كيف تحمينا صحة النبات من الجوع؟
كيف تحمينا صحة النبات من الجوع؟
إنَّ صحة النباتات موضوع يجعلنا ندرك أنَّ هناك لغة خفية تنبض بالحياة في كل زاوية من زوايا كوكبنا، إنها لغة النباتات التي تتحدث إلينا من خلال ألوانها، وعطرها، وحتى من خلال صمتها عند تعرضها للأذى. وهذه الكائنات الخضراء هي أساس الحياة فوق سطح الأرض؛ تمدنا بالغذاء، وتنتج لنا الأوكسجين، ومع ذلك يواجه هذا الخط الدفاعي الأول للكوكب أخطارًا متزايدة من الآفات، والأمراض، والتغيرات المناخية.
من أجل تلك الأهمية يخصص العالم يومًا دوليًّا لصحة النباتات؛ كي يكون دعوة عالمية إلى إعادة الإنصات لنداء الأرض، والاعتراف بدور النبات في حماية مستقبلنا الجماعي. ومِن هنا سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال موضوع الصحة النباتية في ظل الاحتفال باليوم الدولي لصحة النبات؛ فتابعوا القراءة.
صحة النبات في المقدمة
في يوم 12 مايو من كل عام يقف العالم وقفة تأمل أمام رئة الحياة وصوت الطبيعة الصامت: النبات. وهذا من خلال إعلان هيئة الأمم المتحدة الذي جعل هذا اليوم يومًا دوليًّا لصحة النبات، ولم تكتفِ الهيئة بتكريم النباتات، بل أطلقت إنذارًا عالميًّا يدعو إلى إعادة التفكير في المنظومات الزراعية والغذائية والبيئية.
وذلك ليس احتفالًا بيئيًّا عابرًا، وإنما امتداد حيوي لسنة دولية أعلنتها الأمم المتحدة عام 2020؛ من أجل تسليط الضوء على الأمراض والآفات النباتية التي تلتهم أكثر من 40% من المحاصيل الغذائية سنويًّا.
ولم تكن منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” بعيدة عن هذا التوجه، فقد شددت على أنَّ حماية النباتات ضرورة استراتيجية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى رأسها الهدف الثاني: القضاء التام على الجوع. وذلك يوضح بصورة غير مباشرة كيف يتم تعريف صحة النبات؟ فإنَّ النباتات الصحية هي تلك النباتات التي تتمتع بقدرة على تحقيق أعلى معدلات النمو والإنتاج في مواجهة الضغوط البيئية والآفات الزراعية.
الزراعة وصحة الكوكب
الحقيقة هي أنَّ 80% من غذائنا و98% من الأوكسجين الذي نتنفسه يأتي من النباتات، وبالرغم من هذا الدور المصيري تتعرض النباتات لهجمات يومية من آفات وأمراض لا ترحم، وتزيدها خطورة تلك التغيرات المناخية والأنشطة البشرية العشوائية.
وبينما يتحرك الإنسان بحثًا عن الربح والرفاه، تنتقل معه أزمات غير مرئية تضرب سلاسل الإمداد الغذائي، وتُضعف قدرة الأرض على العطاء. وكلما زادت الاضطرابات البيئية -مثل التصحر وحرائق الغابات- وجدت الآفات بيئة خصبة لتتكاثر، تاركةً وراءها حقولًا خاوية، ومزارعين ومجتمعات زراعية كاملة على حافة الإفلاس.
أهداف التنمية المستدامة والوعي
إنَّ الصحة النباتية جوهر خطة التنمية المستدامة لعام 2030؛ فإنَّ صحة النباتات ترتبط بشكل مباشر بكثير من هذه الأهداف البالغة سبعة عشر هدفًا، مثل القضاء على الجوع، والعمل المناخي، والحياة في البر، والمياه النظيفة، وغيرها؛ لذلك تؤكد “الفاو” ضرورةَ الاستثمار في تنفيذ الأفكار المبتكرة واستخدام التكنولوجيا لرصد الآفات الزراعية بصورة استباقية مبكرة، ووضع استراتيجيات فعالة لحماية هذه النباتات.
وإلى جانب استخدام التكنولوجيا علينا تعزيز وعي الناس بأهمية الزراعة المستدامة، وهو الدور التوعوي الذي تقوم به حماة الأرض في جميع أنشطتها المستدامة. وكل تلك الجهود -الجهود التوعوية والجهود التكنولوجية- هي توصيات عالمية متبعة، وهو ما تؤكده الاتفاقية الدولية لوقاية النباتات (IPPC)، التي تقول: إننا نحتاج إلى نظم رصد متطورة، ومعايير صحية عالمية صارمة، وشبكات توعية مجتمعية تشعل ثورة خضراء تدافع عن النباتات كما ندافع عن أنفسنا.
ذلك لأنَّ النباتات توفر أنظمة غنية بالعناصر الغذائية للإنسان والحيوان، وتُحقق الأمن الغذائي الذي يضمن لجميع الشعوب قدرة على الصمود في مواجهة التحديات المناخية، التي أصبحت أشد تأثيرًا في السنوات الأخيرة.
مؤتمر دولي يوحّد الجهود
في عام 2022 أُطلق أول مؤتمر دولي للصحة النباتية في لندن بتنظيم مشترك بين منظمة الأغذية والزراعة وحكومة المملكة المتحدة، في محاولة لجمع صناع القرار والخبراء والأكاديميين تحت سقف واحد. وكان الهدف واضحًا: تأسيس شراكات عابرة للحدود؛ من أجل مواجهة خطر الآفات الزراعية، ومقاومة تآكل الإنتاج الزراعي.
وقد جاء المؤتمر ليؤسس أسسًا جديدة تقوم عليها مبادئ الحوكمة الصحية للنباتات، وهي مبادئ ترتكز على الابتكار، وتعزز قدرات الدول النامية في التصدي للأخطار الزراعية، خاصةً في ظل ضَعف الموارد وشُح المياه وتدهور التربة.
في الختام، تؤكد حماة الأرض أهمية إعادة ترتيب أولوياتنا، وأنْ نمنح النباتات المكانة التي تستحقها باعتبارها خط الدفاع الأول عن الإنسان وغذائه؛ لذا تواصل حملتها التوعوية لإعادة الاعتبار للنباتات، وهذا إعلان متجدد عن التزامها بنشر الوعي حول كيفية جعل مستقبلنا أخضر.