قمة نيس للمحيطات: الكوكب يستغيث
قمة نيس للمحيطات: الكوكب يستغيث
في مدينة نيس الفرنسية تُختتم اليوم -13 يونيو- أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات “UNOC3” بمشاركة أكثر من 100 وفد و50 من قادة الدول والحكومات، وتحت رئاسة مشتركة بين فرنسا وكوستاريكا، بهدف إنقاذ المحيطات قبل فوات الأوان.
ومِن هنا تستعرض حماة الأرض من خلال هذا المقال القضايا الجوهرية التي طُرحت على طاولة المؤتمر، من التحديات البيئية إلى الرهانات السياسية، ومن المخاطر المحدقة إلى الأمل في خطة إنقاذ عالمية للمحيطات.
أزمة وجودية في عمق المحيطات
حين تحدث الأمين العام للأمم المتحدة –أنطونيو جوتيريش– خلال افتتاحية المؤتمر، لم يكن يطلق شعارات بلاغية، بل يرفع صرخة مدوية: «المحيط تحت الحصار، والجشع هو السبب». وهي كلمات تعكس بوضوح أنَّ المعركة اليوم ضد الجشع الذي يفتك ببيئتنا البحرية باسم الربح.
المحيطات، التي تغطي أكثر من 70% من سطح كوكب الأرض، وتنتج ما يقارب نصف الأوكسجين الذي نتنفسه، أصبحت اليوم خط الدفاع الأول والأخير في وجه الكارثة المناخية؛ إذْ تمتص حوالي 30% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وأكثر من 90% من الحرارة الناتجة عن تلك الانبعاثات، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC). ومع ذلك، لا تخضع للحماية إلا 8% من مساحاتها، وفق أرقام برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فيما لا تتجاوز المناطق التي تحظى بحماية “فعالة” 3% فقط.
موجة تهديدات غير مسبوقة
المحيطات ليست فقط موطنًا للتنوع البيولوجي، بل أيضًا أداة إنقاذ للبشرية من آثار التغير المناخي؛ ولذلك يشدد العلماء على أنَّ فقدان النظم البيئية البحرية يعني بالضرورة أنَّ أهداف المناخ ستظل بعيدة المنال. ومن هنا يبرز دور المناطق البحرية المحمية، التي يصفها الخبراء بأنها “مولدات للحياة“، ليست فقط لحماية الطبيعة، بل لدعم المجتمعات الساحلية واقتصاداتها.
مع ذلك، ما يزال الطريق طويلًا، خاصة أنَّ معظم المناطق البحرية تقع خارج الحدود الإقليمية للدول، وتخضع لفراغ قانوني واسع؛ ولهذا يُعد اعتماد معاهدة “أعالي البحار” في عام 2023 خطوة مفصلية، فقد أتاحت لأول مرَّة إنشاء محميات بحرية في المياه الدولية.
وعن هذه المعاهدة تقول “ريبيكا هوبارد” مديرة تحالف أعالي البحار: «إنَّ هذه المعاهدة تمثل الأمل الأخير لحماية نصف كوكب الأرض المغطى بالمحيط»، مشددةً على أنَّ العالم يقف اليومَ على مفترق طرق؛ إمَّا حماية التنوع البيولوجي وإمَّا خسارته إلى الأبد.
هل ينقذ العمل الجماعي المحيط؟
مما كان ملحوظًا على مدى الأيام الخمسة الماضية -من 9 إلى 13 يونيو- هو تركيز قمة نيس للمحيطات على إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني والمؤسسات البحثية؛ ففي كل يوم من هذه الأيام كانت تُعقد جلسات عامة يدلي فيها ممثلو الدول الأعضاء ببياناتهم، وفي الوقت نفسه تتحول جلسات بعد الظهر إلى ورش عمل تفاعلية تجمع المعنيين والخبراء من جميع أنحاء العالم، في صيغة تهدف إلى إنتاج شراكات جديدة، وتمويل مبتكر، وخريطة طريق لتحقيق الاستدامة البحرية.
وعلى ذلك تأمل فرنسا -الدولة المنظمة- في الدفع نحو التصديق على الاتفاقيات الدولية لمكافحة الصيد غير المشروع والجائر، فضلًا عن إعلانها توسيع المناطق البحرية المحمية في أراضيها؛ لذا أكدت وزيرة التحول البيئي الفرنسية أنَّ هذه الخطوات لن تبقى حبرًا على ورق، وستُترجم إلى تعزيز فعلي لمستوى الحماية.
من نيس إلى العالم
لقد وضع المؤتمر خلال أيام انعقاده ثلاث أولويات أمام الحاضرين:
الأولوية الأولى
إتاحة عمليات متعددة الأطراف؛ من أجل رفع مستوى الأهداف البيئية.
الأولوية الثانية
تعبئة التمويل لدعم الاقتصاد الأزرق المستدام.
الأولوية الأخيرة
تعزيز العلوم البحرية، ونشر نتائجها لإتاحة قرارات سياسية مستنيرة.
وكل تلك الأولويات لا تنفصل عن أهداف التنمية المستدامة، وتشكل الأساس المتين لتحقيقها، من الأمن الغذائي إلى العمل المناخي، وصولًا إلى حماية الحياة تحت الماء والحياة في البر؛ ولذا عمل المشاركون في قمة نيس للمحيطات على أنْ تكون الرؤية واضحة؛ وهي: المحيطات قضية عالمية، ويجب النظر إليها بشمولية من خلال جميع أهداف التنمية المستدامة.
في الختام، تؤمن حماة الأرض بأنَّ المحيطات قلب الأرض النابض، ومصدر أمنها الغذائي، وسبب توازنها المناخي؛ ولهذا فإنَّ أصوات العالم تنادي من مدينة نيس قائلةً: لا تنمية مستدامة دون حماية المحيطات.