من مصر إلى غزة.. مساعدات إنسانية من أجل التنمية والسلام
من مصر إلى غزة.. مساعدات إنسانية من أجل التنمية والسلام
في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة، وتصاعد الأزمات الإنسانية الناتجة عن الصراع في قطاع غزة، برز الدور المصري في دعم الجهود الإنسانية والتنموية في القطاع؛ فلم تكتفِ مصر باتخاذ موقف المتابعة، وإنما بادرت إلى أداء دور محوري عبر فتح معبر رفح بشكل منتظم، وتيسير عبور المساعدات التي مثّلت شريان حياة لملايين الفلسطينيين.
تحمل آلاف الشاحنات التي عبرت معبر رفح رسالة واضحة مفادها أن دعم استقرار غزة يبدأ بتلبية الاحتياجات الأساسية لسكانها، وترسيخ قيم الكرامة الإنسانية؛ إذ إن هذا مدخل ضروري لأي عملية تنموية أو سياسية مستدامة. وتُجسد هذه الجهود إيمانًا راسخًا بأن السلام الحقيقي ينطلق من الإنسان، وأن التنمية لا يمكن أن تتحقق دون احترام كرامة الشعوب.
وفي هذا السياق سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال الجوانب المختلفة للمساعدات المصرية المقدمة إلى غزة، من زاويتين متكاملتين: البعد الإنساني المرتبط بتخفيف المعاناة، والبعد التنموي المتعلق بتعزيز مقومات الصمود، وذلك في إطار رؤية أوسع تقوم على شراكة دولية تهدف إلى القضاء على الجوع وترسيخ أسس السلام المستدام؛ فتابعوا القراءة.
معبر رفح بوابة الحياة في وجه الحصار
منذ اللحظة الأولى لاشتعال الأوضاع في أكتوبر 2023، فتحت مصر ذراعيها لأبناء القطاع عبر معبر رفح، ولم يكن فتح المعبر مجرد قرار سياسي عابر، وإنما إعلان نوايا راسخ تجاه شراكة إنسانية لا تعرف حدود الجغرافيا، وقد دخلت أولى قوافل المساعدات المصرية المكونة من 20 شاحنة تحمل الغذاء والدواء، في وقت كان فيه سكان القطاع يعيشون تحت وطأة قصف متواصل ونقص حاد في الإمدادات الأساسية.
وبعد ذلك توالت القوافل تباعًا، ولم تكن مجرد عمليات إغاثة عاجلة، وإنما خطة دعم مستدامة تتوسع كلما اشتدت الحاجة؛ ففي يناير 2024، دخلت إلى غزة 330 شاحنة مساعدات و20 شاحنة وقود في يوم واحد، في مشهد أكد أن القاهرة ليست مجرد وسيط سياسي، وإنما هي شريك تنموي مؤثر.
المعبر الذي ظل لعقود عنوانًا للأزمات، تحوّل اليوم إلى ممرٍ للتضامن والمساندة، يحمل معه تعبيرًا ملموسًا عن الهدف (2) من أهداف التنمية المستدامة: “القضاء على الجوع”، ذلك أن مصر لم تكتف بإيصال الطعام فحسب، وإنما أسهمت في ترميم سلاسل الإمداد المنهارة داخل غزة؛ مما ساعد على بقاء الحد الأدنى من الأمن الغذائي.
المساعدات الغذائية
في مشهد يختزل معاناةً متفاقمة، كشفت تقارير الأمم المتحدة في مارس 2025 أن أكثر من 90% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفي الوقت الذي تتسابق الأرقام في رسم صورة قاتمة، كانت مصر تنسج على الطرف الآخر قصة أمل متجددة.
المساعدات المصرية لم تقتصر على الشاحنات، وإنما امتدت إلى تنسيق دائم مع الهلال الأحمر المصري ومؤسسات المجتمع المدني التي لعبت دورًا محوريًّا في تقديم وجبات مطبوخة للأسر المتضررة، وتوزيع الدقيق، والزيوت، والمعلبات، ذلك العمل لم يكن فقط استجابة طارئة، وإنما بُني على أساس منهجي يعزز الصمود الغذائي، ويمنع الانهيار الكامل للنسيج المجتمعي.
إن استراتيجية القضاء على الجوع في أهداف التنمية المستدامة ترتكز على بناء أنظمة غذائية مرنة، وتلك الجهود تتوافق تمامًا مع هذه الرؤية؛ فقد قدمت دعمًا يعزز القدرة على التحمل، ويقلل من الاعتماد على المساعدات الدولية الطارئة، وهو ما جعل من القاهرة ركيزة للتوازن الإقليمي.
الدعم الطبي
لم تكن غزة بحاجة إلى الغذاء فقط، وإنما إلى دواء يداوي الجراح، ومأوى يحفظ الكرامة؛ لذلك تضمنت القوافل المصرية منذ اليوم الأول أدوية ضرورية، ومستلزمات جراحية، ووحدات إسعاف متنقلة، وفي ديسمبر 2024 أطلقت الدولة المصرية قافلة “نتشارك من أجل الإنسانية”، بالتعاون بين صندوق “تحيا مصر” و”بيت الزكاة والصدقات”، تلك القافلة التي تُعد الكبرى من نوعها منذ بداية الأزمة، وضمّت 305 شاحنات تحمل 4200 طن من المساعدات و11 سيارة إسعاف كاملة التجهيز.
وكان للمساعدات الإيوائية نصيبٌ مهم كذلك؛ ففي إبريل 2025 دخل إلى القطاع عبر المعابر المصرية ما يزيد على 20 ألف خيمة، تُعد منقذًا لعشرات الآلاف من المشردين الذين فقدوا منازلهم تحت القصف، ومن هذا المنطلق تؤكد مصر في كل مرة أن الحق في الحياة الكريمة لا يقبل التفاوض، وأن التنمية لا تعني فقط بناء مصانع وشبكات كهرباء، وإنما تبدأ من الرعاية الصحية والإيواء، وهي أركان أساسية في أي مجتمع يسعى إلى التعافي.
شراكات من أجل التنمية والسلام
إنَّ المساعدات وحدها لا تكفي؛ فالتنمية لا يمكن أن تستقر إلا في بيئة يسودها السلام، وتغذيها الشراكة الدولية، ومن هنا أدركت الدولة المصرية أن عليها أن تلعب دورًا أكبر من مجرد المُرسل للمساعدات؛ لتصبح صوتًا داعيًا إلى التهدئة، ومبادرًا في جهود الوساطة، وهو ما يتفق مع الهدف (17) من أهداف التنمية المستدامة، الذي يدعو إلى تعزيز وسائل تنفيذ الشراكات من أجل تحقيق الأهداف.
تحركات مصر السياسية والدبلوماسية، التي شملت استقبال وفود دولية في القاهرة، وقيادة مشاورات للتهدئة مع القوى الإقليمية، أثبتت أن التنمية المستدامة لا تنفصل عن السلام، وبذلك جمعت مصر بين البعد الإنساني والبعد السياسي، فدعمت غزة في مأساتها، وسعت في الوقت نفسه إلى وقف إطلاق النار، والتهيئة لبناء مستقبل أكثر استقرارًا.
وهذه الرؤية تعكس فلسفة متكاملة مفادها أن المجتمعات لا تزدهر إلا عندما تُبنى شراكات عادلة تضع الإنسان في قلب الأولويات؛ فكما دعمت مصر القطاع بمئات الأطنان من المساعدات، فإنها لم تتردد في دعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسئولياته، وممارسة ضغوطه من أجل وقف الانتهاكات، وتوفير مساحة حقيقية للحوار.
استمرارية دعم مصر لغزة
واليوم بعد مرور ما يقرب من عامين على اندلاع الأزمة، يمكن القول بأن مصر لم تكن مجرد ناقل مساعدات، وإنما راعية لروح التنمية والإنسانية؛ فمن معبر رفح الذي شكّل شريان الحياة، إلى غرف صناعة القرار في القاهرة، مرورًا بمراكز الهلال الأحمر وشاحنات الإغاثة المحمّلة بالغذاء والدواء، بقيت الرؤية المصرية واضحة وثابتة: التضامن الإنساني أولوية، والسلام خيار استراتيجي لا بديل عنه.
ومن قلب المعاناة، تولد دائمًا رسائل الأمل، ولذلك تدرك حماة الأرض بأن كل قافلة تمرّ، وكل خيمة تُنصب، وكل جرعة دواء تُقدَّم، هي خطوة نحو تحقيق تنمية إنسانية مستدامة، وبناء أرضية راسخة للسلام في المنطقة، وتؤكد تلك المساعدات المصرية أن العمل الإنساني ينبغي أن يكون منطلقًا فعليًّا للتنمية والسلام.