خطى مستدامة

مصر تقود التحول نحو الطاقة المتجددة

مصر تقود التحول نحو الطاقة المتجددة

في الوقت الذي تسعى دول العالم إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، تتحرك مصر بخطى ثابتة نحو مستقبل يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة، من خلال استثمارات ضخمة، وتسهيلات غير مسبوقة للمستثمرين، ومشروعات عملاقة تعكس رؤية واضحة نحو التحول إلى مصادر طاقة متجددة.

وفي هذا المقال تسلط حماة الأرض الضوء على أحدث الإنجازات التي حققتها مصر في هذا المجال، موثقةً التقدم الذي أحرزته، ومستعرضةً تأثير هذه الجهود في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، واستشراف مستقبل الطاقة في المنطقة والعالم. فكيف استطاعت مصر تحقيق هذه القفزة في قطاع الطاقة المتجددة؟ وما التحديات والفرص التي تواجهها في رحلتها نحو الاستدامة؟ تابعوا القراءة لاكتشاف التفاصيل.

مسار الاستدامة المصرية

تواصل مصر صعودها في سباق الطاقة المتجددة -وفقًا لتقرير صادر عن “إرنست آند يونج – Ernst & Young”، إحدى كبرى الشركات العالمية المتخصصة في تحليل السياسات الاقتصادية- فقد قفزت إلى المركز 34 عالميًّا في تصنيف أكثر الدول جذبًا للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة بحلول يونيو 2024، وهذه القفزة التي تقدمت بها خمسة مراكز منذ 2015 ليست مجرد أرقام، وإنما هي دليل قوي على تحول مصر إلى قوة إقليمية في مجال الطاقة النظيفة، بفضل استراتيجيات طموحة واستثمارات ضخمة ترسم ملامح مستقبل أكثر استدامة.

ولم يكن هذا التقدم وليد الصدفة، وإنما هو نتيجة لسياسات مدروسة وخطط طموحة وضعتها الحكومة المصرية؛ لدعم تحولها نحو الطاقة النظيفة، وأوضح تقرير مجلس الوزراء المصري أن الدولة سجلت قفزة نوعية في مؤشر الطاقة العالمي الصادر عن “مجلس الطاقة العالمي”، وهو مؤشر يعكس قدرة الدول على تحقيق التوازن بين استقرار إمدادات الطاقة، وتكلفتها، ومدى توافقها مع معايير الاستدامة البيئية، وقد صعدت 31 مركزًا خلال أقل من عقد، محققة المركز 54 عالميًّا عام 2023 بعدما كانت في المركز 85 عام 2014، وهو ما يعزز مكانة مصر باعتبارها إحدى الدول الرائدة في هذا المجال.

وقد كشفت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني أن مستقبل قطاع الطاقة في مصر يحمل آفاقًا واعدة، مدعومًا بإمكانات نمو هائلة ومبادرات حكومية تدفع نحو تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي، مع التركيز على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح باعتبارهما الركيزتين الأساسيتين لهذا التحول.

أهداف مصر في مجال الطاقة النظيفة

في إطار “رؤية مصر 2030” للتنمية المستدامة، وضعت الحكومة استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة، التي تهدف إلى رفع نسبة إسهام الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وصولًا إلى أكثر من 60% بحلول عام 2040. وهذه الأهداف تعكس التزام مصر بتعزيز الاستدامة وتقليل الانبعاثات الكربونية، بما يتوافق مع الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، ويسهم في تحقيق الهدف (13) من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة “العمل المناخي”.

أما على صعيد التنفيذ فقد شهد قطاع الطاقة المتجددة في مصر نموًّا سريعًا، حيث بلغ إجمالي القدرات التي تم تشغيلها أو الجاري تنفيذها نحو 22.8 جيجاوات، وهو ما يعكس قفزة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة. وارتفعت القدرة المركبة من الطاقة الشمسية، والطاقة المائية، وطاقة الرياح بنسبة 110.1%، لتصل إلى 7331 ميجاوات في أكتوبر 2024، بعد أن كانت 3490 ميجاوات فقط في عام 2013 – 2014، ومن المتوقع أن تصل القدرة الإجمالية إلى 10,000 ميجاوات بحلول نهاية عام 2025، وتعكس هذه الأهداف التزام مصر بتحقيق الهدف (7) من أهداف التنمية المستدامة، الذي يدعو إلى توفير طاقة نظيفة ومستدامة وبأسعار معقولة للجميع.

ومن الجدير بالذكر، هو أنَّ “رؤية مصر 2030” لا تقتصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة المتجددة فقط، وإنما تمتد إلى أن تصبح مركزًا إقليميًّا لتصدير الكهرباء النظيفة إلى الدول المجاورة؛ وهذا ما يفتح الباب أمام شراكات دولية واستثمارات ضخمة تعزز مكانتها في سوق الطاقة المستدامة.

جذب الاستثمار

وفي إطار استقطاب الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة المتجددة، حرصت مصر على توفير بيئة استثمارية جاذبة تتيح للقطاع الخاص فرصة المشاركة الفعالة في هذا التحول، ومن أبرز الحوافز التي قدمتها الحكومة، تخصيص 42.6 ألف كيلومتر مربع لإنشاء مشروعات الطاقة المتجددة، وهي مساحة شاسعة يمكن أن تستوعب استثمارات ضخمة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

ولتخفيف الأعباء المالية على المستثمرين، تبنت الحكومة إجراءات تحفيزية تضمنت منح الأراضي مقابل نسبة 2% من الكهرباء المنتجة سنويًّا، بالإضافة إلى تخفيض الجمارك على مكونات وقطع غيار المعدات المستخدمة في الطاقة المتجددة من 5% إلى 2%، كما تم تقليص ضريبة القيمة المضافة على هذه المشروعات من 14% إلى 5%، في خطوة تهدف إلى تقليل التكاليف التشغيلية وزيادة العائد على الاستثمار.

وفي إطار جهودها لدعم التوسع في مشروعات الطاقة النظيفة، أقرت الحكومة المصرية حوافز استثمارية تصل إلى 50% من التكاليف الاستثمارية للمشروعات الجديدة أو توسعاتها، وفقًا للمادة 11 من قانون الاستثمار. ولم تقتصر الحوافز على التسهيلات الضريبية فقط، وإنما تم توفير تمويلات ميسرة للقطاع الخاص بأكثر من 4.5 مليار دولار منذ عام 2022، بهدف دعم تنفيذ مشروعات طاقة متجددة بقدرة 4.7 جيجاوات ضمن برنامج “نُوَفِّي”، وهو أحد البرامج الرئيسية التي تعزز التحول نحو الطاقة المستدامة في مصر. وهذه الإجراءات تتوافق مع الجهود العالمية لتحقيق الهدف (9) من أهداف التنمية المستدامة “الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية”، الذي يركز على تطوير بنية تحتية مستدامة، وتحفيز الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا النظيفة.

مشروعات ضخمة

وبالتوازي مع الحوافز الاستثمارية، تشهد مصر تنفيذ عدد من المشروعات العملاقة في مجال توليد الكهرباء من الرياح، التي من المتوقع أن تسهم بشكل كبير في تعزيز الإنتاج المحلي للطاقة النظيفة، وتشمل هذه المشروعات تنفيذ مزارع رياح بقدرة إجمالية تصل إلى 1750 ميجاوات، ومن المقرر الانتهاء منها بحلول عام 2026. ومِن أحد أبرز هذه المشروعات هو مزرعة محطة رياح “أمونت”، التي تصل قدرتها إلى 500 ميجاوات؛ مما يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعزيز تصدير الكهرباء إلى الأسواق الإقليمية.

في الختام، يُعد تَقدُّم مصر في مجال الطاقة المتجددة خطوةً محوريةً نحو مستقبل أكثر استدامة على المستوى الإقليمي والدولي، وتُثمن حماة الأرض هذه الجهود الطموحة التي تعكس التزامًا حقيقيًّا بتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية، ومع استمرار هذه الاستثمارات والسياسات يبقى الأمل معقودًا على تعزيز الابتكار، وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية التحول إلى الطاقة النظيفة، سعيًا إلى مستقبل أكثر استقرارًا وكفاءة في إدارة الموارد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى