ماذا يقول الذكاء الاصطناعي في مؤتمر “سوشى تك”؟
ماذا يقول الذكاء الاصطناعي في مؤتمر “سوشى تك”؟
لقد بات من الضروري البحث عن حلول مبتكرة للمشكلات المتزايدة التي تهدد استدامة كوكبنا، ومع تقدم التكنولوجيا وظهور أدوات جديدة، تتشكل الفرص لبناء مستقبل مستدام، ومن هنا تبرز أهمية الفعاليات التي تجمع العقول المبدعة من مختلف أنحاء العالم لمناقشة أبرز القضايا التي نواجهها، ومن أهم هذه الفعاليات العالمية مؤتمر “سوشى تك” في طوكيو “SusHi Tech Tokyo 2025”.
يعد هذا المؤتمر منارة عالمية تلهم البشرية بإمكانية بناء مدن مستدامة باستخدام أحدث ما أنتجه العقل البشري من تقنيات، ومن هنا سوف تستعرض حماة الأرض في هذا المقال كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في مؤتمر “سوشى تك طوكيو 2025” في رسم ملامح هذا المستقبل المستدام، حيث يتصدر الذكاء الاصطناعي واجهة الابتكار في مجالات متعددة، من إدارة الطاقة والنقل الذكي، إلى مراقبة جودة الهواء وتحسين التخطيط الحضري؛ فتابعوا القراءة.
التعريف بالمؤتمر وأهميته عالميًّا
في الفترة ما بين 8 و10 مايو 2025، تستضيف العاصمة اليابانية طوكيو مؤتمر “سوشى تك”، الذي يعد أكبر مؤتمر للشركات الناشئة في آسيا، والوحيد من نوعه في اليابان، وهو يمثل منصة عالمية تجمع بين منظومات الابتكار المحلية والدولية، بهدف مواجهة التحديات الحضرية المشتركة، وعلى رأسها بناء مدن ذكية مستدامة قادرة على التكيف مع المستقبل.
يحظى المؤتمر باهتمام متزايد من الحكومات والمؤسسات الدولية وشركات التكنولوجيا الكبرى، نظرًا لما يمثله من فرصة استراتيجية لاكتشاف حلول تقنية قادرة على معالجة أزمات البيئة والغذاء والطاقة، كما يُعتبر المؤتمر محطة مهمة في مسار التحول الرقمي العالمي.
ويُعد مؤتمر “سوشى تك” كذلك مساحة تفاعلية تتيح للمبتكرين الشباب ورواد الأعمال من جميع أنحاء العالم لتبادل الأفكار والخبرات، وتطوير مشروعات مشتركة تسهم في الحد من التلوث، وتحسين كفاءة الطاقة، ومن هنا فهو يسلط الضوء على أبرز التقنيات الحديثة، كما ينطلق بسلسلة جديدة من المحتوى المبتكر تحت عنوان “Focus on”، تستعرض مجالات تكنولوجية متقدمة تحمل وعودًا كبيرة للمستقبل، وتبرز الدور المحوري للتحول الرقمي في بناء مدن مستدامة.
محاور المؤتمر
ويعكس اختيار محاور مؤتمر “سوشى تك” لعام 2025 إدراكًا عالميًّا بأن التكنولوجيا أداة مركزية في مواجهة الأزمات العالمية، مثل تغير المناخ إلى الأمن الغذائي، وغيرها من الأزمات، وسنستعرض فيما يلي هذه المحاور بالتفصيل، مع التركيز على كيف تتحول كل منها إلى إسهامات ملموسة في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
المحور الأول: الذكاء الاصطناعي (AI)
يعد الذكاء الاصطناعي أحد أبرز مجالات التحول الرقمي التي تسهم في تحسين كفاءة استهلاك الموارد الطبيعية، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وفي تصميم مدن مستدامة، أصبح الذكاء الاصطناعي ضرورة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها؛ فبفضل قدرته على تحليل البيانات الضخمة والتنبؤ بأنماط الاستخدام المستقبلية، يتيح الذكاء الاصطناعي لصُنّاع القرار توجيه الحلول نحو مجالات حيوية مثل النقل الذكي، وإدارة النفايات، والطاقة المتجددة، والتخطيط العمراني؛ مما يسهم في تحسين كفاءة توزيع الموارد وبناء مدن أكثر استدامة.
ومن المتوقع في مؤتمر “سوشى تك” أن تستعرض الشركات الناشئة تقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في رصد التلوث، وإدارة الزحام المروري، وقياس استهلاك الطاقة في الأبنية؛ مما يُساعد على تحقيق الاستدامة البيئية، ويسهم بشكل مباشر في تحقيق الهدف (13) من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق بالتصدي لتغيّر المناخ.
المحور الثاني: تقنيات الكم
وإذا كان الذكاء الاصطناعي هو عقل المدينة الذكية، فإن الحوسبة الكمية (Quantum) هي نبضها المتسارع نحو المستقبل، تلك التقنية -التي لا تزال في طور النشأة- تعد بقدرات حسابية خارقة قادرة على حل مشكلات معقدة في ثوانٍ، وهو ما يفتح آفاقًا واسعة لمواجهة التحديات الحضرية والبيئية التي تواجه المدن في المستقبل.
وفي مؤتمر “سوشى تك” هذا العام، سيكون الحضور على موعد مع جلسات وعروض مدهشة حول الإمكانات الكمية في تطوير أنظمة المرور، والنماذج المناخية، وتصميم البنية التحتية المستدامة. وتعتبر هذه الثورة الكمية، بما تحمله من طاقة لحل معضلات كبرى، ركيزة جديدة لتحقيق الهدف (9) من أهداف التنمية المستدامة، المتمثل في “الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية”.
المحور الثالث: تكنولوجيا الغذاء (Food Tech)
ولا يمكن تصور مدينة مستدامة دون بنية غذائية آمنة ومرنة؛ فالأمن الغذائي يُعد من الدعائم الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، خاصة في ظل النمو الحضري المتسارع وتحديات التغير المناخي، وهنا تبرز تكنولوجيا الغذاء باعتبارها من الحلول الحيوية التي تعيد رسم مشهد إنتاج الغذاء وتوزيعه داخل المدن.
يشهد هذا المجال طفرة غير مسبوقة تتمثل في الزراعة الرأسية في المساحات الحضرية الضيقة، وتطوير بدائل البروتين النباتية والمخبرية، وتبني تقنيات متقدمة لحفظ الغذاء وتقليل الفاقد والهدر، وتنعكس هذه الابتكارات بشكل مباشر على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال خفض استهلاك المياه والطاقة، وتقليل الانبعاثات، وتعزيز كفاءة استخدام الموارد، مما يسهم في تحقيق الهدف (12) من أهداف التنمية المستدامة “الاستهلاك والانتاج المسئولان”.
المشاركة المصرية في مؤتمر “سوشى تك”
ووسط هذا الحراك العالمي، تُطل مصر بحضورها الفعّال، حيث تشارك في هذا المؤتمر ممثلة في الدكتور/ عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذي غادر إلى طوكيو للمشاركة في فعاليات المؤتمر، وذلك في زيارة تمتد لثلاثة أيام، يعقد خلالها سلسلة من الاجتماعات مع مسئولي الحكومة اليابانية، وممثلي مراكز الابتكار، والمؤسسات التعليمية والبحثية، بهدف فتح آفاق جديدة للتعاون بين مصر واليابان، في مجالات الذكاء الاصطناعي، وبناء القدرات الرقمية، وتعزيز ثقافة الابتكار في المجتمع المصري.
ولا تقتصر المشاركة المصرية على التمثيل الحكومي، وإنما تتعداها لتشمل القطاع الخاص، حيث من المقرر أن يعقد الوزير لقاءات مع ممثلي كبرى الشركات اليابانية العاملة في التكنولوجيا، بهدف جذب الاستثمارات نحو السوق المصرية، ودعم منظومة الابتكار المحلي.
وهي خطوة تُجسّد حرص مصر على مواكبة التحول الرقمي العالمي، واستكشاف آفاق جديدة للتعاون في تلك المجالات، كما تعكس رؤية مصر 2030 التي تضع الابتكار والتعليم الرقمي في صميم استراتيجياتها التنموية؛ فمن خلال الانفتاح على التجارب العالمية، تسعى مصر إلى تعزيز التحول الرقمي في مجالات متعددة، وتؤسس لاقتصاد مستدام مبني على المعرفة والتقنية.
تفتح هذه الجهود المشتركة آفاقًا جديدة لتعزيز التعاون الدولي في مجالات التحول الرقمي والتنمية المستدامة، وتثمن حماة الأرض مشاركة مصر في هذه الفعاليات العالمية المهمة، وتتطلع إلى النتائج الملموسة التي سوف تساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما يسهم في بناء مستقبل أفضل.