كيف يقود جيل Z ثورة المناخ بطريقته الخاصة عبر تيك توك؟
كيف يقود جيل Z ثورة المناخ بطريقته الخاصة عبر تيك توك؟
في العقد الأخير، تغيّر مشهد العمل البيئي بشكل لم تعهده الأجيال السابقة؛ فلم يعد محصورًا في قاعات الحكومات أو صفحات تقارير العلماء، وإنما تمدّد إلى الفضاء الرقمي، حيث بات جيل Z -ذلك الجيل الرقمي بامتياز- يطلق المبادرات من شاشات الهواتف الذكية، ويُعيد صياغتها بلغة الترندات والهاشتاجات، مستعينًا بخيالٍ جماعي لا يعترف بالحدود التقليدية للتأثير.
يشار إلى هذا الجِيل بـ”زد” أو “زي” أو كما يُعرف بالإنجليزية بـ(Gen Z – Generation Z) أي من وُلدوا بين عامي 1997 و2010، وهو الجِيل الذي لم يعرف عالمًا بلا شبكات اجتماعية، ولم يتعامل مع تغيرات المناخ باعتبارها مشكلات عابرة، وإنما باعتبارها واقعًا حيًّا يلامسه يوميًّا. جِيل نشأ في ظل أزمات متراكبة، من تغير مناخي متسارع، إلى اختلال في العدالة البيئية، واستنزاف للموارد الطبيعية، غير أنه في المقابل امتلك أدوات غير مسبوقة للتعبير والمساءلة والمبادرة.
في هذا المقال تستعرض حماة الأرض كيف يُعيد جِيل Z تعريف العمل البيئي ليس فقط عبر الشعارات، وإنما من خلال تغيير حقيقي في أدوات التأثير، وأنماط الحياة، وحتى صناعة القرار، من تحويل تطبيقات مثل “تيك توك” إلى منصة للتعليم المناخي، إلى إعادة تشكيل أنماط الاستهلاك بما يخدم الكوكب، وصولًا إلى خلق ضغط رقمي يؤثر في السياسات والتشريعات.
التعليم المناخي على طريقة التيك توك
لم يعد التعليم البيئي حكرًا على القاعات الدراسية ولا على الوثائق الرسمية المعقدة، فإن جِيل Z قرر أن يجعل من تطبيقات مثل “تيك توك” و”إنستجرام” منصات لتعليم الملايين عن المناخ، بأسلوب سريع، وممتع، وفعال. المحتوى المصوّر القصير بات وسيلة لتبسيط مفاهيم علمية معقدة، مثل انبعاثات الكربون أو العدالة المناخية، وتحويلها إلى قصص يومية يفهمها الجميع.
ويُقدّم العديد من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي محتوىً يُظهر كيف يمكن للشباب ممارسة تأثير حقيقي في مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة؛ فمثلاً، تقدم ألينا وود (Alaina Wood)، المعروفة بلقب “ملكة القمامة”، باقة أسبوعية من الأخبار المَناخية الإيجابية؛ لتصبح هذه الأصوات مرجعًا موثوقًا لشريحة واسعة من جيل z، تربط بين المعرفة العلمية والعمل الميداني، وتربط بين الأزمة والحلول الممكنة.
ويُعدّ هذا النموذج من التعليم المفتوح إسهامًا مباشرًا في تحقيق الهدف (4) من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالتعليم الجيد، حيث يضمن وصول المعلومات البيئية إلى مختلف الفئات، خاصة من لا تتاح لهم فرص التعليم التقليدي؛ فالمعرفة المَناخية باتت متاحة بنقرة واحدة، وهو ما يمثل ثورة في نشر الوعي؛ إذ يعزز استخدام الوسائط الرقمية قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات يومية أكثر استدامة في مجالات الاستهلاك، التنقل، والمشاركة المجتمعية؛ مما يجعل التعليم أداة فعالة للتغيير المَناخي والسلوكي على حد سواء.
الترند الأخضر
ومن الملابس المستعملة إلى المنتجات الخالية من البلاستيك، يُعيد جِيل Z تعريف مفهوم الاستهلاك ذاته؛ فلم يعد التسوّق مجرد نشاط اقتصادي، وإنما أصبح أداة سياسية واجتماعية للتعبير عن القيم البيئية، ومن خلال فيديوهات “قبل وبعد”، أو تحديات إعادة التدوير، يُظهر هذا الجِيل كيف يمكن أن يكون كل قرار شرائي بمثابة احتجاج صغير على أنماط الإنتاج غير المستدامة.
تطبيقات مثل “ديبوب” (Depop) و”فنتد”(Vinted) شهدت نموًا لافتًا بفضل الجِيل z، الذي يرى في الموضة المستدامة أسلوب حياة وليس مجرد صيحة مؤقتة، واللافت أن هذا التوجه لا يقتصر على الطبقات ذات الوعي البيئي العالي، وإنما ينتشر أفقيًّا عبر الفئات الاجتماعية المختلفة، بفضل لغة الترندات والمحتوى التفاعلي.
هذا النمط الجديد من الاستهلاك ينسجم مع الهدف (12) من أهداف التنمية المستدامة، والمرتبط بالإنتاج والاستهلاك المسئولين؛ فشراء قطعة ملابس مستعملة، أو مقاطعة علامة تجارية ملوثة، لم يعد قرارًا فرديًّا فحسب، وإنما جزء من حركة عالمية يقودها جِيل يعرف كيف يحوّل السوق إلى ساحة ضغط.
صوت مسموع
وقد أثبتت تحركات جِيل “Z” أن وسائل التواصل ليست فقط للتعبير، وإنما هي أداة حقيقية لصناعة الضغط؛ فحملات مثل “Fridays for Future” ، التي انطلقت بدعوة بسيطة من الناشطة/جريتا تونبرج، تحولت إلى حركة عالمية أثرت بشكل ملموس في السياسات البيئية لدى عدة دول، ودفع بعضها إلى إعلان حالة الطوارئ المَناخية.
هذا التأثير لم يقتصر على الغرب، وإنما وصل إلى دول الجنوب العالمي، حيث استخدم شباب الجِيل Z ذات الأدوات الرقمية لتسليط الضوء على العدالة المَناخية، وعدم تكافؤ التبعات البيئية. من الفلبين إلى كينيا، ومن البرازيل إلى العالم العربي، أصبح الجِيل الجديد حلقة الوصل بين المعاناة المحلية والصوت العالمي.
جيل يؤمن بغدٍ أفضل
ما يُميز هذا الجِيل هو إيمانه العميق بأن التغيير ممكن، وأنه لا يقتصر فقط على من يسبقونهم في العمر لحل الأزمات، وهذا التفاؤل العملي يُترجم إلى مبادرات شبابية لزراعة الأشجار، وتنظيف السواحل، وإطلاق تطبيقات بيئية، وتأسيس منظمات غير ربحية ربما يقودها بعض المراهقين.
جِيل “Z” لا يرى الاستدامة مجرد ملف دولي، وإنما أسلوب حياة يبدأ من تفاصيل صغيرة، كتقليل استهلاك اللحوم، وإصلاح الأجهزة بدلًا من رميها، ودعم الشركات المحلية، وغيرها من الممارسات اليومية التي تُراكم أثرًا كبيرًا. إنها مقاربة “من الأسفل إلى الأعلى” تبني التغيير من الجذور.
في الختام، تؤكد حماة الأرض أن الحديث عن مستقبل المَناخ لا يكتمل دون الاعتراف بالدور المحوري الذي يلعبه جِيل “z”، الذي كسر الصور النمطية للعمل البيئي وصاغ أدواته الخاصة للتغيير، وبفضل هذه الروح، يشكل هذا الجِيل قوة فعالة في دفع السياسات البيئية نحو الاستدامة وتحقيق التغيير الحقيقي على المستويين المحلي والعالمي.