خطى مستدامة

كيف توازن جوجل بين النمو الرقمي واستدامة البيئة؟

جوجل

كيف توازن جوجل بين النمو الرقمي واستدامة البيئة؟

خلال عقدين من الزمان تحوّلت جوجل إلى عملاق رقمي يقود الاقتصاد العالمي، ويرسم ملامح العصر التكنولوجي الحديث، ومع اشتداد سباق الذكاء الاصطناعي وتمدده في مختلف القطاعات، تواجه الشركة تحديًا متصاعدًا: كيف توازن بين طموحات النمو الرقمي والتزاماتها البيئية؟

ومن هنا، تستعرض حماة الأرض في هذا المقال كيف تسعى جوجل إلى دمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجياتها البيئية، وتناقش ما إذا كانت هذه المساعي تتفق فعليًّا مع أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، أم أن الطريق لا يزال محفوفًا بالعقبات نحو تحقيق التوازن بين التقدّم التقني وحماية الكوكب؛ فتابعوا القراءة لمعرفة التفاصيل.

تأثير الذكاء الاصطناعي في انبعاثات جوجل

أصبحت المسئولية البيئية تحديًا وجوديًّا، حيث فرضت على عمالقة التكنولوجيا أن يعيدوا حساباتهم. وفي قلب هذا المشهد، تتقدّم جوجل الصفوف، بمزيج من الطموح البيئي والتقني، في محاولة لرسم ملامح نموذج جديد: شركة رقمية ضخمة لا تنمو على حساب الكوكب، وإنما تُسهم في إنقاذه.

تبرز جوجل باعتبارها أحد اللاعبين الأكثر تأثيرًا على الإطلاق، ليس فقط بسبب هيمنتها على الإنترنت، وإنما بسبب دورها المتزايد في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تُعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، ومن هنا جاء تقرير جوجل البيئي لعام 2025 ليعكس بدقة هذا الدور المحوري؛ إذ يكشف في آنٍ واحد عن إنجازات بارزة في مجال كفاءة الطاقة والحد من الانبعاثات، وفي الوقت نفسه عن تحديات مقلقة نتيجة الطلب الهائل على الطاقة الناتج عن الذكاء الاصطناعي.

تشير البيانات إلى انخفاض انبعاثات مراكز البيانات بنسبة 12%، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، ومبادرات متقدمة مثل التوجيه الموفر للوقود في خرائط جوجل، إلا أن الصورة العامة لا تزال معقدة؛ إذ ارتفعت الانبعاثات الكلية بنسبة 11% خلال عام واحد، وازدادت بنسبة 51% مقارنة بعام 2019، ويقدم التقرير صورة مزدوجة عن نجاحات تقنية ملموسة تقابلها تحديات بيئية متزايدة؛ مما يجعل من التجربة البيئية لجوجل مرآة لواقع أوسع يعيشه قطاع التكنولوجيا حول العالم.

استخدام الذكاء الاصطناعي لمواجهة تغير المناخ

وتُقدِّم جوجل الذكاء الاصطناعي باعتباره أداة رئيسية لمواجهة التغيرات المناخية، من خلال حلول تعتمد على التعلُّم العميق والنمذجة المتقدمة، استطاعت الشركة تطوير تقنيات تُحدث فرقًا على أرض الواقع، مثل التنبؤ بالكوارث الطبيعية وتحسين استهلاك الطاقة على مستوى الأفراد والمجتمعات.

ومن أبرز الابتكارات في هذا السياق، نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديدة التي تساعد على فهم المخاطر البيئية على مستوى محلي، وبتكلفة حوسبة منخفضة، هذه الأدوات تُستخدم لتصميم خطط أكثر دقة للتعامل مع الفيضانات وموجات الحر والحرائق؛ مما يسهم في تعزيز قدرة المدن على التكيف مع المناخ.

كما تعزز جوجل من استجاباتها للكوارث الطبيعية عبر نظم إنذار مبكر للفيضانات تصل إلى أكثر من 100 دولة، وتغطي ما يزيد على 700 مليون شخص، أما فيما يتعلق بحرائق الغابات، فقد أطلقت الشركة شبكة أقمار صناعية باسم “فاير سات” لرصد الحرائق بدقة وتقديم بيانات بصرية متجددة كل 20 دقيقة.

شبكة أقمار صناعية باسم

ومع اعتماد ميزات مثل “استخدام المسارات الصديقة للبيئة” في خرائط جوجل، التي ساعدت على تقليل 2.9 مليون طن من انبعاثات الكربون، تبرهن الشركة على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة فعالة في تحقيق التنمية المستدامة، إذا ما استُخدم ضمن استراتيجيات متكاملة تعزز كفاءة الموارد وتدعم السياسات البيئية.

مراكز البيانات

تمثل مراكز البيانات البنية التحتية الأساسية للذكاء الاصطناعي، غير أنها في الوقت نفسه أحد أكثر مصادر الانبعاثات إثارة للقلق، وفي حين يشهد العالم طلبًا متزايدًا على الخدمات الرقمية، تسابق جوجل الزمن لتحسين كفاءة هذه المراكز وتقليل أثرها المناخي؛ ففي عام 2024، تمكنت جوجل من تقليص انبعاثات مراكز البيانات بنسبة 12%، رغم زيادة الطلب على الطاقة بفعل الذكاء الاصطناعي، وقد تحقق ذلك من خلال استخدام تقنيات مثل وحدة “Ironwood” التي تتمتع بكفاءة طاقة تفوق الجيل السابق بـ30 ضعفًا، إلى جانب استخدام معالجات “تريلليوم” الأكثر كفاءة بنسبة 67%.

مراكز البيانات

إضافة إلى ذلك، تُظهر الشركة أن مراكز بياناتها أكثر كفاءة بـ1.8 مرة من المراكز التقليدية، وهو أمر حاسم في تقليل البصمة الكربونية دون التضحية بالأداء، وبالرغم من هذه النجاحات، تُقر جوجل بأن الانبعاثات الناتجة عن هذه المراكز لا تزال أعلى بكثير مقارنة بما كانت عليه عام 2019.

هذه الفجوة تؤكد أن الاعتماد على تقنيات أكثر كفاءة لا يكفي وحده لمواجهة تحديات الاستدامة، وهو ما يستدعي إعادة تقييم شاملة لنموذج استخدام البيانات والطاقة، ضمن إطار أوسع يراعي العدالة المناخية والحق في التنمية.

سلاسل التوريد

رغم أن جوجل تبذل جهودًا لخفض الانبعاثات المباشرة، فإن التحدي الأكبر يكمن في الانبعاثات الناتجة عن سلاسل التوريد، التي تُعتبر “الظل الكربوني” الخفي للمنتجات والخدمات التقنية، وتشير البيانات إلى أن هذه الانبعاثات لا يتم احتسابها دائمًا ضمن الأرقام الرسمية “الطموحة” التي تنشرها الشركة.

فعند احتساب الانبعاثات الكاملة، بما يشمل سلاسل التوريد، ترتفع أرقام الانبعاثات إلى نحو 15.2 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل الانبعاثات السنوية لأكثر من 40 محطة كهرباء تعمل بالغاز، وتُظهر هذه الأرقام أن الاستدامة لا يمكن تحقيقها بمعزل عن التغيير الهيكلي في شبكات الإنتاج والتوزيع.

ومع ذلك تُعد جوجل من أوائل الشركات التي أبرمت اتفاقيات نووية للطاقة النظيفة، وسجلت رقمًا قياسيًّا بشراء أكثر من 8 جيجا واط من مصادر طاقة متجددة، إلا أنها تعترف في تقريرها أن هذه الخطوات لا تزال غير كافية لتعويض الأثر الكامل لسلاسل الإنتاج، خصوصًا مع النمو المتسارع في الطلب على الأجهزة والبيانات، وهنا يبرز دور التعاون الدولي في معالجة هذه الإشكالية؛ إذ لا يمكن لأي شركة بمفردها أن تُحدث تحولًا جذريًّا في سلاسل التوريد دون شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص، وسياسات تنظيمية تدعم التحول المستدام.

جوجل تعيد رسم حدود الاستهلاك

يشكل تحسين كفاءة الموارد محورًا رئيسيًّا في استراتيجية جوجل البيئية، وقد استطاعت الشركة خلال عام واحد رفع معدل تعويض استهلاك المياه من 18% إلى 64%، وهو ما يعكس تحولًا نوعيًّا في تعاملها مع الموارد الطبيعية النادرة.

وعلى مستوى المنتجات، حققت الشركة إنجازًا بارزًا من خلال طرح أجهزة “بيكسل” الجديدة بتغليف خالٍ تمامًا من البلاستيك، في خطوة تهدف إلى تقليل النفايات وتعزيز الاقتصاد الدائري، كما تعتمد الشركة على حلول الذكاء الاصطناعي لتقليل الطاقة اللازمة لتدريب النماذج بمعدل يصل إلى 100 مرة، وتقليص الانبعاثات المرافقة بما يقارب 1000 مرة.

هذه التحسينات التقنية لا تقتصر على العمليات الداخلية، وإنما تمكّن المستخدمين والشركاء من تبني ممارسات أكثر استدامة، وهو ما يتوافق مع هدف الشركة لتمكين تقليص جيجا طن من الانبعاثات سنويًّا بحلول عام 2030، عبر استخدام منتجاتها وخدماتها بطرق أكثر كفاءة.

وفي ضوء ما يكشفه تقرير جوجل البيئي لعام 2025، ترى حماة الأرض أن الابتكار البيئي لا يكتمل دون رؤية متكاملة تُراعي العدالة المناخية وتُشرك المجتمعات في الحل، ورغم التقدّم في كفاءة الطاقة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن تسارع الانبعاثات يفرض على جوجل وغيرها من الشركات التكنولوجية مراجعة مستمرة وجادة لمسارها، من أجل مستقبل أكثر استدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى