر الكائنات الحية، سواء في البحر أم على اليابسة، وقد رأى كثيرٌ منَّا الصورَ ومقاطعَ الفيديو لسلاحف بحرية عالقة في المخلفات، كما يمكن للطيور والأسماك والمحار أنْ تخطئ وتتناول القطع الصغيرة من البلاستيك لظنها أنه طعام، ولكن بالطبع لا يمكنها هضم البلاستيك، مما يعني أنه لن يصبح في بطون هذه الكائنات مكان للطعام الفعلي، وهو أمر يتسبب في قتل 100,000 حيوان في البحر كل عامٍ.
كثير من العلماء والباحثين يعتبرون التلوثَ البحريَّ بمخلفات البلاستيك أزمةً بيئيةً عالميةً متزايدةً مع عدم وجود علامات تدل على تراجعها، والمثال الأبرز على هذا هو بقعة القمامة الكبرى في المحيط الهادئ.
أما على الجانب البشري، فتشير الدراسات إلى أنَّ الإنسانَ البالغَ -في المتوسط- يبتلع ما يقدر بنحو 883 جسيمًا من الجسيمات البلاستيكية كل يوم، وهو مُدخلٌ يتراكم في أنسجة الجسم دون أنْ يتم التخلص منه.
على جانبٍ آخرَ، فإنَّ صناعةَ البلاستيك من الموارد الأحفورية البكر تمثل أحد التحديات الأخرى التي تستنفد الموارد الطبيعية، حيث إنها صناعة بعيدة إلى حدٍّ كبير عن تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري؛ وبالتالي البعد عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
جائحة كورونا وصناعة البلاستيك
تتميز المواد البلاستيكية بخصائص ميكانيكية ممتازة تشمل القوة وخفة الوزن، كما أنها متينة وغير مكلفة، مما يجعلها المادة المفضلة لمعظم الأدوات والمعدات الطبية التي تُستخدم مرَّةً واحدةً. أظهرت جائحة فيروس كورونا الدور الذي لا غنى عنه للبلاستيك في قطاع الرعاية الصحية وسلامة الصحة العامة.
اعتبارًا من 23 أغسطس 2021، أصيب حوالي 212 مليون شخص في أنحاء العالم بالفيروس، وهو رقم آخِذٌ في الزيادة إلى يومنا هذا، حتى إنه اقترب من حاجز الـ 700 مليون مصاب. يؤدي العدد المتزايد من المرضى وإجراء اختبارات الفيروسات إلى زيادة كبيرة في كمية النفايات الطبية البلاستيكية.
ومن أجل دعم الطلب الهائل على معدات الحماية الشخصية -من أقنعة الوجوه، وقفازات، وغيرها- سُحِبَتْ -أو أُجِّلَتْ- كثيرٌ من التشريعات الخاصة بالحد من البلاستيك أحادي الاستخدام. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ عمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعي والقيود المفروضة على التجمعات العامة قد أكثرتْ من الاعتماد على التسوق عبر الإنترنت بسرعة غير مسبوقة؛ وبالتالي زيادة الطلب على مواد التعبئة والتغليف التي تحتوي بالضرورة على البلاستيك.
الفيروس قدم حزمةَ تأثيراتٍ متضاربة في البيئة، فمن ناحية انخفضت الانبعاثات العالمية الناتجة عن ثاني أكسيد الكربون العالمية بمقدار 6.4 في المائة، أو 2.3 مليار طن، وهذا في ظل تراجع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية؛ ومن ناحية أخرى شهدت صناعة البلاستيك طلبًا غير مسبوق على معدات الحماية الشخصية، مدعومة بانخفاض أسعار البترول -مما يجعل إنتاج البلاستيك البكر أرخص- وهو أمر استفاد منه مصنعو البلاستيك -ماليًّا- بشكل واضح.
على سبيل المثال، في تقرير أرباح الربع الرابع من يناير 2021، أفادت شركة 3M -واحدة من كبرى الشركات العالمية التي تصنع أقنعة الوجه N95- أنها باعت ملياري قناع في خلال عام 2020، كما وسَّعَتْ الطاقة الإنتاجية إلى 2.5 مليار قناع.
تُصْنَعُ أقنعةُ N95 من الألياف البلاستيكية الصناعية، بما في هذا البولي بروبلين، وهي أقنعة تُستخدمُ على نطاق واسع بين العاملينَ في مجال الرعاية الصحية، وكذلك بين الأشخاص العاديين، حيث تشير التقديرات إلى استخدام المليارات من أقنعة الوجه كل شهر، وكذلك القفازات -وغيرها من معدات الوقاية الشخصية- التي لا يوجد نظام لجمعها والتخلص منها بشكل صحيح.
وعلى الرغم من الآثار المحتملة لما سبق، فإنَّ الكمية الإجمالية للنفايات البلاستيكية المرتبطة بالجائحة وآثارها البيئية والصحية غير معروفة إلى حد كبير، إلا إنه يمكن القول -باستخدام الحسابات والمقارنة بكميات المخلفات البلاستيكية السنوية قبل الجائحة- إنَّ الفيروس قد تسبب في زيادة نسبة التلوث البلاستيكي للمحيطات بنسبة تصل إلى 2% على أساس سنوي.
الاستدامة في صناعة البلاستيك
في الأعوام الأخيرة، تحوَّل الاهتمامُ إلى نماذج الاقتصاد الدائري، مع إعادة تصورها في صناعة البلاستيك عن طريق تطوير أفضل طرق التصنيع والاستخدام الأمثل للمنتجات، وذلك بعيدًا عن النهج الذي تتبعه صناعة البلاستيك حاليًّا، وهو نهج خطي لا يكترث سوى بمعدلات الإنتاج.
تطبيق الاقتصاد الدائري يشمل تقليل إنتاج البلاستيك البكر، وتقليل الاعتماد على البلاستيك بشكل عامٍّ، وإعادة الاستخدام، وإطالة العمر الافتراضي للمنتجات البلاستيكية، وإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية باعتبارها موادَّ خامٍ لمنتجات جديدة، بالإضافة إلى إعادة تصميم سلسلة القيمة الخاصة بالبلاستيك، بما في هذا السلوك الاستهلاكي.
لحسن الحظ بدأت زيادة الوعي الاستهلاكي في الآونة الأخيرة بين كثيرين! وهو أمر أصبح مؤثرًا -إيجابيًّا- في شركات تصنيع البلاستيك؛ لتطوير منتجات مستدامة وأكثر صداقة للبيئة. وسوف نناقش فيما يأتي -بصورة تفصيلية- مفاهيم تقليل الاستخدام، وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير، وإعادة التصميم.
أولًا: تقليل الاستخدام (Reduce)
لقد أدركت الشركات والحكومات بشكل متزايد الحاجةَ الماسةَ إلى تقليل كميات البلاستيك الموجودة على هذا الكوكب. في كثير من البلدان قَدَّم صناعو السياسات تشريعات تقيد -أو حتى تحظر- بشكل كامل الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام. وفي مصر قدمت وزارة البيئة استراتيجية للحد من استخدام هذا النوع من الأكياس البلاستيكية.
على جانبٍ آخرَ، اتخذت كثير من الشركات -على سبيل المثال- خطوات نحو تقليل استخدام البلاستيك عن طريق تخفيف وزن الزجاجات المصنوعة من البولي إيثيلين تيرفثالات «PET»؛ والـ PET هو أحد أنواع البلاستيك الخفيف، التي يشيع استخدامها في تغليف المواد الغذائية والمشروبات. هذا التوجه لدى الشركات سيكون له دور في تقليل وزن البلاستيك المستخدم في عبوات التغليف بمقدار الثلث.
فوائد تقليل استخدام البلاستيك تمتد إلى ما هو أبعد من رفع الضغط عن مدافن النفايات، حيث يمتد التأثير إلى حفظ الموارد الطبيعية، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري؛ وبالتالي كميات أقل من الغازات الدفيئة المنبعثة من العمليات الإنتاجية.
ثانيًا: إعادة الاستخدام (Reuse)
تمثل عملية إعادة الاستخدام أحد الحلول التي يمكنها الحد بشكل كبير من مخلفات البلاستيك، وهذا عن طريق توجيه العبوات والأدوات البلاستيكية المستخدمة -وغير المرغوب فيها- إلى استخدامات جديدة مبتكرة. على المستوى الفردي يمكنكم بكل بساطة استخدام الإنترنت في استلهام عدد كبير من الأفكار البسيطة لإعادة استخدام العبوات البلاستيكية الفارغة، وربما يفعل كثيرٌ منَّا هذا بالفعل.
أما على المستوى الصناعي، فتوجد بعض الشركات التي أخذت زمام المبادرة في تبني أفكار ثورية لإعادة استخدام البلاستيك، منها -على سبيل المثال- شركة الملابس الأمريكية الشهيرة «باتاجونيا»، التي أطلقت خطًّا لإعادة بيع أزياء الشركة المستعملة، لتطبق بهذا أحد المفاهيم الأساسية للاقتصاد الدائري.
وبحسب الشركة، فإنَّ لزيادة العمر الافتراضي لملابسها بمقدار 9 أشهر إضافية دورًا في تقليل النفايات وما يتعلق بها من انبعاثات كربونية، وهذا بنسبة تتراوح بين 20 – 30%، كما أنَّ الشركة تستخدم -أيضًا- زجاجات المياه الغازية المُعَاد تدويرها لصنع خيوط البوليستر اللازم في عملياتها الإنتاجية.
ثالثًا: إعادة التدوير (Recycling)
تُعَدُّ إعادةُ التدويرِ مكونًا رئيسيًّا في الاقتصاد الدائري، حيث يمكن جمع النفايات البلاستيكية وإعادة معالجتها لتصبح قابلةً للاستخدام مرَّةً أخرى، أو تحويلها إلى مادة أولية لمنتجات جديدة.
هناك كثير من أنواع البلاستيك المختلفة المستخدمة حاليًّا، وعلى الرغم من تمكننا من إعادة تدوير بعض من هذه الأنواع، فإنَّ الغالبية العظمى تحمل مجموعة من التحديات التي تمنع إعادة تدويرها. كثير من الشركات الرائدة والمراكز البحثية الكبيرة تضخ استثمارات كبيرة في تطوير التكنولوجيا المطلوبة، لتوسيع نطاق أنواع البلاستيك التي يمكن إعادة تدويرها.
عملية إعادة تدوير البلاستيك تشمل مجموعةً من المراحل، حيث يُرْسَلُ البلاستيكُ -الذي يُجْمَعُ من المنازل والمؤسسات المختلفة- إلى المرافق الخاصة بعمليات الفصل الفيزيائي، والتي تفصل البلاستيك عن المخلفات الأخرى؛ ومِن ثَمَّ فرزه حسب النوع.
ينتقل البلاستيك بعد ذلك إلى عمليات إعادة المعالجة، حيث يتم غسله وتقطيعه وفرزه بشكل أكثر دقةً، ثم يتم صهره بعد هذا وتشكيله في صورة حبيبات بلاستيكية مُعَادٍ تدويرها. تُباع هذه الحبيبات إلى شركات المنتجات البلاستيكية، ليتم إعادة تشكيلها إلى منتجات جديدة.
رابعًا: إعادة التصميم (Redesign)
لتحقيق ما سبق كله، يتوجب على شركات تصنيع المنتجات البلاستيكية المختلفة إعادة النظر في تصميم منتجاتها، بحيث يُسمح بتقليل كميات البلاستيك وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير؛ لذا فإنَّ تصميم المنتجات يقع عليه دور مهم جدًّا في بلورة الخطوات السابقة كلها، والتحول بهذه الصناعة إلى الاقتصاد الدائري بشكل فعلي.
بكل تأكيد ستحتاج الشركات إلى الحصول على آراء المستهلِكين، وإشراكهم في عمليات إعادة تصميم المنتجات، لما لهذا من دور في الوصول إلى التصميم المثالي لكل عبوة أو منتج بلاستيكي، بما يضمن عمرًا افتراضيًّا أطول، ودورة حياة جديدة بعد انتهاء الاستخدام الأصلي.
تشمل إعادةُ التصميمِ التفكيرَ خارج الصندوق واستخدامَ مواد جديدة في تصنيع المنتجات، وهذا مع وضع الاعتبارات البيئية في المقام الأول. والأمثلة على إعادة التصميم كثيرة، مِن أبرزها المثال الذي ناقشناه في العدد السابق، وهو شركة “Notpla” الفائزة بجائزة «إيرث شوت» للعام 2022 في فئة عالم بلا نفايات، والتي تُصَنِّعُ موادَّ تغليفٍ من الأعشاب البحرية يمكنها التحلل بشكل طبيعي في البيئة.
تحويل البلاستيك إلى طاقة
تبدو فكرة حرق النفايات البلاستيكية (Incineration) لتوليد الطاقة أمرًا منطقيًّا، فالبلاستيك -بعد كل شيء- يتكون من الهيدروكربونات، تمامًا مثل الوقود الأحفوري كالبترول والغاز الطبيعي، كما يعتبر البلاستيك أكثر كثافة للطاقة مقارنةً بالفحم، لكن هناك عدة عقبات تقف أمام التوسع الكبير في حرق النفايات لتوليد الطاقة.
الفكرة تكمن في أنَّ بعض المحارق المتطورة للنفايات البلاستيكية والنفايات البلدية الأخرى يمكنها أنْ تنتج حرارةً وبخارًا كافيينِ لتشغيل التوربينات وتوليد كهرباء الشبكة المحلية، ولكن هذا حل مثير للجدل؛ فمن ناحية سيصدر عن هذه المحارق كميات من غازات الاحتباس الحراري وبعض الغازات السامة الأخرى -تبعًا لطبيعة النفايات- وهذا بخلاف تكلفة البناء والتشغيل المرتفعة؛ ومن ناحية أخرى المشكلات التي قد تنتج عن غياب إطار تشريعي واضح يضمن حرق النفايات بشكل مناسب لإنتاج الطاقة، ولكن هذه الفكرة تظل خيارًا مناسبًا في بعض الحالات.
أحد الحلول الأخرى لتحويل البلاستيك إلى وقود، هو عملية الانحلال الحراري “Pyrolysis”، وهي عملية تشمل تعريض النفايات البلاستيكية إلى درجات حرارة مرتفعة في غياب الأكسجين؛ بهدف تحليل هذه النفايات إلى مكونات أبسط.
ينتج عن عملية الانحلال الحراري للبلاستيك كمية كبيرة من الزيت الذي يمكن استخدامه وقودًا في الصناعات -مثل صناعة الأسمنت- ذات الاستهلاك العالي من الطاقة، بالإضافة إلى كميات من الكربون الصلب الذي يمكن معالجته لإنتاج أسود الكربون أو الكربون النشط؛ لذا تعتبر عملية الانحلال الحراري لمخلفات البلاستيك أحدَ الحلول الواعدة، إلا إنَّ هذه التكنولوجيا لا تزال في حاجة إلى التطوير؛ حتى تستطيع معالجة كميات كبيرة من النفايات.
إحدى مزايا العملية الأخيرة هي قدرتها علَى إنتاج كميات من الغازات التي يمكن استعادتها واستخدامها في توليد الطاقة اللازمة للانحلال الحراري، وبالتالي عدم وجود حاجة إلى استخدام أنواع الوقود المختلفة؛ للوصول إلى درجات الحرارة اللازمة في مفاعلات الانحلال.
وماذا عن البلاستيك الحيوي؟
يمكن تعريف البلاستيك الحيوي بأنه البلاستيك القابل للتحلل – المصنوع من مواد بيولوجية متجددة، والتي عادة ما تكون من النباتات أو النفايات أو الكائنات الحية الدقيقة، بدلًا من إنتاج البلاستيك بالأساليب التقليدية عن طريق استخدام مشتقات البترول أو الغاز الطبيعي، مع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
في عام 2022 مثَّلت صناعة البلاستيك الحيوي 1٪ فقط من إنتاج البلاستيك في العالم، حيث تعتبر صناعة البلاستيك الحيوي صناعةً حديثةَ العهدِ. وحتى الآن لا يوجد نظام عالمي موحد لتمييز البلاستيك الحيوي -القابل للتحلل- من البلاستيك العادي، وهو أمر يجعل من الصعب على المستهلِكين الحكم على ما إذا كانت المنتجات غير ضارة بالبيئة، أم لا.
وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ الوعي المتزايد بمدَى ضرر المواد البلاستيكية، بالإضافة إلى زيادة الأطر التنظيمية الحكومية في التعامل مع النفايات البلاستيكية؛ قد أَدَّى إلى زيادة الاهتمام والاستثمار في البلاستيك الحيوي، هذه الصناعة التي يُتَوَقَّعُ نموُّها بنسبة تفوق الـ 10% في الأعوام القليلة المقبلة. هذا النمو من شأنه توفير المساعدة على حلِّ واحدةٍ من أسوأ المشكلات البيئية التي يواجهها العالم، وهي «التلوث البلاستيكي».
لإنتاج البلاستيك الحيوي، تُسْتَخْرَجُ البوليمرات من المصادر الحيوية لتشكيل المنتجات البلاستيكية المختلفة. ويمكن أنْ تشمل هذه المصادر الحيوية نباتات -مثل قصب السكر، والذرة- ومصادر نباتية أخرى صالحة للأكل، يطلق عليها «اسم الجيل الأول» من المصادر الحيوية؛ ولكن هنا مشكلة، هي أنَّ إنتاج البلاستيك الحيوي من المصادر سابقة الذكر (الجيل الأول) يُعَدُّ أمرًا مثيرًا للجدل، نظرًا إلى ما قد ينتج عنها من تعريض الأمن الغذائي للخطر.
أما عن الجيل الثاني من المصادر الحيوية، فيشمل النفايات الزراعية والصناعية والمخلفات البلدية وغيرها، حيث إنَّ هذه المصادر غير صالحة للأكل؛ وبالتالي فإنَّ إنتاج البلاستيك الحيوي منها لن يتسبب في أي مشكلة تتعلق بالأمن الغذائي.
الجيل الثالث من المصادر الحيوية -التي يمكن إنتاج البلاستيك منها- يشمل الأعشاب البحرية والبكتيريا الزرقاء والطحالب الدقيقة، حيث يمكن زراعة هذه الأخيرة في مياه الصرف الصحي، بما في هذا مرافق معالجة المياه البلدية، مما يعني أنَّ زراعتها لن تؤثر في استخدامات الأراضي الأخرى. يمكن -أيضًا- تصنيع البوليمرات البلاستيكية الحيوية من البلاستيك الحيوي المُعَادِ استخدامه أو المُعَادِ تدويره، مما يجعلها جزءًا من مفهوم الاقتصاد الدائري.
أهمية البلاستيك الحيوي تكمن في الابتعاد عن الأساليب المعتمِدة على البترول والغاز الطبيعي في إنتاج البلاستيك، وهو الأمر الذي من شأنه أنْ يقلل البصمة الكربونية في هذه الصناعة المهمة بشكل كبير، بشرط أنْ نُنْتِجَ البلاستيك الحيوي من مصادر الجيل الثاني أو الثالث، حيث إنَّ مصادر الجيل الأول -مثل الذرة، أو قصب السكر- لن تؤدي إلا إلى تخفيض بنسبة 25٪ -تقريبًا- من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
جانبٌ آخرُ، هو تحويل عملية الإنتاج إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة الخالية من الكربون، وحينئذٍ سيكون له تأثير أكبر بكثير من مجرد التحول من البوليمرات الأحفورية إلى البوليمرات الحيوية، حيث ستقلل مصادر الطاقة النظيفة من البصمة الكربونية للبلاستيك بنسبة 62٪.
وعلى عكس البلاستيك الأحفوري، يمكن للبلاستيك الحيوي أنْ يكون -بسهولة- جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الدائري، حيث إنَّ البلاستيك الحيوي المشتق من النفايات يعتبر محايدًا للكربون؛ وبالتالي يعتبر خيارًا مستدامًا واعدًا.
الفرص والتحديات في صناعة البلاستيك
الأمر الذي يواجه صناعة البلاستيك بصورة مُلِحَّةٍ، هو كيفية التخلص من الكميات الهائلة من النفايات البلاستيكية التي تراكمت، وكيفية منع تراكم مزيد منها في المستقبل. والكثير من هذه النفايات أحادي الاستخدام، مثل الأكياس والزجاجات، ومع تتابع الأيام والأعوام تتحول تلك النفايات إلى جزيئات صغيرة من البلاستيك (المايكرو بلاستيك)، التي يمكنها أنْ تضر بالحياة البرية، وأنْ تتسرب إلى سلاسلنا الغذائية.
مشكلة النفايات البلاستيكية تفاقمت مع الصعود الكبير لعمليات التسوق عبر الإنترنت، والشعبية المتزايدة للمياه المعبأة (المعدنية)، مع ازدياد استخدامات الحماية الشخصية بعد ظهور فيروس كورونا، مثل أقنعة الوجه والقفازات، وغيرها.
الأمر الخطير هنا، هو التعاملُ مع البلاستيك في نهاية عمره الافتراضي دون استراتيجية واضحة؛ لأنَّ التقديرات تشير إلى احتمال تضاعف المخلفات البلاستيكية في خلال العشرين عامًا القادمة، وبالطبع ستشق هذه المخلفات طريقها إلى المحيطات والمسطحات المائية؛ ومِن ثَمَّ تلويثها بشكل أكبر.
وفي الوقت نفسه، تحتاج الحكومات إلى أنْ تصبح أشدَّ حَزْمًا تجاه البلاستيك أحادي الاستخدام، وهذا عن طريق فرض مزيج من الغرامات والضرائب والحوافز لتحويل هذه الصناعة إلى الاستدامة بشكل تدريجي. في عام 2019 -على سبيل المثال- اعتمد الاتحاد الأوروبي تشريعًا يتطلب من الدول حظر بعض المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، والتأكد من أنَّ منتجي البلاستيك سيتحملون أي تكلفة تخص الإدارة المتكاملة للنفايات البلاستيكية.
إعادة التدوير تقدم حاليًّا الحلَّ الأفضل في معالجة مشكلة النفايات البلاستيكية، ولكن صناعة إعادة التدوير لم تكنْ -ولن تكونَ- قادرةً على مواكبة الكميات الكبيرة من البلاستيك الذي يُتَخَلَّصُ منه. تختلف التقديرات بشكل كبير، لكن مِن الآمِنِ أنْ نقول: إنه يتم توليد 250 مليون طن متري من النفايات البلاستيكية في كل عامٍ، وحوالي 14 بالمائة فقط يُعَادُ تدويرُها.
تواجه إعادة التدوير مشكلة كبيرة أخرى، هي تلوث المواد البلاستيكية بمواد أخرى -كما أشرنا سابقًا عند أكواب القهوة الورقية- التي تتكون بشكل أساسي من ألياف السليلوز عالي الجودة، والمرتبطة -بقوة- بغلاف داخلي من البلاستيك (البولي إيثيلين)؛ ومِن ثَمَّ يصعب فصلهما، وهو ما يجعل إعادة التدوير عمليةً معقدةً، والأمثلة علَى ذلك عديدة.
وعلى جانبٍ آخرَ، فإنَّ عمليات نقل النفايات عبر الحدود قد قَلَّتْ بشكل كبير، حيث وافق أكثر من 180 دولة في عام 2020 على تقييدات صارمة لشحنات النفايات البلاستيكية القادمة من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة في إطار ما يعرف باتفاقية «بازل».
أمرٌ آخرُ، هو الاستثمار في مرافق إعادة التدوير، والذي يُعَدُّ فرصة كبيرة لا نزال في حاجة إلى استغلالها في كثير من البلدان بشكل عامٍّ وبخاصة النامية منها؛ لتوسيع نطاق صناعة إعادة التدوير، وتعزيز قدرتها على مواكبة المعدلات المتزايدة من النفايات البلاستيكية.
التحدي الرئيسي الآخر الذي يواجه هذه الصناعة، هو تقليل كميات انبعاثات الغازات الدفيئة. فإذا استمر إنتاج البلاستيك في مساره الحالي بحلول عام 2030، فإنَّ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من هذا القطاع يمكن أنْ تصل إلى معدل 1.34 مليار طن في العامِ.
هذا المعدل المرتفع من الانبعاثات يُعْزَى إلى أنَّ أكثر من 99 في المائة من البلاستيك البكر يصنع من الغاز الطبيعي والنفط الخام، وهي تعتبر طريقة اقتصادية بشكل أكبر إذا ما قورِنَتْ بعملية إعادة التدوير، هذا بخلاف الطاقة اللازمة في عمليات إنتاج البلاستيك.
تشير الإحصاءاتُ إلى أنَّ صناعة البلاستيك تستهلك حوالي 9 في المائة من النفط العالمي، و3 في المائة من الغاز الطبيعي، ولكن في خلال 2050 يمكن أنْ ترتفع هذه النسبة إلى ما يصل إلى 20 في المائة من إجمالي استهلاك النفط، كما أنَّ الانبعاثات الناتجة عن هذا القطاع الصناعي يمكن أنْ تكون ثلاثةَ أضعافِ ما هي عليه اليوم.
وفي هذا الإطار، فإنَّ ترك قطاع صناعة البلاستيك على المسار الحالي ينذر بكارثة مستقبلية لا محالة، حيث يشكل هذا تهديدًا صريحًا لهدف اتفاقية باريس (الحد من الاحتباس الحراري عند مستوى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية).
وفي ضوء ما سبق، فإنَّ دعم صناعة إعادة التدوير يعتبر أمرًا مهمًّا ورئيسيًّا للتعاطي مع هذه المشكلة، حيث تشير الدراسات إلى أنَّ بعض أنواع البلاستيك المُعَادِ تدويره يمكن أنْ يصدر عنه انبعاثات أقل بـ 80% مقارنة بالبلاستيك البكر.
كُنْ جزءًا من الحل
الحلول المعقدة تشمل تحسين اللوائح، وتكثيف إعادة التدوير، وتقديم حوافز لتشجيع تقليل إنتاج البلاستيك البكر. لكن الخبراء يقولون: إنَّ هناك كثيرًا من الأشياء التي يمكن للأشخاص القيام بها يوميًّا، للمساعدة على معالجة مشكلة البلاستيك؛ لذا إذا كنت تتطلع إلى التخلص من إدمانك البلاستيك، فاتبعْ هذه الخطوات البسيطة.
تجنب المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، مثل ماصَّات الشرب (شاليموه)، وأطباق البولي ستايرين (الفِل)، وأدوات المائدة المصنوعة من البلاستيك؛ فعلَى الرغم من أنَّ هذه المنتجات تجعل حياتنا سهلةً، فإنها تضر بالبيئة بشكل خطير.
عند الذهاب إلى التسوق، تذكرْ أنْ تأخذ كيسًا أو حقيبةً من القماش أو الخوص، حيث إنه إذا اعتمدنا هذه الأكياس القابلة لإعادة الاستخدام في كل مرَّة نذهب فيها إلى التسوق -بدلًا من الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام- بكل تأكيد ستتحسن صحة كوكبنا.
أحد الأشياء التي يمكنها تقليل النفايات، هو شراء المواد الغذائية السائبة، وتقليل الاعتماد على المعلب منها، فبهذا يمكنك التقليل بشكل كبير من عبوات ومواد التغليف المختلفة. أمرٌ آخرُ، هو اللجوء -عند القدرة- إلى الخيارات الزجاجية أو الخشبية في الأدوات المنزلية، بدلًا من تلك الخيارات البلاستيكية.
ولكن إذا تحتم عليك شراء عبوة بلاستيكية فاحرص على إعادة استخدامها بعد انتهاء الغرض الأساسي منها، بدلًا من التخلص منها مباشرةً، فكُنْ مبدعًا في هذا الأمر، وسيساعدك اليوتيوب -بكل تأكيد- على معرفة كثير من الأفكار، وفي حال تحتم عليك التخلص من عبواتك البلاستيكية لسبب ما، فمن الواجب أنْ تحرص على التخلص من هذه المخلفات بشكل آمن في مكان مخصص لهذا؛ تسهيلًا لعمليات إعادة التدوير.
بالإضافة إلى ما سبق كله، يقع على عاتق كل فرد منَّا مسئولية توعية مَن حوله، حتى يدركوا أهمية تقليل استهلاك البلاستيك، عن طريق إقناع العائلة والأصدقاء -وحتى الزملاء في العمل- بالتحول نحو البدائل متعددة الاستخدام، وانتهاج السلوكيات التي أشرنا إليها في السطور السابقة؛ وذلك لتحقيق الغاية الأساسية والهدف الضروري مِن حفظ البيئة، والعمل على استدامة مواردها، ولْنَكُنْ -بحقٍّ- حماة الأرض!
مَن المُلام.. البلاستيك أم نحن؟
قطاع صناعة البلاستيك لا شكَّ في أنه أحد أكثر القطاعات حيويةً ونشاطًا في معظم البلدان حول العالم، ومنها مصر بكل تأكيد، كما أنه مسئول عن توفير عدد كبير من فرص العمل بشكل متزايد؛ وبالتالي تأمين سبل العيش للملايين من الأُسَرِ حول العالم. لكن على الجانب الآخر، فإنَّ المخاطرَ البيئيةَ الناجمةَ عن المخلفات البلاستيكية -إضافةً إلى الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري لإنتاج البلاستيك، وما ينتج عن هذه الصناعة من انبعاثات للغازات الدفيئة- تُهدِّد حياةَ الملايين من الأُسَرِ حول العالم أيضًا.
في تصوري -وكما سَرَدت لكم صفحات الملف الخاص لهذا العدد- فإنَّ البلاستيك قادَ ثورةً حضاريةً غير مسبوقة أثرت بصورة حاسمة في شكل الحياة التي نعيشها الآن، ولكن حتى لا يتحوَّل البلاستيك إلى ذئبِ يوسفَ، يجب علينا النظرُ في المشكلة المتفاقمة للنفايات البلاستيكية بشكل أكثر شمولًا وواقعيةً.
البلاستيك مادة رائعة بفضل مجموعة خصائصه المذهلة، ومتانته الكبيرة، ووزنه الخفيف، وثمنه الرخيص؛ وبالتالي يكون استخدامه ممكنًا بشكل عملي في كثير من التطبيقات، وقد أصبحنا مجتمَعًا مرتكِزًا عليه بشكل حيوي، حيث يجعل البلاستيك طعامَنا طازجًا، وبيوتنا أكثر دفئًا، كما يجعل سياراتنا أخفَّ وزنًا؛ وبالتالي تُستهلكُ كمياتٌ أقل من الوقود.
ليس ما سبق لغض الطرف عن مشكلة التلوث البلاستيكي التي تهدد كثيرًا من النظم البيئية، وإنما للتنبيه على أنَّ المشكلة لا تكمُن فقط في الحجم الكبير لكميات البلاستيك التي نستخدمها، ولكن المشكلة الكبرى في كيفية إدارتنا -نحن البشر- لمخلفات هذه المواد بعد الانتهاء من استخدامها.
تشير التقديرات إلى أنَّ 2 مليار شخص لا يحظون بخدمة جمع النفايات، كما أنَّ نفايات أكثر من 3 مليارات شخص إمَّا أنه يُتَخَلَّصُ منها عشوائيًّا، وإما أنها تخضع للحرق بشكل غير مُنظَّم. يستفيد الناس من البلاستيك، ولكن مع عدم وجود خدمات لجمع النفايات وأنظمة ذكية لإدارتها يتم التخلص من المخلفات البلاستيكية -غالبًا- بشكل عشوائي، لتشق طريقها مباشرةً إلى المحيطات.
ليس من المستغرب أنْ تُظهر الدراساتُ كيف أنَّ البلدان النامية -من بينها الصين- مصدر رئيسي للتلوث البلاستيكي في المحيطات؛ لذا فإنه من منظور عالمي، يعدُّ العمل مع البلدان النامية لتطوير إدارة مناسبة ومستدامة للنفايات أمرًا بالغَ الأهمية إذا أردنا معالجة مشكلة البلاستيك في المحيطات.
لسوء الحظ، اتخذت كثير من البلدان المتقدمة الخيارَ الأسهل بتصدير النفايات البلاستيكية لإعادة تدويرها في الصين والدول النامية الأخرى، وهي البلدان نفسها التي تفتقر إلى البِنية التحتية الكافية لإدارة نفاياتها البلاستيكية.
يقع على عاتق المصممين ومُطوري المنتجات البلاستيكية ومهندسي المواد دورٌ مهمٌّ في قيادة التغيير، وهذا لإعادة تصور هذه الصناعة في ضوء دورة الحياة الكاملة للمواد التي يستخدمونها؛ لتصميم منتجات قابلة لإعادة التدوير.
تحتاج الحكومات إلى دعم رواد الأعمال بالمهارات التقنية والهندسية والتجارية المناسبة لصنع مواد جديدة من البلاستيك المُعَادِ تدويرُه، والتخلص من النفايات البلاستيكية، ودعم الأفكار المبدعة لمنتجات التغليف البديلة والصديقة للبيئة، مع وضع أجندة للتخلص التدريجي من البلاستيك أحادي الاستخدام بشكل تام.
ولا أنسى أنْ أُنوِّه في النهاية بالدور المنوط بكل فرد منَّا في تحمُّل مسئوليته تجاه الحدِّ من المخلفات البلاستيكية، وهذا عن طريق تقليل الاستهلاك، وإعادة الاستخدام، أو على الأقل التخلص السليم من النفايات البلاستيكية، والاعتماد على البدائل الصديقة للبيئة كلما كان هذا ممكنًا.