آفاق المهن والتوظيف منصة لتعزيز فرص العمل اللائق
آفاق المهن والتوظيف منصة لتعزيز فرص العمل اللائق
تسعى العديد من الدول إلى البحث عن نماذج تنموية جديدة تُوازن بين احتياجات الإنسان وحماية البيئة، حيث لم يعد بالإمكان تجاهل التحديات العالمية التي تتصاعد بشكل مستمر، مثل تغيّر المناخ، وتفاقم الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، إلى جانب التحولات التكنولوجية المتسارعة. كل هذه التحديات دفعت الدول إلى تبنّي مسارات جديدة تضمن استدامة التنمية والعدالة في توزيع الفرص.
وقد اعتمدت مصر هذا النهج من خلال رؤيتها الوطنية الطموحة “رؤية مصر 2030″، التي تركز على إحداث تنمية شاملة ومستدامة، حيث تعمل الدولة على تحقيق هذه الأهداف من خلال التحول الرقمي، وتطوير البنية التحتية المعلوماتية، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ودعم ريادة الأعمال والابتكار.
وفي هذا الإطار جاء إطلاق منصة “Egypt Occupational Outlook” – آفاق المهن والتوظيف”، باعتبارها إحدى الأدوات الرقمية المبتكرة لدعم سوق العمل المصري، من خلال تقديم بيانات دقيقة ومحدثة حول أكثر من 400 مهنة، وذلك بما يتفق مع دليل التصنيف المهني المصري الموحد.
وفي هذا المقال تستعرض حماة الأرض بالتفصيل مميزات منصة “آفاق المهن والتوظيف”، وكيف تدعم التحول نحو اقتصاد أكثر استدامة، وتُسهم في توفير فرص عمل لائقة تراعي معايير التنمية الخضراء. كما نتناول أبرز البيانات والمصادر التي بُنيت عليها المنصة، وأثرها المتوقع على الشباب وصانعي القرار وسوق العمل المصري عمومًا.
الإطلاق الرسمي لمنصة آفاق المهن والتوظيف
أُطلقت المنصة في يوم الجمعة 18 إبريل 2025 بحضور الدكتورة/ رانيا المشاط “وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي”، والسيد/ محمد جبران “وزير العمل”، والدكتور/ أشرف العربي “رئيس معهد التخطيط القومي“، إلى جانب السيدة/ أنجلينا أيخهورست “سفيرة الاتحاد الأوروبي في مصر”، والسيدة/ ووليفيا تودرين “سفيرة رومانيا بالقاهرة”، والدكتور/ راجي أسعد “أستاذ السياسة الاقتصادية الدولية في كلية همفري للشئون العامة بجامعة مينيسوتا”، بالإضافة إلى ممثلي العديد من شركاء التنمية، ومن بينهم الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، والبنك الدولي، والبنك الإفريقي للتنمية.
وتأتي المنصة ضمن إطار مشروع “دعم التشغيل” (EPP) الذي تنفذه الوكالة الألمانية للتعاون الدولي بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، ووحدة سياسات سوق العمل بوزارة التخطيط؛ في نموذج واضح لتكامل الجهود المحلية والدولية نحو تنمية القدرات البشرية.
ما الذي تقدمه المنصة؟
وتُعد “آفاق المهن والتوظيف” نافذة متكاملة تقدم خدمات وتحليلات تغطي مختلف شرائح المجتمع، من طلاب وخريجين وباحثين عن عمل، إلى صانعي القرار والمسئولين عن التخطيط الاستراتيجي. ومن خلال واجهة تفاعلية سلسة، تتيح المنصة استكشاف أكثر من 400 مهنة مع تحليل مفصل يشمل المهام الرئيسية، ومعدل نمو التشغيل المتوقع حتى عام 2030، والتوزيع الجغرافي للمشتغلين، ومتوسط الأجور، ومتطلبات التعليم، ومدى إسهام المهنة في الاقتصاد الأخضر.
ولا تقتصر المنصة على عرض المعلومات، وإنما تُتيح للمستخدم ترتيب المهن وفق معايير محددة مثل الأعلى أجرًا، أو الأسرع نموًّا من حيث عدد المشتغلين، أو أكثر الوظائف المتوقع توفرها مستقبلًا، أو أقربها إلى الصلة بالانتقال الأخضر. ويُعد هذا التصنيف أداة قوية لاتخاذ قرارات مهنية مبنية على فهم دقيق لاحتياجات السوق، خاصة في ظل التحولات المتسارعة في عالم الأعمال.
وتعتمد المنصة في معلوماتها على مصادر بيانات متعددة ودقيقة، يأتي في مقدمتها مسح القوى العاملة الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إضافة إلى بيانات القيمة المضافة لقطاعات النشاط الاقتصادي من وزارة التخطيط، وقاعدة بيانات (O*Net) التي تساعد في تحديد المهارات والمعرفة المطلوبة لكل مهنة. وهذه المنهجية تضمن دقة وتحديثًا مستمرًّا للبيانات، وهو ما يجعل المنصة مرجعًا موثوقًا به في تخطيط المسارات المهنية.
كيف تدعم المنصة التحول الأخضر؟
يكتسب هذا المشروع أهمية متزايدة في ظل التوجه العالمي نحو الاقتصاد الأخضر، الذي أصبح عنصرًا أساسيًّا في خطط الدول للنمو الاقتصادي المستدام؛ إذ لم يعد التوظيف في المستقبل مقصورًا على المهارات التقليدية، وإنما أصبح مرتبطًا بالقدرة على التكيف مع المتطلبات البيئية الجديدة.
وفي ضوء أهداف التنمية المستدامة تؤدي المنصة دورًا ملموسًا في دعم الهدف (8) من أهداف التنمية المستدامة “العمل اللائق ونمو الاقتصاد”، من خلال تمكين فئات الشباب والنساء من الوصول إلى معلومات تساعدهم على اتخاذ قرارات مهنية أكثر وعيًا، وتعزز فرصهم في سوق العمل.
ولا يقتصر دور المنصة على تمكين الأفراد، وإنما يتعداه إلى تقديم مؤشرات نوعية متقدمة، من أبرزها مؤشر مدى ارتباط الوظائف بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر، الذي يمثل أداة تحليلية مهمة، تسهم في تقييم الأثر البيئي للوظائف المختلفة، وتوجيه السياسات نحو فرص توظيف مستدامة تتفق مع توجهات الدولة وأهداف التنمية الشاملة.
وفي ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها سوق العمل المصري، تدعم المنصة الابتكار وريادة الأعمال، وتعين المستثمرين على اختيار مجالات الاستثمار الأسرع نموًّا، عبر تسليط الضوء على القطاعات الناشئة والفرص المرتبطة بها، بما يسهم في بناء بيئة عمل ديناميكية تتفق مع متطلبات التحول الرقمي، وتلبي احتياجات الاقتصاد المصري.
كما تتيح المنصة لصانعي القرار الاستفادة من بيانات دقيقة وموثوقة عن احتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية. هذه المعلومات تُسهم في رسم سياسات تعليمية وتشغيلية تتوافق مع التغيرات المستمرة، وهو ما يضمن مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات التنمية.
وترى حماة الأرض أنَّ منصة “آفاق المهن والتوظيف” تعكس التزام الدولة المصرية بتطبيق رؤية تنموية متكاملة تستند إلى مبادئ الاستدامة، وتسهم في تحقيق أهدافها وتحويلها إلى واقع عملي؛ إذ تمثل المنصة -بما تحمله من بُعد رقمي واستراتيجي- ركيزة أساسية في بناء اقتصاد مرن وعادل يأخذ في اعتباره البُعد البيئي، ويمكّن مصر من المضي بثبات نحو مستقبل أكثر استدامة.