الاستدامة والقانون

وَقفةٌ قانونيَّة: احتفاظُ المنشآتِ بسِجلٍّ لبيانِ تأثيرِ أنشطتِها على البِيئة

وَقفةٌ قانونيَّة احتفاظُ المنشآتِ بسِجلٍّ لبيانِ تأثيرِ أنشطتِها على البِيئة

وَقفةٌ قانونيَّة:احتفاظُ المنشآتِ بسِجلٍّ لبيانِ تأثيرِ أنشطتِها على البِيئة

 

استهلَّ المُشرعُ الدُّستوريُّ «دستورُ مصرَ النَّافذ» بعبارة: «مصرُ هِبةُ النيلِ للمِصريينَ، وهبةُ المِصريينَ للإنسانيَّة»، ثُمَّ استرسلَ قائلًا: «مصرُ العربيةُ بعَبقريةِ موقعِها وتاريخِها قلبُ العالمِ كلِّه، فهي مُلتقَى حضاراتُهُ وثقافاتُه، ومُفترَقُ طُرقِ مُواصلاتِهِ البحريةِ واتصالاتِه، وهي رأسُ إفريقيا المُطلُّ على المتوسط، ومَصَبُّ أعظمِ أنهارِها «النيل».

ويَنُصُّ الدستورُ المصريُّ في المادةِ رَقْم (45) منه: «تلتزمُ الدولةُ بحمايةِ بِحارِها وشواطئِها وبُحيْراتِها وممرَّاتِها المائيةِ ومَحميَّاتِها الطبيعية، ويُحظرُ التعدِّي عليها، أو تلويثُها، أوِ استخدامُها فيما يَتنافَى معَ طبيعتِها، وحقُّ كلِّ مُواطنٍ في التمتُّعِ بها مَكفُول، كمَا تَكفُلُ الدولةُ حمايةَ وتنميةَ المساحةِ الخضراءِ في الحَضر، والحفاظَ على الثروةِ النباتيةِ والحيوانيةِ والسمكية، وحمايةَ المُعرَّضِ منها للانقراضِ أوِ الخَطر، والرِّفقَ بِالحيوان، وذلكَ كلُّهُ على النحْوِ الذي ينظمُه القانون».

كمَا يَنُصُّ الدُّستورُ المِصريُّ في المادةِ رقْم (46) أنَّه: «لكلِّ شخصٍ الحقُ في بِيئةٍ صِحيةٍ سَليمَة، وحِمايتُها واجبٌ وطني، وتَلتزمُ الدولةُ باتَّخاذِ التدابيرِ اللازمةِ؛ للحفاظِ عليها، وعدمِ الإضرارِ بها، والاستخدامِ الرشيدِ للمواردِ الطبيعيةِ بما يَكفلُ تحقيقُ التنميةِ المُستدامة، وضَمانِ حُقوقِ الأجيالِ القادِمةِ فيها».

ولمَّا كانَ المُشرعُ الدستوريُّ قد أقرَّ للبيئةِ المِصريةِ بالقُدُسيةِ التي تَليقُ بِها مِنْ خِلالِ نُصوصِهِ الدُّستوريةِ كمَا أشرْنا إليها؛ بغَايةِ حِمايتِها والمُحافظةِ عليهَا، وحمايةِ مُقدَّراتِ الوطنِ وثَرواتِهِ الطبيعيةِ، فكانَ على المُشرعِ القانونيِّ أنْ يَسيرَ على نَهْجِ المُشرعِ الدستوريِّ بِتقريرِ القَواعدِ اللازمةِ لهذهِ النصوصِ الدستوريةِ تَفصِيلًا وأحكامًا؛ لذا أصدرَ المُشرع قانونَ البيئةِ رقْم (4) لسنةِ 1994 وتعدِيلاته.

وجوبُ احتفاظِ المُنشآتِ بسِجلِّ الحَالةِ البِيئيَّة

يُمثِّلُ قانونُ البيئةِ رقْم (4) لسنةِ 1994 ولائحتُهُ التنفيذيَّةِ وتعديلاتُهُمَا العَمودَ الفِقريَّ للهَيْكلِ القَانونيِّ الخاصِّ بتنظيمِ كلِّ مَا يَخُصُّ الشأنُ البيئيُّ المِصري. عندَ التَّصفُّحِ لقانونِ البِيئةِ في بابِهِ الأولِ والذي يأتي بعُنوان «حمايةُ البيئةِ الأرضيةِ مِنَ التلوُّث» نجدُ المادةَ رقْم (22) والخاصَّةَ بوُجوبِ احتفاظِ المنشآتِ بسجلٍّ يُوضِّحُ أنشطةَ المنشأةِ ومدَى تأثيرِ هذِه الأنشطةِ على البيئة، وقد أطلقَ القانونُ على هذا السِجلِّ اسم «سِجلُّ الحالةِ البِيئية».

في البدايةِ نَستعرضُ التاريخَ التشريعيَّ لهذهِ المادةِ الهامَّةِ مِنْ قانونِ البيئة، حيثُ يُمكنُنَا أن نجدَها كجُزءٍ أصيلٍ مِنَ القانونِ رقْم (4) المُصدَرِ سنة 1994، إلَّا إنَّ نصَّ هذهِ المادةِ تَمَّ استبدالُهُ في القانونِ رقْم (9) لسنة 2009 الخاصِّ ببعضِ التعديلاتِ على العَديدِ مِنْ موادِّ قانونِ البيئةِ وإضافةِ بعضِ الموادِّ الجديدة، ونُوضِّحُ فيما يَلِي أهمَّ الاختلافاتِ بينَ النصِّ الأصليِّ والنصِّ المُستبدَل.

نصُّ المادةِ الأصليِّ خَصَّ مسؤوليةَ الاحتفاظِ بالسِّجلِّ البِيئيِّ بمالِكِ المُنشأةِ حيثُ بدأَ بعبارَة: «على صاحبِ المُنشأةِ الاحتفاظُ بسِجِل ….» إلَّا إنَّ هذهِ الصيغةَ تمَّ استبدالُها بـ «على المسؤولِ عنْ إدارةِ المُنشأة» وهو شيءٌ منطقيٌّ حيثُ إنَّه ليسَ بالضرورةِ أن يكونَ مالِكُ المنشأةِ هو المسؤولُ عن إدارتِها؛ وبالتالي فإنَّ التكليفَ القانونيَّ تمَّ توجيهُهُ إلى مَوضعِ المسؤوليةِ بدلًا منْ موضعِ المِلكيةِ؛ وذلك لأنَّ الاحتفاظَ بالسجلِّ البيئيِّ يُعَدُّ عملًا منْ أعمالِ الإدارة.

يُوضِّحُ نصُّ المادةِ الأصليِّ أنَّ جهازَ شؤونِ البيئةِ هو الجِهةُ المُختصَّةُ بمُراجعةِ السجلِّ البيئيِّ، والتأكُّدِ منْ مُطابقةِ مَا يردُ فيهِ مِنْ بياناتٍ ومُطابقتِها بالواقِعِ، وتَحديدِ مدَى التزامِ المُنشأةِ بالمَعاييرِ البيئيةِ كمَا أشارَ النصُّ أنَّه: «في حالِ وجودِ أيِّ مُخالفاتٍ يَقومُ الجهازُ بإخطارِ الجِهةِ الإداريَّةِ المُختصَّةِ لتكليفِ صاحبِ المُنشأةِ بتصحيحِ هذهِ المُخالفاتِ على وجْهِ السُّرعة»، على جانبٍ آخرَ، فالنَصُّ الجديدُ على الرغمِ منْ أنَّهُ حافظَ على جعْلِ جهازِ شؤونِ البيئةِ هو جِهةُ الاختصاصِ فيمَا يتعلَّقُ بِمُراجعةِ السجلِّ البِيئي، إلَّا إنَّهُ قامَ بتفصيلِ كلمةِ «المُخالفات» مِنَ النصِّ الأصلي، والتي تُعتبرُ مُقتَضبةً إلى حدٍّ كبير.

النصُّ الجديدُ أَوْرَد: «فإذَا تبيَّنَ عدمُ احتفاظِ المنشأةِ بالسجلِّ البيئي، أوْ عدمُ انتظامِ تدوينِ بياناتِه، أوْ عدمُ مُطابقتِها للواقِع، أو عدمُ التزامِ المنشأةِ بالمعايير …»، ولعلَّ هذَا التعديلَ جعلَ المادةَ أكثرَ وضوحًا وتحديدًا بالمقارنةِ معَ النصِّ الأصلي، الذي يُعتبرُ مَرِنًا إلى حدٍّ كبيرٍ، ويَحتملُ العديدَ مِنَ التفسيراتِ التي قدْ ينتجُ عنها بعضُ الثَّغراتِ للالتفافِ حولَ هذهِ المادةِ وما قد يَترتَّبُ على مُخالفتِها مِنْ عُقوبات.

الدَّورُ التنفيـذيُّ للمــادةِ وأهميـةُ دورِها

الجزءُ الأخيرُ مِنَ المادةِ (22) في نصِّها الأصليِّ نجدُ أنَّ المُشرعَ أعطَى مُهلةً ستينَ يومًا؛ لتصحيحِ المُخالفاتِ وذلكَ منْ تاريخِ إخطارِ صاحبِ المُنشأةِ بهذهِ المخالفاتِ منْ قِبلِ الجِهةِ الإداريةِ المُختصَّة، وأنَّهُ في حالِ نفادِ هذهِ المُدةِ دونَ تصحيحٍ «يكونُ للجهازِ بالاتفاقِ معَ الجهةِ الإداريةِ المختصةِ اتخاذُ الإجراءاتِ القانونيةِ والقضائيةِ اللازمةِ لوقْفِ النَّشاط ….»، إلَّا إنَّهُ في النصِّ الجديدِ الواردِ في القانونِ رقْم (9) لسنةِ 2009 خصَّ المُشرعُ جهازَ شؤونِ البيئةِ وحدهُ باتخاذِ الإجراءاتِ القانونيةِ بعدَ إخطارِ الجهةِ الإداريةِ المختصَّة، كمَا حدَّدَ النصُّ المُستبدلُ هذهِ الإجراءاتِ القانونيةَ في نقطتيْنِ مُحددتَيْن: الأولى هي «مَنحُ مُهلةٍ إضافيةٍ للمنشأةِ؛ لتصحيحِ المخالفاتِ، وإلَّا حَقَّ للجهازِ أن يَقومَ بذلكَ على نفقةِ صاحبِ المُنشأة»، أمَّا الثانيةُ فهي: «وقفُ النشاطِ المُخالفِ لحينِ إزالةِ آثارِ المُخالفةِ ودونَ المِسَاسِ بأُجورِ العاملينَ فيه».

كما أُخْتُتِمَتِ المادةُ في نصِّها المُستبدلِ بأنَّه «وفي حالةِ الخطرِ البيئيِّ الجسيمِ يتعيَّنُ وقفُ مصادرِهِ في الحالِ وبكافَّةِ الوسائلِ والإجراءاتِ اللازمة».

تكمُنُ أهميةُ هذهِ المادةِ في تسهيلِ عملياتِ التفتيشِ البيئيِّ الدوريِّ على المنشآتِ وذلكَ عنْ طريقِ إلزامِ المسؤولِ عنِ المنشأةِ بتدوينِ وجمْعِ كلِّ مَا يخصُّ المنشأةُ منْ بياناتٍ، ومعلوماتٍ، ومستنداتٍ متعلقةٍ بالشأنِ البيئيِّ في ملفٍ واحدٍ يُمكنُ الاطلاعُ عليهِ منْ قِبلِ المُفتِّشِ؛ للوقوفِ على مدَى التزامِ المُنشأةِ بالمَعاييرِ البيئيةِ، والتعرُّفِ على طبيعةِ نشاطِ المنشأةِ؛ وذلكَ نظرًا للتنوُّعِ الرَّهيبِ في القطاعاتِ الصناعيةِ والزراعيةِ والخدميةِ المختلفةِ؛ وذلك بما يسهُلُ على المفتشِ فَهمُ واستيعابُ طبيعةِ النشاط.

كيفيَّةُ إعدادِ السجلِ والعقوباتِ المتعلقةِ بِه

على جانبٍ آخرَ، فإنَّ اللائحةَ التنفيذيةَ للقانونِ أوضحَتْ في المادةِ رقْم (17) بشكلٍ أكثرَ تفصيلًا مسؤولياتِ صاحبِ المنشأةِ وأهمَّ البياناتِ المَطلوبِ تدوينُها في السِجلِّ البِيئي، كمَا أشارَتْ إلى النموذجِ الذي يتمُّ استخدامُهُ لإعدادِ السجلِّ البِيئي وهو «النموذجُ المبينُ في المُلحقِ رقْم (3) لهذهِ اللائحة».

أمَّا المادةُ (18) مِنَ اللائحةِ التنفيذيةِ منْ قانونِ البيئةِ فقدْ فَصلَتْ مَهامَّ جِهةِ الاختصاصِ، وتَسلسُلِ الإجراءاتِ القانونيةِ المُتبَعَةِ تُجاهَ المُنشآتِ المُخالفة، وآليَّةِ تحديدِ الأخطارِ البيئيةِ الجَسيمةِ التي يترتَّبُ عليها وقفُ مصادرِهِ بشكلٍ فَوري، كمَا أوضحَتِ المادةُ وجوبَ احتفاظِ السجلِّ البيئيِّ بِالمنشأةِ بصفةٍ دائِمة، كمَا أشارَتْ إلى المُدةِ التي تلتزمُ بها المنشأةُ للاحتفاظِ بالسجلِّ البيئيِّ بعدَ تحديثِ بياناتِه.

المُلحقُ رقْم (3) الذي تمَّتِ الإشارةُ إليهِ في المَادة (17) مِنَ اللائحةِ التنفيذيةِ لقانونِ البيئةِ يُوضِّحُ في الجَدولِ الأولِ منهُ نموذجًا وافيًا عنْ كيفيَّةِ إعدادِ السجلِّ البيئيِّ، والعناوينَ الأساسيَّةِ التي يجبُ أن يتضمَّنَها، وكذلكَ العناوينُ الفرعيَّةُ أسفلُ كلِّ عُنوانٍ رَئيسي، وأَجْمَلَ الملحقُ السجلَّ البيئيَّ في عشرةِ عناوينٍ رئيسيةٍ وهي: معلوماتٌ عامَّةٌ عَنِ المُنشاة، التوصيفُ العامُّ للمُنشأة، المُدخلات، القوانينُ والتشريعاتُ التي تَخضعُ لها المُنشأة، العمليَّاتُ الإنتاجيةُ والمَرافِق، الانبعاثاتُ الغازيةُ ومُعدلاتُها، المُخلفاتُ السَّائلة، المُخلفاتُ الصَّلبَة، بيئةُ العمل، وأخيرًا، خُطَّةُ الرقابةِ الذَّاتيَّة.

وفيما يَخُصُّ العقوباتُ الخاصَّةُ بمُخالفةِ أحكامِ المادة (22) منْ قانونِ البيئة، نجدُ أنَّهُ في الفصلِ الرابعِ والخاصِّ بالعقوباتِ، أوضحَ المُشرعُ في المادة (84 مكررًا) -وهي المادةُ التي تمَّتْ إضافتُها بالقانونِ رقْم (9) لسنةِ 2009- أنَّه «يُعاقبُ بالحَبسِ مدةً لا تزيدُ على سنةٍ، وبغَرامةٍ لا تقلُّ عنْ خمسةِ آلافِ جنيهٍ ولا تزيدُ عنْ مائةِ ألفِ جنيهٍ أو بإحدَى هاتيْنِ العقوبتَيْنِ كلٌّ مَنْ يُخالِفُ أحكامَ المواد 22 …..».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى