السفير محمد نصر في حوار خاص لمجلة حماة الأرض
السفير محمد نصر في حوار خاص لمجلة حماة الأرض
السفير/ محمد نصر “مدير إدارة تغيُّر المناخ والبيئة والتنمية المستدامة في وزارة الخارجية المصرية”:
- إنَّ عمليةَ التحول أهمُّ ما يواجه الدول النامية.
- التغيُّر المناخيّ لم يَعدْ قابلًا للتوقع.
- هاجمتنا بعض أصوات المشككين بسبب قناعات شخصية.
- إنَّ نجاحَ استراتيجيات التكيف المناخيّ ما يزال محدودًا.
- الـCPAM آلية سيئة جدًّا.
باتت ظاهرةُ تغيُّر المناخ تحديًا عالميًّا، بل أصبحت مشكلةً يجب على الشعوب كلها مواجهتها؛ ولذا سَعَتْ مصرُ -من خلال رئاستها لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين في شرم الشيخ العامَ الماضي- إلى حشد القدرات العالمية؛ لأجل عمل مناخيّ شامل. ولأنَّ العالمَ يموجُ -حاليًّا- بأزماتٍ عديدةٍ، ومِن أهمها أزمة الطاقة، التي يمكن أنْ تقضي على آمال دول العالم في تنفيذ توصيات اتفاقية باريس للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة – كان لمجلة حماة الأرض هذا الحوار مع السفير/ محمد نصر “مدير إدارة تغيُّر المناخ والبيئة والتنمية المستدامة في وزارة الخارجية المصرية”.. فإلى سطور الحوار.
من واقع قُرب حضرتك من ملف التغيُّرات المناخية، ما أهم التحديات التي تواجه الدول النامية بخصوص هذا الشأن؟
إنَّ عمليةَ التحول أهمُّ ما يواجه الدول النامية، وكيفيةُ تنفيذ التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، وفقًا لاتفاقية باريس، والتحول -أيضًا- إلى الاقتصاد الذي يتعامل مع التغيُّرات المناخية وآثارها، بطريقة عادلة تسمح لنا بتنفيذه دون آثار سلبية، سواء في الجوانب الاقتصادية أم الجوانب الاجتماعية.
في السنوات الأخيرة تطورت علوم المناخ بصورة ملحوظة، فهل هذا أثَّر في بلورة الأطر القانونية الدولية الخاصة بمكافحة التغيُّرات المناخية؟
بالطبع، فالتغيُّرات المناخية كلها وتوقعاتها متوقفة على درجات الحرارة المعتادة -حار جاف صيفًا بارد ممطر شتاءً- إلَّا إنَّ التغيُّرَ المناخيّ لم يَعدْ قابلًا للتوقع؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانبعاثات الغازات الدفيئة. وهذا يجعل التفاعلَ بين أجزاء المنظومة المناخية -سواء الحر أم بخار الماء والمطر- سببًا من أسباب حدوث آثار لم يعرف الإنسان حتى الآن كمياتها ولا مدى تأثيرها.
وذلك كله قائم على التوقعات، ومعتمِدٌ على السيناريوهات، فإنَّ أيّ تقرير عِلميّ يَعتمِدُ -أساسًا- على وضع سيناريوهات متعددة، وكل واحد منها يكون معتمِدًا على عدد مِن العوامل التي قد تؤدي إلى تأثيرات بيئية مختلفة. وكل السيناريوهات تشير إلى أنه كلما زادت درجات الحرارة كانتِ الآثارُ أشدَّ وأكثرَ تكرارًا، فضلًا عن أنَّ زمانَ ومكانَ حدوث هذه الآثار يصبحانِ غير متوقعينِ؛ ولذا تظهر أهمية تقدم العلوم والتكنولوجيا في هذا المجال، حيث إنَّ زيادةَ البحوث والدراسات ذات الصلة فرصةٌ للحصول على توقعات أكثر دقةً.
ربما تتجلى أصعب تحديات مكافحة التغيُّرات المناخية في التمويل، فكيف نعمل على معالجة هذه المشكلة، خاصةً في ظل الأزمات العالمية الحالية؟
إنَّ التمويلَ حجرُ أساسٍ في التنفيذ بالنسبة إلى الدول النامية، ومشكلةٌ رئيسيةٌ في المفاوضات، وإنه كلما ارتفع مستوى الطموح في الإجراءات المتوقعة من الدول -خاصة النامية- زادت العقبات. وهذا التحول إلى النمط الاقتصاديّ الجديد في حاجَةٍ إلى تكلفة اجتماعية واقتصادية، وهذا النموذج الاقتصاديّ الجديد، والمؤسَّس على معدلات انبعاثات منخفضة، والمؤسَّس على الطاقة المتجددة؛ ليس مرتبطًا بالتحول من الوقود الأحفوريّ إلى الطاقة المتجددة فحسب، وإنما هو تحول في كل شيءٍ.
وخير مثال على هذا: السيارات الكهربائية، فالتغيُّر من السيارات العادية إلى السيارات الكهربائية مرتبط بعدد من العوامل، منها البحث والتطوير، ومرتبط أيضًا بالنظام البيئيّ كله، وكذلك بالميكانيكيين ودورهم في هذا التحول، ومرتبط كذلك بمحطات البنزين التي ستتحول إلى محطات للكهرباء؛ فالمنظومة كلها سوف تتغير، وهذا ليس بالسهولة التي نتوقعها، بل الأمر أكثر صعوبةً وأشد تعقيدًا.
والتمويل -أيضًا- لو لم يكن متاحًا للدول النامية فإنَّ التنفيذَ المتوقعَ بحلول 2030 سيكون أقل؛ وبالتالي سنجد -بحلول 2028- أنَّ التنفيذَ غير كافٍ، وحينئذٍ سنكون في حاجَةٍ إلى تعزيز التنفيذ. وحجر الأساس في هذه القصة كلها هو التمويل، ويجب أنْ يكون هذا التمويلُ مناسبًا كمًّا وكيفًا، وفي الوقت المناسب، وبالأدوات المناسبة. وليس بالقروض، فهذا أصبح عسيرًا على الدول النامية، كما أنَّ هذه الدول ليس من مسئولياتها تنفيذ هذا التحول، وإنما يجب عليها هذا متى وجِد التمويل الميسر في شكل منح، أو عن طريق القروض الميسرة جدًّا؛ حتى تستطيع هذه الدول تنفيذ علمية الانتقال.
وهناك نقطة أخرى ينبغي النظر إليها بعين الاعتبار، هي أنَّ الدولَ الناميةَ تُنفق -فعليًّا- من ميزانياتها على مشروعات التحول والتكيف مع التغيُّرات المناخية للتعامل مع الخسائر والأضرار المناخية. وأقرب مثال على هذا، ما يحدث من أمطار غزيرة فوق البحر الأحمر، حيث إنَّ التصنيفَ يأخذ في اعتباره درجةً معينةً من هذه الأمطار، غير أنَّ التغيرَ المناخيَّ أصبح حادًّا؛ وبالتالي أصبحت هذه الأمطارُ أشدَّ من ذي قبل. وما يحدث من أضرار تتحمله الدولة، فضلًا عن الأفراد الذين يتضررون بها بشكل مباشر. وأمَّا الدول المتقدمة فحتى لو كانت تساهم في هذا النوع من التمويل، فإنَّ لديها نظام تأمين وإمكانات مالية تسمح لها بمواجهة آثار تلك التغيُّرات.
الدول النامية لديها احتياجات تنموية؛ لأنها لم تصل بعدُ إلى درجة رفاهية ونمو الدول المتقدمة؛ وبالتالي الفجوة مختلفة وكذلك النهج. ولكن في المفاوضات تغلب -دائمًا- فكرة أننا في وضع سيئٍ جدًّا، ولو لم نتحرك فورًا فسوف يصبح الوضع أسوأ؛ لذا يجب علينا جميعًا التحرك في اتجاه واحد.
هناك بعض الانتقادات التي وجِّهتْ إلى القرار الختاميّ في COP27، فكيف ترد على هذه الانتقادات؟
هذا -للأسف- جزء كبير من المفاوضات وجزء -أيضًا- من الظهور الإعلاميّ، وبالنظر إلى صعوبة المفاوضات وتعقيدها فإنَّ كلَّ طرفٍ يحاول إيجاد اللغة والمصطلح اللذينِ يوافقانِ هواه. وقد كانت رؤية مصر في التعامل مع التغيُّرات المناخية مبنيّةً على ثلاثة أمور أساسية:
الأول– النظر بعين الاعتبار إلى التوصيات العلمية، وهذا هو الأساس.
الثاني– أنْ يكون التحركُ ضمن إطار المبادئ العامة المُشار إليها في اتفاقية باريس، باعتباره إطارًا متعدد الأطراف؛ فليس من المقبول تغيير المبادئ المُتفَقِ عليها في هذه الاتفاقية.
الأخير– يجب أنْ يكون تنفيذُ ذلك النهج تنفيذًا فعليًّا، وليس مجرد بيان أو قرار غير قابل للتنفيذ؛ فلا يمكن أنْ نعلنَ عن نيتنا في التخارج من الوقود الأحفوريّ -على سبيل المثال- دون أنْ نناقشَ تحديات الواقع المتمثلة في تكلفة هذه العملية، ودون أنْ نبحثَ مصادرَ تمويلها.
ومن هذا المنطلق، كانت قرارات الرئاسة المصرية لـCOP27 مثل قرارات الجمع -بخلاف القرارات التي تصدر في العادة- ناظرةً بأهميةٍ إلى كيفية تنفيذ الأهداف، ليس بطريقة غير واقعية، وإنما بطريقة أكثر واقعيةً، مع تنفيذ هذه الأهداف من خلال العِلم والمبادئ، ثم آلية التنفيذ المطلوبة.
لذا، كان قرارنا مُنْصَبًّا على فكرة الانتقال العادل بالنسبة إلى الدول النامية، حيث يجب أنْ نأخذ في الاعتبار أنَّ الانتقالَ من نموذج إلى آخر ينبغي أنْ يراعي البُعدينِ الاقتصاديّ والاجتماعيّ؛ فإنَّ الدولَ الناميةَ قد تتحول -على سبيل المثال- إلى مجال النقل المستدام، وهنا سيشمل التحولُ كيفيةَ التعامل مع سائقي المَركبات، كما أنه يجب أنْ تعودَ وسائلُ النقلِ هذه بالنفع الماليّ على أصحابها. وهو نموذج غير موجود سوى في الدول النامية.
كما أننا راعينا الإبقاء على هدف 1.5 درجة مئوية، والعِلم يخبرنا بأننا نحتاج إلى تريليون دولار -أو أربعة- سنويًّا؛ لأجل تحقيق هذا الهدف، ولكن هذه الأموال غير موجودة حتى الآن! وأمَّا مسألةُ التخارجِ من الوقود الأحفوريّ، فلم يقل أحدٌ بأننا سنتخارج بصيغة معينة! غير أنَّ الدفعَ بهذا الأمر -ونحن ما نزال نحيَا في عالم له مشكلات عديدة في مجال الطاقة- يُعدُّ إجراءً غير صحيح؛ ولمعالجة الأمر يجب إصلاح المنظومة كلها، وأيّ طريقة أخرى قد تُسبب خسائرَ لنْ يتحملها سوى الدول النامية وشعوبها.
إنَّ مصرَ قد استجابتْ لكل المطالب التي قيلت قبل مؤتمر شرم الشيخ، وفي أثنائه؛ بما فيها موضوع الطاقة، وقد كان مؤتمرُ شرم الشيخ أولَ مؤتمر أطراف ينادي إلى مناقشة التخارج من الوقود الأحفوريّ بصورة خاصة، غير أنَّ صياغتنا لقرار التخارج جاء في صيغة إدارية، مع تركيزنا على تنفيذ زيادة نسبة الطاقة المتجددة في القطاعات كافةً؛ وإذًا يكون معنى قولنا: “زيادة نسبة الطاقة المتجددة في المستويات كلها” هو: “تقليل استخدام الطاقة التقليدية”. وهذا أمر منطقيّ وإيجابيّ، وبالرغم من هذا هاجمتنا بعض أصواتُ المشككين، الذين كانوا من ممثلي الدول رفيعي المستوى؛ وهذا بسبب قناعات شخصية. وليتهم قرأوا القرارَ الختاميّ بموضوعية وتجرَّد!
يستعد العالم هذه الأيام لعقد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين نهايةَ نوفمبر في الإمارات، فما الذي تتوقعه من هذا المؤتمر؟
يُبْنَى كلُّ مؤتمر أطراف على ما سبقه من المؤتمرات، ونحن -المصريين- بدأنا قصةَ التنفيذ، وأعتقد أنَّ الإمارات قد بَنَتْ رؤيتها في COP28 على رؤية التنفيذ التي نوقشت في COP27، بخاصة في ما يتعلق بصندوق الخسائر والأضرار، الذي أُنْشِئ في شرم الشيخ وسيُفعَّل في دبي، وستكون الخطوةُ التاليةُ حشدَ موارد هذا الصندوق.
لكن الإمارات لديها نموذج مهم ومختلف؛ مهم من حيث إنَّ الإماراتِ دولةٌ مبنيةٌ على الطاقة التي تُنتجها من مصادرَ متعددةٍ ومتنوعةٍ، ولديها طاقة نووية، وعندها الغاز والبترول، وعندها نموذج لموضوع تنويع مصادر الطاقة، ورؤية واضحة في خفض انبعاثاتها، ورؤية -أيضًا- في موضوع تحول الطاقة. وهي تريد أنْ تعكسَ ذلك كله في المفاوضات، وهذا واضح من حديثهم، وربما يُعدُّ طموحًا بالنسبة إلى بعض الناس، وأشد طموحًا بالنسبة إلى آخرين، لكن -في النهاية- للإماراتيين رؤية واضحة.
تمتلك الإمارات -بالإضافة إلى ذلك- تصورًا وفهمًا صحيحينِ عن ضرورة التمويل، الذي يُعدُّ عقبةً كبرى. والوضع الحاليّ يجعلنا نقول: إنَّ الموضوعَ ما يزال شديدَ الصعوبةِ، وإننا ننتظر أنْ نرى مدى ضغط الدول؛ حتى ينعكس ذلك على موضوع التمويل. وكل هذه المنظومة تسمح، أو تؤدي إلى إقامة مؤتمر ناجح؛ لذا لا يتبقى سوى إيجاد توزان بين تلك العناصر، وهي: الحد من الانبعاثات، والتكيف مع التغيُّرات المناخية، والتمويل، وحساب الخسائر والأضرار، إضافةً إلى التصور العامِّ للموضوع الحاصل على ” Global Stocktake”، الذي كان يُناقَش سابقًا في الاتفاقية الإطارية، ولكن سيناقش الآن بصورة أكبر وأوسع، مع النظر إلى الفجوات والتنفيذ، واستشراف المستقبل. وذلك كله يسمح للرئاسة الإماراتية والمجتمع الدوليّ بأنْ يعكسَ تصورًا طموحًا للمرحلة القادمة.
وهل ذلك قابل للتنفيذ؟
ذلك كله قابل للتقدم أو التأخر، وهناك قرارات كثيرة لم تُنفذ، ولأجل التنفيذ نحتاج إلى محفز، وهو الأمر الذي يراه الجميعُ معضلةً، والمطلوب هو التمويل. فهل هذا عن طريق إعادة تأهيل وتشكيل مؤسسات التمويل؟ أم عن طريق طلب المال لأوكرانيا أو لإسرائيل، على سبيل المثال. ومثل أيّ أمر يدور حول المال يُلقي كلُّ طرف بالمسئولية على الآخرين، وهذه هي المعضلة.
لا توجد دولة واحدة غير راغبة في الوصول إلى صافي انبعاثات صفريّ، كل الناس تريد هذا؛ لأجل المحافظة على الأجيال الحالية والمستقبلية، لكنَّ المهمَّ هنا هو أنْ ننظرَ في كيفية تنفيذ هذا؛ لذا توجد عشرات من الخطط والاستراتيجيات الخاصة بهذا الأمر، ويبقى السؤال الأكبر هنا: ما كيفية تنفيذها، وما حجم الموارد المطلوبة، وكيف سيكون شكل آلية التعاون الدوليّ؟
والمنظومة الدولية تواجه -للأسف- تحديات كبرى، ليس بسبب الحرب في أوكرانيا وغزة فقط، وإنما بسبب إجراءات أحادية كثيرة جدًّا، قد بدأت في الانتشار مؤخرًا، وهي إجراءات ذات تأثيرات سلبية في ترتيبات أخرى لها علاقة وثيقة بمجال التمويل المناخيّ.
بخصوص تحول الطاقة، هل يجب أنْ تعمل جميع الدول على هذا التحول الأخضر من خلال نموذج موحد، أم أنَّ الأمر مختلف من بلد إلى آخر؟
لقد قلنا هذا كثيرًا في شرم الشيخ، فهناك نماذج مختلفة، وينبغي أنْ ندركَ أنَّ التحكمَ في هذا التحول قائمٌ على مسارات مختلفة؛ إذْ إنَّ البدايات مختلفةٌ، والمواردَ أيضًا مختلفة، فضلًا عن أنَّ التحديات مختلفة؛ وفي النهاية سيحقق التحولُ الأخضرُ -بحلول 2050- الهدفَ العالميّ. وإنَّ الدولَ الناميةَ تنظر إلى الدول المتقدمة باعتبارها الجهةَ التي ستدفع تكاليف التحول، وهذه الأخيرة واجب عليها أنْ تتحملَ مسئوليةَ أخطارِ ما يتعلق بتأثيرات انبعاثاتها؛ لأنها سببٌ رئيسيّ في أزمة المناخ العالمية.
العالم الآن يستهدف محورين مناخيين، الأول مكافحة التغيُّرات المناخية، والآخر: التكيف مع آثار هذه التغيُّرات؛ فإلى أيّ مدى حققت الدول نجاحًا في مجال التكيف المناخيّ؟
إنَّ نجاحَ استراتيجيات التكيف المناخيّ ما يزال محدودًا، مثله مثل خفض الانبعاثات! ومشكلة التكيف المناخيّ على المستوى الوطنيّ تكمن في احتياجنا إلى تعريف واضح، لكنِ التقاريرُ العلميةُ تقول: إنَّ أكبرَ التحديات وأهمها في ملف المناخ هي تلك المتعلقة بآثار التغيُّرات المناخية، التي تأتي في صورة خسائر بشرية واقتصادية.
وقراءة تقارير الهيئة الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ (IPCC) تكشف حجمَ الدمارِ العالميّ، حيث تُبين أنَّ هناك تدهورًا ملحوظًا في الأراضي، وتلوثًا شديدًا في المياه، وارتفاعًا كثيرًا في معدل الوفيات، وهذه كلها آثار ناتجة عن المناخ المتغير، وتدفعنا إلى بيان معنى التكيف، وهو بناء استراتيجيات قادرة على احتواء آثار التغيُّر المناخيّ وتقليل حجم الخسائر التي تحدث، وهذا لم نتفق عليه إلى الآن؛ لأنه جزء كبير جدًّا من الخلافات، حيث يرتبط بالمسئولية التاريخية للدول المتقدمة.
وهذه الاستراتيجيات ستُناقَشُ في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بدولة الإمارات، والسؤال هنا: كيف نقيس مدى تقدم الدول في تحقيق هذه الاستراتيجيات؟ سوف يكون هذا عن طريق وضع هدف يمكننا المقارنة بينه وبين معطيات أخرى؛ فإنَّ موتَ ألف إنسان -مثلًا- سنويًّا، بسبب تغيُّر المناخ، يستلزم -لكي يكون التكيفُ ناجحًا- تخفيضَ نسبةِ هذا الوفيات إلى 500؛ أي اتخذْ ما تريده من الإجراءات، ثم بعد سنين محددة أخبرنا بأنَّ الـ1000 صارت 700 أو 500 أو 400، أو بأنَّ 1000 زادتْ إلى 1100 أو 1200؛ وهذا معناه إمَّا أنك على الطريق الصحيح وإمَّا لا، وإذا ظلت هذه الألف كما هي، فمعناه أنه لم نُحقق أيّ نتائج.
وهذا معناه -أيضًا- أنه لا بُدَّ لك مِن مرجع، وهذا المرجع سيعزز قدرتك على تقليل الخسائر، وقدرتك على احتواء الآثار المناخية. ومثال هذا: سقوط الأمطار الغزيرة التي تتسبب في إتلاف الطريق، فإذا أنشئنا الطريقَ مرَّةً أخرى وأثرتِ الأمطارُ بنسبة أقل ضررًا؛ فسنقول حينئذٍ: إننا قللنا الخسائر.
مصر دولة لديها قاعدة صناعية معتمِدة على الطاقة التقليدية؛ ولذا وضعتْ منهجيــة “الاقتصاد الأخضر” لتحقيــق التنميــة المستدامة في إطــار رؤيــة مـصـر 2030، لكن ما دور القطاع الخاص في المساعدة على هذا التحول؟
إنَّ أغلبَ أنواع الطاقة المتجددة عائدةٌ إلى القطاع الخاص، فالدولة تمتلك محطةَ الزعفرانة، وأمَّا بقيةُ مشروعات الطاقة -مثل بنبان- فيمتلكها القطاع الخاص. والتوجه العالميّ -والمحليّ أيضًا- الحاليّ هو إعطاء الفرصة للقطاع الخاص في هذا المجال؛ لأنه ذو إمكانات مادية معتبَرة، ليس في مجال الطاقة فحسب، ولكن في مجال النقل، وغيره من المجالات التي يستطيع القطاع الخاص الاستثمار فيها.
ومصر لديها تجارب ناجحة في ما يتعلق باستثمارات القطاع الخاص في هذا المجال، مثل: مشروع محطات الصرف الصحيّ (أبو رواش)، فهذا المشروع عبارة عن شراكة بنظام “BOT”، وهنا تتحول الدولة -أو الحكومة- من كونها مالكةً لمصادر إنتاج الطاقة إلى مجرد مُنَظِّمٍ بين المنتِج والمستهلِك، أو يشتري من هذا ويبيع لذاك، ويصبح دور الدولة حينئذٍ مراقبةَ مراحل تنفيذ المشروع.
هذا، وقد أصبحت الدول تتوجه إلى هذا النظام، بالإضافة إلى تحديد أسعار الطاقة، سوى في البلدان الأوروبية، التي تترك الأمرَ لآلية السوق؛ فعلى سبيل المثال، تتكلف الدولة عند إنتاج الطاقة 5 سِنتات، ثم تبيعها بـ7 سنتات، وتدفع لصاحب الشبكة نصف سنت على الكيلو/ واط، والحكومة بهذا تربح ربحًا مناسبًا.
والسؤال هنا: هل يمكن تنفيذ سياسات تحديد أسعار الطاقة التي تتبعها الدول المتقدمة؟ من المعلوم أنَّ مجالَ الطاقة في الدول النامية مدعومٌ؛ وبالتالي لنْ يحصلَ المستثمِرُ على الربح الماديّ المرجوّ، حيث سيبيع الكيلو/ واط بـ3 سنتات، وهي مضروبة الآن في أربعة؛ أي 12 سنتًا، وأمَّا الحكومة فستبيعه بـ5 أو 7 أو 10 سنتات؛ فمَن الذي سيدفع فرق الأسعار؟ هذه هي المعضلة الاقتصادية والاجتماعية الكبرى في مشروعات “تحول الطاقة”.
هل هذا معناه أننا في حاجة إلى تعديل القوانين؟
إنَّ هذا متحققٌ -فعليًّا- في محطة بنبان للطاقة الشمسية، وهي أكبر محطة طاقة شمسية في العالم خارج الصين والهند. غير أنَّ الإشكالَ يتمثل في أمرٍ آخرَ؛ فلو أراد الاتحاد الأوروبيّ -مثلًا- تطبيق ضريبة الكربون، وهذه الضرائب تعتمد -بطبيعة الحال- على مدخلات الإنتاج، وأشد مدخلات الإنتاج تأثيرًا في الطاقة: الكهرباء؛ وهنا يشتري المصنِّعُ الطاقةَ من “بنبان”، وتحصل الحكومة على تكلفة النقل فقط. وهذا معناه أنه اشترى طاقة خضراء؛ وبالتالي ستقل ضريبة الكربون المفروضة على المنتج، بدلًا مِن أنْ يشتريها من محطة بترول، أو محطة قائمة على الكيروسين أو الديزل.
ما رأيك في آلية “CPAM“، الخاصة بتسرب الكربون؟
الـCPAM آلية سيئة جدًّا؛ لأنها متمحورة حول التنافس التجاريّ، فهي بعيدة عن قضايا المناخ. والأوروبيون هم الذين يروجون لهذه الآلية باعتبارها ذات علاقة بالمناخ، لكن الحقيقة غير هذا؛ فقد تكون فكرة الـ”CPAM” مرتبطةً ظاهريًّا بالمناخ، إلَّا إنَّها تكون عند التنفيذ بعيدةً كل البعد عنه.
إنَّ الحدَ من انبعاثات المنتجات المصنَّعة داخليًّا أمرٌ إيجابيّ، ولكن لنفترض أنَّ دولةً غير أوروبية ستفرض على هذا المصنِّع ضريبةً وتسعيرًا معينينِ، ثم يأتي أحدٌ -داخل الاتحاد الأوروبيّ- ويشتري هذه الشهادات المتعلقة بالانبعاثات الكربونية، ويدعم بها صناعته في أوروبا؛ فهذا خارج عن قضية المناخ تمامًا.
ولو أنَّ الأوروبيينَ صادقون في هذا التوجه المناخيّ -حسب زعمهم- ما اشترطوا شراءَ الشهادات الخارجة من الاتحاد الأوروبيّ، التي يبلغ سعر الواحدة منها 100 يورو، حينما لا يمكن للآخرينَ أنْ يشتروا شهادات أخرى بسعر أقل، مثل شرائها بـ5 يورو مِن الجابون. ثم إنهم لا يضخون أموالَ شراء هذه الشهادات في مشروعات مناخية، تلك المشروعات التي تحتاجها الدول النامية؛ فعن أيّ مناخٍ يتحدثون؟!
في نهاية اللقاء، تشكر مجلة حماة الأرض “مدير إدارة تغيُّر المناخ والبيئة والتنمية المستدامة في وزارة الخارجية المصرية” السفير/ محمد نصر، الذي بيَّن أهميةَ التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وأوضح أبرز نتائج COP27؛ وذلك كله في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في إطار “رؤية مصر 2030”.