أخبار الاستدامة

مصر وفرنسا تعززان التعاون نحو التنمية المستدامة

مصر وفرنسا تعززان التعاون نحو التنمية المستدامة

تُعد العلاقات المصرية الفرنسية نموذجًا متطورًا لشراكة دولية ترتكز على أسس تاريخية من الصداقة والثقة المتبادلة، وتُعززها رؤية سياسية متقاربة وتعاون متنوع يشمل جميع القطاعات. ولقد شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في مجالات متعددة، مثل الصحة والطاقة المتجددة.

وفي خطوة تعكس الرؤية الاستراتيجية لمصر نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الشراكات الدولية المثمرة، استقبل السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره الفرنسي الرئيس إيمانويل ماكرون مساء الأحد 6 إبريل الجاري، في زيارة شهدَا خلالها سلسلة من الفعاليات والاتفاقيات التي رسّخت أُطر التعاون الاستراتيجي بين مصر وفرنسا في مجالات تشمل الصحة، والطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا، وغيرها من المجالات.

شراكة استراتيجية بين مصر وفرنسا

تمثل الحدث الأبرز في الزيارة في إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، الذي تضمن توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم طويلة الأجل، ما يؤشر على انتقال التعاون الاستراتيجي بين مصر وفرنسا من مستوى المبادرات المتفرقة إلى مستوى أكثر تكاملًا واتساقًا.

وقد جاءت هذه الزيارة في توقيت بالغ الأهمية، حيث يشهد العالم تغيرات متسارعة في موازين الاقتصاد والسياسة الدولية، ما يُضفي على مثل هذه الشراكات طابعًا استراتيجيًّا يتجاوز الأبعاد الثنائية التقليدية، ويفتح المجال أمام تعاون متعدد المستويات؛ ولذلك لم تقتصر فعاليات الزيارة على اللقاءات الرسمية وتوقيع الاتفاقيات، وإنما شملت أيضًا منصات حوار وتفاعل مباشر بين ممثلي الحكومتين وقطاع الأعمال، مما أتاح مناقشة فرص الاستثمار المستقبلية والتحديات المشتركة.

منتدى الأعمال المصري الفرنسي

ومن أبرز الفعاليات التي تمت على هامش تلك الزيارة “منتدى الأعمال المصري الفرنسي” الذي عُقد في القاهرة يوم الإثنين الماضي -7 إبريل- بحضور الرئيسينِ، وعدد من الوزراء والمسئولين من الجانبين، وسط إشادة من المهندس/ حسن الخطيب -وزير الاستثمار والتجارة الخارجية- بما وصفه بـ”التحول النوعي في خريطة التعاون الاقتصادي”.

وفي كلمته الافتتاحية أشار الخطيب إلى أن فرنسا تُعد شريكًا استراتيجيًّا رئيسيًّا لمصر، خاصة في القطاعات ذات الأولوية التنموية مثل: الصناعات التحويلية والدوائية، وتكنولوجيا المعلومات، والبنية التحتية، والخدمات المالية. وهي قطاعات وصفها الوزير بأنها تشكل عماد الاقتصاد المستدام، خاصةً مع تسجيل ارتفاع في التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى 2.8 مليار دولار عام 2024، بزيادة قدرها 14% عن العام السابق.

اتفاقيات لمشروعات تنموية محورية

وعلى هامش “منتدى الأعمال المصري الفرنسي”، تم توقيع 9 اتفاقيات تمويل ومنح بقيمة 262.3 مليون يورو، تستهدف تنفيذ مشروعات ذات أولوية في مجالات معالجة المياه والصرف الصحي، والطاقة المتجددة، والسكك الحديدية، بما يدعم خطط الدولة في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز البنية التحتية.

وفي هذا السياق، أوضحت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن الاتفاقيات الموقعة تشمل تمويل مشروع مركز التحكم الإقليمي بالإسكندرية بقيمة 60 مليون يورو ضمن محور الطاقة في برنامج “نُوفّي”، وهذا من شأنه تعزيز إمدادات الطاقة، ودعم مشروعات الطاقة المتجددة في المحافظة، إضافة إلى 70 مليون يورو لمحطة معالجة مياه الصرف الصحي الجديدة بشرق الإسكندرية، التي ستخدم نحو 1.5 مليون نسمة وتُحسن من خدمات المياه.

كما تشمل الاتفاقيات أيضًا 70.8 مليون يورو لمشروع إنشاء خط سكة حديد يربط الروبيكي بين العاشر من رمضان وبلبيس، وهو مشروع حيوي يُسهم في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني من خلال تسهيل نقل البضائع من الموانئ الجافة وإليها، و61.5 مليون يورو للمرحلة الثالثة من مشروع محطة معالجة مياه الصرف الصحي بالجبل الأصفر، التي تهدف إلى توسيع الطاقة الاستيعابية للمحطة ومواكبة الزيادة السكانية؛ مما يعزز من استدامة الخدمات الأساسية.

وقد تم توقيع إعلان تجديد التعاون الفني والمالي بين مصر وفرنسا، خلال منتدى الأعمال المصري الفرنسي، بحضور الدكتورة/ رانيا المشاط “وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي”، ووزير الاقتصاد والمالية الفرنسي “إريك لومبارد”، ووزير أوروبا والشئون الخارجية الفرنسي “جان نويل بارو”؛ وذلك بالتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية؛ لتمويل المشروعات الأربعة المشار إليها.

وفي المؤتمر الصحفي المشترك أشار المسئولون إلى أن الاستثمارات الفرنسية في مصر توفّر حاليًّا حوالي 50 ألف فرصة عمل من خلال نحو 180 شركة، بإجمالي رأس مال يقدر بنحو 7.7 مليارات دولار، ما يعكس حرص الجانبين على دعم أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف (8) “العمل اللائق ونمو الاقتصاد”، الذي يهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي الشامل وتوفير فرص عمل مناسبة للمواطنين.

مصر

دعم متبادل في مجالات الحماية الاجتماعية

وفي إطار هذه الشراكة متعددة الأبعاد، التقت الدكتورة/ مايا مرسي “وزيرة التضامن الاجتماعي”، بالسيدة/ كاترين فوتران “وزيرة العمل والصحة والتضامن وشئون العائلة الفرنسية”، وناقشا سبل تعزيز التعاون في مجالات الرعاية الاجتماعية، وتمكين المرأة، وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إلى جانب دعم مشروعات الطاقة المستدامة مثل الهيدروجين الأخضر، وذلك في إطار التعاون الاستراتيجي بين مصر وفرنسا.

وقد استعرضت وزيرة التضامن الاجتماعي برامج الحماية الاجتماعية في مصر، وعلى رأسها برنامج “تكافل وكرامة” الذي استفادت منه أكثر من 7.7 ملايين أسرة، بالإضافة إلى جهود التمكين الاقتصادي، واستخراج مليون ونصف بطاقة خدمات متكاملة لذوي الإعاقة، بما يضمن وصول مظلة الحماية الاجتماعية للفئات الأضعف.

كما تناول اللقاء بينهما ملف الطفولة المبكرة والحضانات، باعتباره وسيلة لتمكين الأمهات ورفع نسبة مشاركتهن الاقتصادية، حيث تعمل الوزارة على زيادة نسبة الحضانات من 8% إلى 25%، مع افتتاح مركز حضانات نموذجي بالعاصمة الإدارية الجديدة.

مصر

تعاون في النقل والطاقة النظيفة

وفي خطوة تؤكد مكانة مصر باعتبارها مركزًا إقليميًّا للطاقة الخضراء، تم توقيع اتفاقية تعاون بين الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة من جهة، وتحالف الوقود الأخضر المكون من شركتي EDF Renewables الفرنسية وZero Waste (المصرية – الإماراتية) من جهة أخرى؛ وذلك لإنشاء محطة متكاملة تُنتج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في منطقة رأس شقير، باستثمارات تصل إلى 7 مليارات يورو، وقدرة إنتاجية تبلغ مليون طن سنويًّا من الأمونيا الخضراء.

وقد حضر مراسم التوقيع كل من الفريق مهندس/ كامل الوزير “نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة والنقل”، والدكتور/ محمود عصمت “وزير الكهرباء والطاقة المتجددة”، والسيد/ إريك لومبار “وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي”.

وأكد الفريق/ كامل الوزير أن المشروع يعكس التزام الدولة بتوطين صناعة الوقود الأخضر وجذب الاستثمارات طويلة الأمد، ويتميز بتمويله الكامل من القطاع الخاص دون أعباء مالية على الدولة، كما يتيح فرصًا واسعة للعمل المحلي، وتدريب العمالة المصرية لتشكل 95% من القوى العاملة المباشرة في المشروع مستقبلًا.

مصر

دعم المنظومة الصحية وتعزيز الشراكة الطبية

في الجانب الصحي، اصطحب الدكتور/ خالد عبد الغفار “نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان” نظيرته الفرنسية الدكتورة/ كاترين فوتران في جولة تفقدية إلى مستشفى سرطان الأطفال 57357 ومعهد ناصر للبحوث والعلاج، بهدف استعراض التجربة المصرية في تطوير القطاع الصحي، وتبادل الخبرات مع الجانب الفرنسي، خاصة في مجالات الرعاية المتخصصة، والبحث العلمي، والتدريب الطبي.

وقد شملت الجولة الاطلاع على وحدات علاجية وأقسام متخصصة، من بينها وحدة جراحة القلب المفتوح بمعهد ناصر، ووحدة الأبحاث والعلاج بالفن بمستشفى 57357، وقد أبدت الوزيرة الفرنسية إعجابها بمستوى الخدمات الطبية المقدمة، مؤكدة أن مصر تمتلك بنية تحتية وكفاءات طبية تؤهلها للريادة إقليميًّا في مجال الرعاية الصحية، ومشيدة كذلك بالتقدم الكبير الذي أحرزته الدولة المصرية في توسيع نطاق التغطية الصحية وتحسين جودة الرعاية.

مصر

وقد عقد مؤتمر صحفي مشترك بين الوزيرين، برزت فيه ملامح الشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا في القطاع الصحي، ومن بينها التعاون في افتتاح أول فرع خارجي للمعهد القومي الفرنسي للأورام “جوستاف روسي” في مستشفى دار السلام (هرمل)، وهو المشروع الذي وصفه المسئولون الفرنسيون بأنه نقطة تحول في التعاون الطبي الدولي، ويعكس ثقة فرنسا في قدرات مصر لتكون مركزًا إقليميًّا متقدمًا لعلاج الأورام وتطوير البحث العلمي في المجال الصحي.

تعزيز التعاون في الآثار والثقافة

أما في قطاع السياحة فعقد وزير السياحة والآثار -السيد/ شريف فتحي- اجتماعًا مع وزيرة الثقافة الفرنسية السيدة/ رشيدة داتي بمقر المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، حيث تم بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجال الأثري، وشهد اللقاء تأكيدًا مشتركًا على عمق العلاقات التاريخية التنموية بين البلدين، التي تُوجت بتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا.

كما تطرق الاجتماع إلى مشروعات التعاون القائمة، مثل الاتفاقية الثلاثية بين المعهد الفرنسي للآثار الشرقية والمعهد الفرنسي بالقاهرة والمجلس الأعلى للآثار؛ لتدريب العاملين في المواقع والمتاحف الأثرية المصرية على اللغة الفرنسية المتخصصة.

مصر

التزام مشترك بالاستدامة

وتبقى مثل هذه الشراكات، القائمة على تبادل المنفعة والاحترام المتبادل، واحدة من أكثر السبل واقعيةً لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، وبناء مستقبل أكثر استدامة للجميع، وتعكس التزام الجانبين بدعم أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، خاصة الهدف (17) “عقد الشراكات لتحقيق الأهداف”، وذلك من خلال تنفيذ مشروعات استراتيجية قائمة على الابتكار، وتعزيز النمو الأخضر، وتبادل المعرفة والخبرات بشكل متوازن ومستدام.

وتُثمّن حماة الأرض هذا النموذج المُلهِم من الشراكة بين مصر وفرنسا، باعتباره خطوة نوعية نحو تحقيق تنمية مستدامة شاملة تُراعي الإنسان والبيئة والاقتصاد في آنٍ واحد، وتُمهّد الطريق نحو تعاون دولي قادر على مواجهة التحديات العالمية المشتركة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى