خطى مستدامة

ما الاقتصاد الدائري؟

ما الاقتصاد الدائري؟

اكتسبتْ فكرةُ الاقتصادِ الدائري اهتمامًا وزخمًا كبيرين في السنوات الأخيرة، حتى أصبح الاقتصادُ الدائري بديلًا مستدامًا للاقتصاد التقليديّ (الخطيّ)، الذي يتبع منهج: “الاستخراجالإنتاج – التخلص“. ومما يسعى إليه الاقتصادُ الدائري إعادة تعريف طريقة إنتاجنا واستهلاكنا، وتغيير نظرتنا تجاه عملية التخلص من السلع والمواد المستهلَكة؛ ومن هنا يستند الاقتصادُ الدائري -في سعيه هذا- إلى مبادئ تصميم النفايات، ومعايير الاحتفاظ بالمنتجات، وإجراءات تجديد الأنظمة الطبيعية.

إنَّ الاقتصادَ الدائري نظامٌ قائمٌ علَى دائرة اقتصادية مغلقة، بعيدًا عن الأسلوب التقليديّ الذي يمتد عبر سلسلة توريد خطية. وتتم إعادة تدوير الموارد باستمرار -حسب مفهوم الدائرة المغلقة- إلى قطاعات الاقتصاد المختلفة؛ مما يقلل من الحاجَةِ إلى استخراج مواد خام جديدة، ويحد -أيضًا- مِن التأثير البيئيّ. ويتطلب هذا التحول إعادةَ تصور مفهوم الأعمال التجارية، وأشكال السلوك الاستهلاكيّ، فضلًا عن تطلبه تعاونًا بين الشركات والمؤسسات والحكومات والمجتمع المدنيّ علَى انتهاج هذا النهج المستدام.

في الاقتصادِ الدائري، يُستخدم الابتكارُ لأجل تعزيز الاستدامة، وتطوير منتجات قابلة لإعادة التدوير وإعادة الاستخدام، وتعزيز الاقتصادات المحلية، وخلق فرص عمل جديدة؛ لذا فالاقتصادُ الدائري أداة فعَّالة في مجال التصدي للتحديات البيئية العالمية، التي من أهمها: تغيُّر المناخ، ونضوب الموارد، فضلًا عن أنه أداة يمكن من خلالها تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستويات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.

ويتطلب الانتقالُ إلى الاقتصاد الدائري تعاونًا شاملًا، وجهودًا مشترَكةً بين جميع الجهات المَعنية، وتبني نماذج أعمال جديدة وتشريعات وسياسات داعمة، حيث إنَّ الاستثمارَ في الاقتصاد الدائري يمكن أنْ يؤدي إلى مستقبلٍ أكثر استدامةً وأشد ازدهارًا للبشرية والكوكب كله. واستنادًا إلى ما سبق، سنُجيب عن سؤال: ما معنى الاقتصاد الدائري؟

مفهوم الاقتصاد الدائري

إنَّ للاقتصاد الدائري غايتينِ، أمَّا الغاية الأولى فهي القضاءُ علَى هدر الموارد. وفي سبيل هذا يعتمد الاقتصاد الدائري علَى مفاهيمَ عديدةٍ، هي: إعادة الاستخدام – التشارك – الإصلاح والتجديد – إعادة التصنيع – إعادة التدوير، وذلك كله لإنشاء نظام الدائرة المغلقة؛ حتى يمكننا استخدام الموارد بصورة مسئولة، والحد من انبعاثات النفايات، وتقليل التلوث.

وأمَّا الغاية الأخرى فهي الحفاظ على استخدام المنتجات والمعدات والبنية التحتية أطولَ وقتٍ ممكن؛ وبالتالي تحسين إنتاجية هذه الموارد. من هنا، يجب أنْ تتحولَ المخلفاتُ إلى مواردَ تُستعمل في عمليات أخرى، ومنها يتم إنتاج منتجات جديدة؛ وهو النهج الذي يتعارض مع الاقتصاد التقليديّ.

ويرى أنصارُ الاقتصاد الدائري أنَّ وجودَ عالم مستدام لا يعني التضحيةَ بجودة حياة المستهلِكين، وأنه يمكن تحقيق ذلك دون خسارةٍ في الإيرادات، أو أنْ تتكبدَ الدولُ والأفرادُ تكاليفَ إضافيةً للمصنِّعينَ؛ مما يتيح لنا الاستمرار في الاستمتاع بمنتجات وخدمات مستدامة.

دور الدول في الاقتصاد الدائري

نُشِرَ إنفوجراف من قِبل مركز معلومات مجلس الوزراء، يوضح أنَّ مصرَ قد حققتْ تقدمًا ملحوظًا في تعزيز اقتصادها الدائري، وهذا وفقًا لتقرير الاقتصاد الدائري عامَ 2020، وهو التقرير الذي يشير إلى أنَّ مبادرات رواد الأعمال في إعادة تدوير النفايات وتعزيز دور الدولة قد أسهمتْ في تعزيز الاقتصاد الدائري على المستوى العالميّ.

  • ألمانيا

ينظر كثيرون إلى ألمانيا باعتبارها نموذجًا فريدًا لسياسات الحفاظ على البيئة، وإدارة الموارد الطبيعة بأساليب مستدامة؛ لأنها اتبعتْ سياساتٍ فعَّالةً، لتقليل استخدام البلاستيك في عملياتها الصناعية، ولأنها عملت علَى تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال مشروعاتها الاستثمارية، وكانت “زيورخ” أبرزَ المدن الألمانية التي تتبع مثل هذه السياسات المستدامة.

وفي مجال التدوير -تحديدًا- نجد أنَّ ألمانيا دولةٌ ذات خبرات كبيرة، خاصةً تلك الخبرات التي تتعلق بتشريع قوانين تدوير النفايات، حيث أمكنها إقامة مشروعات قادرة علَى توليد الوقود والطاقة من النفايات.

  • هولندا

في عام 2016 فعَّلتِ الحكومةُ الهولنديةُ سلسلةً من الإجراءات؛ لتحقيق التحول السريع نحو الاقتصاد الدائري، بما في هذا خفض الطلب على المواد الخام، وتطوير أساليب إنتاج مبتكرة منخفضة الكربون، وتشجيع الاستهلاك المدروس، واستخدام المواد المُعاد تدويرها.

وليست هولندا وحدها في هذا المجال، حيث وضعت دولٌ عديدةٌ -مثل فنلندا، والدنمارك، وسلوفينيا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا- استراتيجياتٍ وخططًا لتحقيق الاقتصاد الدائري، والحفاظ على قيمة المنتجات والمواد والموارد وقتًا أطول.

  • الصين

اعتمدتِ الصينُ استراتيجيةَ الاقتصاد الدائري منذ عام 2002، وهذا باعتبارها جزءًا من التنمية الاقتصادية، وبعدها -في عام 2009- صَدَرَ قانونُ “تعزيز الاقتصاد الدائري”. وإضافة إلى تلك الدول هناك المفوضيةُ الأوروبيةُ، التي تبنَّتْ -أيضًا- خطةَ الاقتصاد الدائري لأوروبا في عام 2011.

وختامًا نقول -باختصار- إنَّ الاقتصاد الدائري عبارةٌ عن استراتيجيات -مثل إعادة التدوير، وإعادة الاستخدام، واستخدام المواد المتجددة، وتصميم المنتجات- يمكن من خلالها تجديد وإطالة عمر المنتجات، واستعمال الموارد بكفاءة عالية، عبر تحويل النفايات من مشكلة إلى فرصة واعدة علَى المستويات كافةً.

وتأكيدًا لما سبق، تتبنَّى دول كثيرة -وكذلك المنظمات الدولية- مفهومَ الاقتصاد الدائري، وتعمل علَى تطبيقه عن طريق تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص؛ لتحقيق التغيير المطلوب. ومن الممكن أنْ يؤدي الاقتصاد الدائري إلى عديدٍ من الفوائد، مثل: توفير الموارد والطاقة، وخفض الانبعاثات الضارة بالبيئة، وتعزيز الابتكار، وخلق فرص عمل جديدة؛ لذا يجب علينا جميعًا زيادة الجهود المستدامة في سبيل تغيير النمط الاقتصادي الحاليّ، وتبني مفهوم الاستدامة، والتوعية بأهمية الحفاظ على الموارد، وتقليل المخلفات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى