صناعات مستدامة

تصنيع الفيسكوز بشكل كامل من المواد المعاد تدويرها

الفيسكوز

تصنيع الفيسكوز بشكل كامل من المواد المعاد تدويرها

يُصنع الفيسكوز من لُبِّ الخشب، عادةً من أشجار مثل الصنوبر والزان والأوكالبتوس، وتتضمن عملية تصنيع الفسكوز إذابة الخشب وتحويله إلى محلول من اللُّب (pulp)؛ ليتم بعد هذا غسل المحلول وتبييضه (bleaching)، وبعدها معالجته مرَّة أخرى لتكوين ألياف الفيسكوز، إلا إنَّ الباحثين في جامعة لوند السويدية استطاعوا لأول مرَّة تصنيع الفيسكوز عن طريق إعادة تدوير المنسوجات القطنية المستهلَكة.

تشكل مخلفات المنسوجات والملابس المستهلَكة -كما نعلم- عبئًا بيئيًّا ثقيلًا، حيث ينتهي الحالُ بآلاف الأطنان منها في الأنظمة البيئية المختلفة، كما أنها تحتاج إلى قرون من الزمن حتى تتحلل، وفي أحسن الأحوال يتم حرقها، سواء بشكل منظم أم غير منظم؛ لذا يسعى عديدٌ من الدول إلى إيجاد حلول لاستغلال هذه المخلفات بالشكل الأمثل؛ تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة.

في دولة مثل السويد -التي تتمتع بمناخٍ قارص البرودة شتاءً- يتم استغلال مخلفات الملابس والمنسوجات عن طريق حرقها، واستغلال الحرارة الناتجة في أنظمة التدفئة المركزية. ولكن، سَعَتِ السويدُ -مؤخرًا- إلى إيجاد بدائل أفضل لاستغلال مخلفات الملابس والمنسوجات.

عوائق إعادة تدوير المنسوجات

عملية صناعة الملابس والمنسوجات المختلفة هي عملية مستهلِكة بشكل ضخم للطاقة والموارد مثل المياه والتربة، وينتج عنها بصمة بيئية معتبرة؛ لذا فإنَّ أُولى خطوات التحول بهذه الصناعة إلى الاستدامة هو خفض إنتاج الملابس والمنسوجات من المواد الخام البكر، والاعتماد بشكل أكبر على إعادة التدوير.

وعلى الرغم مِن معرفتِنَا الطريقَ نحو صناعةِ منسوجاتٍ مستدامةٍ فإنه ما تزال هناك تحديات كثيرة أمامنا، وهو ما أكده “إدفين باجينهولم روث” طالب الدكتوراة في الهندسة الكيميائية بجامعة لوند، حيث قال: «سلاسل السليلوز التي نجدها في القطن -على سبيل المثال- تُعتبر المكونَ الأساسيّ في الألياف النباتية، التي نستخدمها في صناعة منسوجات كثيرة. وهذه السلاسل معقدة وطويلة، فضلًا عن أنَّ المنسوجات يتم معالجتها -بشكل مكثف- عن طريق الأصباغ والإضافات الكيميائية الأخرى، وفي نهاية دورة حياتها تكون المنسوجات متسخةً بالأتربة والدهون. وكل ما سبق عوامل تجعل من إعادة تدوير المنسوجات القطنية أمرًا صعبًا».

ولمعالجة هذه التحديات قام “روث” وزملاؤه بابتكار طريقة لتحويل ألياف القطن في المنسوجات المستهلَكة إلى ألياف الفيسكوز. والفيسكوز -كما نعلم- يشار إليه أحيانًا بالحرير الاصطناعيّ، ويُعتبر مكونًا شائعًا في الملابس، خاصةً الملابس النسائية، ويتم تصنيعه عادةً عن طريق سلاسل السليلوز الموجود في كثير من الأخشاب.

توجد بالفعل -حاليًّا- أنواع مختلفة من الفيسكوز يتم إنتاجها عن طريق إعادة تدوير نسبة من الألياف القطنية المستهلَكة، إلا إنَّ هذه الأنواع ما تزال في حاجَةٍ إلى نسبة عالية من ألياف الفيسكوز البكر؛ لضمان الوصول إلى الخصائص والمواصفات المطلوبة في النسيج، غير أنَّ الطريقةَ الجديدةَ قد استطاعت التغلب على هذه المشكلة.

نتائج واعدة للطريقة الجديدة

تمَّتْ تجربة الطريقة الجديدة لغزل خيوط الفيسكوز على مستوى صغير، وكانتِ النتائجُ ممتازةً، وهو ما شجع الباحثين على نشر الدراسة، مع وضع خطط لإنشاء مصنع تجريبيّ في مكان ما في أوروبا خلال السنوات القليلة القادمة.

تتميز الطريقة الجديدة بكونها غير مكلفة، مقارنةً بالطريقة التقليدية لإنتاج الفيسكوز، حيث تتطلب العملية استخدام ملح بسيط وهو كلوريد الزنك، والذي يمكنه الذوبان في المياه. ميزة أخرى هي الحاجَةُ إلى نسبة قليلة من مادة ثنائي كبريتيد الكربون، وهي مادة سامة تُستخدم على نطاق أوسع في الطريقة التقليدية لإنتاج هذه الألياف.

ومما تجدر الإشارة إليه، هو أنَّ الباحثين في جامعة لوند استعانوا في تجاربهم بمنسوجات قطنية مستهلَكة بيضاء اللون؛ ما يعني أنَّ تطبيقَ العملية نفسها على الأقطان الملونة سيتطلب إضافة مرحلة لإزالة اللون، وهو الأمر الذي يعملون على تطويره الآن؛ لتجنب عمليات التبييض التقليدية (bleaching)، التي تتطلب مواردَ عديدةً.

خطوات عملية التصنيع

تبدأ عملية صناعة ألياف الفيسكوز من المنسوجات القطنية المستهلَكة، عن طريق وضع هذه المنسوجات في محلول من كلوريد الزنك، وفي غضون ساعة واحدة يتحول كل شيء إلى كتلة لزجة، بعد ذلك يضاف الماء؛ مما يؤدي إلى ترسيب كتلة بيضاء رقيقة تعرف باسم “اللُّب المذاب”، التي يمكن بعد ذلك تصفيتها وفصلها عن السائل.

هذا اللُّبُّ المُصفَّى الناتج من هذه العملية يمكنه أنْ يحل محل لُب الخشب، الذي يُستخدم حاليًّا على نطاق واسع لإنتاج ألياف الفيسكوز البكر. وفي المرحلة التالية، تتم معالجة اللُّبِّ بعدد من المواد الكيميائية، بما في هذا ثنائي كبريتيد الكربون؛ لجعله قابلًا للذوبان في محلول هيدروكسيد الصوديوم، ليتم بعد ذلك إذابته، ثم غزله وتقطيعه للحصول على ألياف الفيسكوز.

لتحويل هذه التجارب إلى تطبيق عمليّ تم إنشاء شركة خاصة لاستكمال تجارب إنتاج الفيسكوز بهذه الطريقة المبتكرة، ويَأْمُلُ القائمون عليها في التحول إلى الإنتاج على نطاق تجاريّ في مدة تتراوح من خمسة إلى سبعة أعوام.

إنَّ تحقيقَ أهداف التنمية المستدامة يتطلب منا جميعًا التفكير خارج الصندوق؛ لإيجاد حلول مبتكرة، تعمل على حل أعقد المشكلات التي  تواجهها البشرية. ولعلنا حاولنا في هذا المقال تسليط الضوء على واحدة من هذه الحلول، التي يمكنها الإسهام -بشكل كبير- في تحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة، يأتي في مقدمتها الهدف التاسع (الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية)، والهدف الثاني عشر (الاستهلاك والإنتاج المسئولان).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى