كيف تتحرك مصر بقطاع الصحة نحو التنمية المستدامة؟
كيف تتحرك مصر بقطاع الصحة نحو التنمية المستدامة؟
في الوقت الذي تبحث حكومات الدول عن بوصلة حقيقية تقود مجتمعاتها نحو مستقبل مستدام، تبرز جهود مصر باعتبارها مثالًا حيًّا على العمل المؤسسي المتكامل لتحقيق التنمية المستدامة، ويأتي ذلك في إطار خطط حكومية واسعة ومبادرات استراتيجية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وفي هذا المقال، سوف تستعرض حماة الأرض ملامح تحرك الدولة المصرية بأجهزتها المختلفة، بدءًا من المبادرات الرئاسية الطموحة التي تستهدف تحسين جودة الحياة، ومرورًا بمشروعات تطوير قطاعي الصحة والتعليم، ووصولًا إلى خطط التحول الرقمي التي تسعى إلى ترسيخ الشفافية والعدالة في تقديم الخدمات؛ فتابعوا القراءة.
الإنسان محور التنمية المستدامة
في خطوة تعكس إيمان الدولة العميق بأهمية الإنسان باعتباره الركيزة الأساسية للتنمية المستدامة، استعرض الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الأربعاء 14 مايو 2025 محاورَ عمل المجموعة الوزارية للتنمية البشرية، التي تشمل خطوات تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان. وجاء ذلك خلال اجتماعه مع الدكتور/ مصطفى مدبولي “رئيس مجلس الوزراء”، والدكتور/ خالد عبد الغفار “نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة”.
وفي إطار رؤية استراتيجية شاملة لتعزيز العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في الوصول إلى الخدمات الأساسية، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أهمية إنشاء 300 مركز متكامل للتنمية البشرية في مختلف المحافظات، إلى جانب التوسع في عدد الحضانات المخصصة للأطفال دون سن السادسة.
ويهدف هذا التوجه إلى تحسين جودة التعليم المبكر، بما يكفل تنشئة أجيال قادرة على الابتكار والمنافسة منذ سنواتها الأولى، وتعزيز جاهزيتها للاندماج في سوق العمل المستقبلي، وتمثل هذه المراكز نقطة التقاء محورية بين التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية، من خلال ما تقدمه من برامج متكاملة لتأهيل الأطفال والشباب، بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
جهود الدولة في إطار مبادرة “بداية”
ومن أبرز محاور الاجتماع الوزاري عرض الدكتور/ خالد عبد الغفار للاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية في إطار المبادرة الرئاسية “بداية”، التي تهدف إلى تحسين الخصائص السكانية، من خلال خفض معدلات التقزم والسمنة وفقر الدم بين الأطفال، وذلك في إطار جهود الدولة لتحقيق التنمية المستدامة. ولعل اللافت أن معدل الزيادة السكانية السنوية شهد تراجعًا ملحوظًا خلال عام 2025 ليصل إلى 1.34% مقارنة بـ1.4% في عام 2024، بحسب ما أعلنه المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير/ محمد الشناوي.
هذا التراجع يحمل دلالات قوية على فعالية السياسات الحكومية في التوعية وتنظيم الأسرة، ما يعزز قدرة الدولة على تقديم خدمات نوعية لكل مواطن، وتنعكس هذه الجهود في سلسلة من المشروعات القومية الصحية التي تشمل تطوير وإنشاء 20 مستشفى في 11 محافظة، بتكلفة تقدر بـ11.7 مليار جنيه، وإضافة أكثر من 2600 سرير، بينها 458 سرير رعاية مركزة و442 حضانة و1749 سرير إقامة داخلي، إلى جانب 542 ماكينة غسيل كلوي و95 غرفة عمليات.
وهذه الاستثمارات الضخمة في قطاع الصحة، التي تم تمويلها من الميزانية العامة للدولة، تجسد بوضوح التزام مصر بتحقيق التغطية الصحية الشاملة، التي تعد من الأعمدة الأساسية للتنمية المستدامة، ولا تقتصر فائدة هذه المشروعات على خدمة المرضى فحسب، وإنما تسهم في توفير فرص العمل وتحسين جودة الحياة.
تحسين الصحة لتحقيق التنمية المستدامة
ومن أبرز ما تم استعراضه في الاجتماع، خطة تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل، التي تشمل محافظات دمياط، كفر الشيخ، المنيا، مطروح، وشمال سيناء. وتتضمن الخطة إنشاء 534 وحدة ومركز رعاية أولية. وقد شدد الرئيس السيسي خلال الاجتماع على أهمية الالتزام بالجداول الزمنية وجودة التنفيذ.
هذه الخطة الطموحة -التي تتطلب استثمارات تقديرية تبلغ 115 مليار جنيه- تعكس مدى جدية الحكومة المصرية في إرساء منظومة صحية شاملة تضمن حق المواطن في العلاج اللائق، وتتفق مع أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف (3) “الصحة الجيدة والرفاه”، كما تتفق مع رؤية مصر 2030.
رقمنة الصحة
وفي إطار الجهود الرامية لتحديث القطاع الصحي، استعرض وزير الصحة خطة شاملة لتطوير منظومة رقمية متكاملة، تُعد ركيزة أساسية لتحقيق أهداف رؤية مصر 2030، وتتضمن هذه الخطة إنشاء سجلات صحية إلكترونية، وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإطلاق منصة وطنية لتبادل المعلومات الصحية، إلى جانب توسيع آفاق التعاون الدولي لضمان استدامة التحول الرقمي في مجال الصحة.
ويمثل هذا التكامل بين التكنولوجيا والقطاع الصحي خطوة استراتيجية نحو بناء منظومة أكثر مرونة وقدرة على الاستجابة للأزمات، وهو درس محوري استقاه العالم من جائحة كوفيد-19، وتتجاوز فوائد الرقمنة مجرد تسهيل الوصول إلى الخدمات، لتشمل رفع كفاءة الأداء، وتقليص الهدر في الموارد، وتعزيز الشفافية، وهو ما يجعلها عاملًا مهمًّا في بناء أنظمة صحية قادرة على دعم التنمية المستدامة على المدى البعيد.
مبادرات صحية وطنية
وفي إطار التزام الدولة بتعزيز العدالة الصحية وتوسيع مظلة الرعاية، تم استعراض حزمة من المبادرات الرئاسية المعنية بالصحة العامة، التي تستهدف جميع الفئات العمرية من الولادة وحتى سن 65 عامًا، وتشمل هذه المبادرات 15 برنامجًا وقائيًّا وعلاجيًّا، وقدمت ما يزيد عن 234 مليون خدمة صحية من خلال 3527 وحدة صحية منتشرة في مختلف أنحاء الجمهورية؛ مما يعكس اتساع نطاق التغطية الصحية.
وفي السياق نفسه، تناول العرض نتائج مبادرة إنهاء قوائم الانتظار، التي نجحت في علاج أكثر من 2.69 مليون مواطن منذ انطلاقها في يوليو 2018، بتكلفة تجاوزت 24.7 مليار جنيه، كما تم علاج أكثر من 2.1 مليون مواطن على نفقة الدولة خلال عام 2025، بتكلفة بلغت 23.2 مليار جنيه.
نحو توطين صناعة الدواء
ومن بين الملفات المهمة التي تناولها الاجتماع، جهود توطين صناعة الأدوية والأجهزة الطبية، حيث شدد الرئيس السيسي على ضرورة توفير التسهيلات لجذب الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي؛ لكونه يمثل أولوية استراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتلبية احتياجات السوق المحلية، وتعزيز الصادرات المصرية للأسواق الإقليمية والعالمية، ويأتي هذا التوجه في إطار رؤية أشمل تهدف إلى ترسيخ مفهوم السيادة الصحية باعتبارها إحدى ركائز التنمية المستدامة.
وانطلاقًا من أن تطوير الصناعة لا ينفصل عن تطوير الإنسان، جاءت توجيهات الرئيس بضرورة تحسين أوضاع العاملين في القطاع الصحي، مع التركيز على تنمية قدراتهم من خلال برامج تدريبية متقدمة، تشمل أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي، في خطوة تعكس إدراكًا لأهمية بناء كوادر صحية مدربة وقادرة على التفاعل مع النظم الذكية، بما يعزز من كفاءة المنظومة الصحية وقدرتها على مواكبة التطورات العالمية، وتحقيق الاستدامة المهنية على المدى الطويل.
ويُعد هذا الربط بين الصناعة والموارد البشرية تأكيدًا على تبني الدولة لرؤية تنموية متكاملة، تتقاطع مع أهداف التنمية المستدامة، وبالأخص الهدف (9)، الذي يركز على بناء بنية تحتية، وتعزيز التصنيع المحلي، وتشجيع الابتكار، وهو ما يتجسد بوضوح في السياسات الصحية والاقتصادية التي تستهدف النهوض بالقطاعات الحيوية، من خلال تفعيل أدوات العلم والتكنولوجيا، وتوسيع نطاق الشراكات المحلية والدولية.
ومن هذا المنطلق، ترى حماة الأرض أن ما طُرح خلال الاجتماع يعكس تصورًا جادًّا للتنمية المستدامة، يجعل من الإنسان محورًا لكل عملية تطوير، كما تثمّن جهود الدولة في توطين صناعة الدواء والارتقاء بالكوادر البشرية، وتدعو إلى مواصلة الاستثمار في بناء القدرات وتمكين الإنسان، باعتباره السبيل الأفضل لتحقيق الاستدامة.