هل يؤثر التخطيط العمراني في رحلة الطيور المهاجرة؟
هل يؤثر التخطيط العمراني في رحلة الطيور المهاجرة؟
تعبر الطيور المهاجرة آلاف الكيلومترات خلال رحلاتها الموسمية، تجتاز فيها الجبال والبحار والمدن في مشهدٍ طبيعي يعكس التنوع الحيوي والحركة المستمرة في الطبيعة، ويحمل دلالات عميقة عن التوازن البيئي والاعتماد المتبادل بين الأنظمة الطبيعية، وخلف هذا المشهد الآسر تكمن تحديات تهدد مستقبل هذه الكائنات الرقيقة، تحديات لا تتعلق فقط بالمناخ أو الجفاف، وإنما بالمدن التي نبنيها ونوافذها، والأضواء التي لا تنطفئ ليلًا.
وفي ظل هذه التحديات، يُعد اليوم العالمي للطيور المهاجرة فرصة لتسليط الضوء على هذه القضايا، وحث المدن على اعتماد تصميمات عمرانية أكثر أمانًا للكائنات الحية، وفي هذا المقال سوف تستعرض حماة الأرض الأبعاد البيئية والإنسانية لهذا اليوم العالمي؛ فتابعوا القراءة.
اليوم العالمي للطيور المهاجرة
في كل عام يُحتفل باليوم العالمي للطيور المهاجرة مرتين، في شهري مايو وأكتوبر؛ ليواكب فترات الذروة في هجرة الطيور بين نصفي الكرة الأرضية، هذه المناسبة ليست مجرّد احتفاء جمالي بطيور تقطع آلاف الكيلومترات، وإنما هي حملة توعية عالمية تهدف إلى حماية هذه الطيور وموائلها، وتعزيز فهم الإنسان لدوره في استمرار حياتها.
وفي عام 2025 تم اختيار شعار “إنشاء مدن ومجتمعات صديقة للطيور”؛ للاحتفاء بهذا اليوم العالمي، في محاولة لتسليط الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجهها هذه الكائنات، خاصة في البيئات الحضرية، ويمثل هذا الشعار دعوة ضمنية لإعادة التفكير في علاقة الإنسان بالبيئة وقدرة المدن الحديثة على احتضان الكائنات التي كانت يومًا جزءًا لا يتجزأ من نسيجها الطبيعي.
وليس اليوم العالمي للطيور المهاجرة وليد اللحظة، وإنما هو نتاج لوعي بيئي تراكمي بدأ منذ أوائل الألفية، حيث أُطلق هذا اليوم رسميًّا لأول مرة عام 2006، بمبادرة من اتفاقية الحفاظ على الأنواع المهاجرة من الحيوانات البرية (CMS) واتفاقية إفريقيا – أوراسيا للحفاظ على الطيور المائية المهاجرة (AEWA)، وكلاهما تحت مظلة برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، وقد كان الهدف من إطلاق هذا اليوم هو توحيد الجهود العالمية لحماية الطيور المهاجرة.
وبمرور السنوات، تطورت فعاليات هذا اليوم لتشمل حملات توعوية، وورشات تعليمية، وبرامج بيئية في المدارس والجامعات. وفي عام 2018، أُعيد تنظيم اليوم ليُحتفى به مرتين في السنة -في السبت الثاني من شهر مايو، والسبت الثاني من شهر أكتوبر- بهدف تغطية مواسم الهجرة في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي.
خطر حضري يهدد بقاء الطيور المهاجرة
ورغم تنامي الوعي البيئي وتعدد المبادرات العالمية لحماية الطيور المهاجرة، فلا تزال هذه الكائنات تواجه تهديدات متصاعدة ناتجة عن التوسع العمراني السريع؛ فقد أدى النمو الحضري إلى تآكل المواطن الطبيعية، واستبدالها ببيئات صناعية تفتقر إلى شروط الأمان البيئي.
ويشير تقرير علمي حديث نُشر في مجلة PLOS ONE، إلى أن هناك دراسة جديدة عن نتائج صادمة بشأن تأثير المباني في حياة الطيور في الولايات المتحدة، أوضح هذا التقرير أن ما يقارب 60% من الطيور التي تتعرض للاصطدام بنوافذ المباني تفقد حياتها، وهو ما يرفع من التقديرات السنوية لعدد الطيور النافقة، التي تموت بسبب هذه التصادمات إلى أكثر من مليار طائر.
وتوصل الباحثون إلى هذه النتائج بعد تحليل بيانات متعلقة بالطيور التي خضعت للرعاية التأهيلية عقب تعرضها لحوادث اصطدام بالمباني، وقد بيّنت الدراسة أن الاعتقاد السائد سابقًا بأن معظم هذه الطيور تتعافى لم يكن دقيقًا؛ إذ أظهرت البيانات أن نسبة النفوق تبلغ نحو 60%؛ مما يشير إلى أن الأثر الفعلي للبيئة الحضرية في الطيور أكبر مما كان يُعتقد. وتأتي هذه النتائج، بحسب صحيفة الجارديان البريطانية The Guardian؛ لتسلط الضوء على التهديدات المتزايدة التي تفرضها التحولات العمرانية على التنوع البيولوجي، وتحديدًا على الطيور المهاجرة وسلوكياتها البيئية.
هذا الوضع لا يشكّل خطرًا بيئيًّا فحسب، وإنما يمثل أيضًا عائقًا مباشرًا أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتحديدًا الهدف (11) “مدن ومجتمعات محلية مستدامة”، والهدف (15) المرتبط بـ”الحياة في البر”؛ إذ إن حماية الطيور المهاجرة تقتضي أن تصمم المدن بطريقة واعية، تضع في الاعتباره أنها جزء من منظومة بيئية أوسع.
ومع ذلك فالأمل لا يزال قائمًا؛ فقد بدأت بعض المدن العالمية تتبنى نهجًا صديقًا للطيور في تخطيطها الحضري، كما هو الحال في تورونتو الكندية التي سنّت بعض القوانين التي تلزم المباني الجديدة باستخدام زجاج غير عاكس، أو شيكاغو التي تنظم حملات لإطفاء الأضواء خلال مواسم الهجرة، وقد أثبتت هذه الممارسات فعاليتها في تقليل نسب نفوق الطيور بنسبة تصل إلى 80%، وهو ما يعزز فكرة أن التغيير ممكن إذا ما توفرت الإرادة والتخطيط البيئي الذكي.
في ضوء ما سبق، تؤكد حماة الأرض أن حماية الطيور المهاجرة تتطلب جهدًا مشتركًا من جميع الأطراف، من حكومات، ومجتمع مدني، وقطاع خاص؛ فالتغيير لا يأتي من خلال مبادرات فردية فحسب، وإنما من خلال التزام جماعي يعزز التكامل بين الحفاظ على البيئة والتخطيط العمراني؛ فمن خلال تبني ممارسات أكثر وعيًا واستدامة، يمكننا تحقيق توازن حقيقي بين التنمية الحضرية وحماية التنوع البيولوجي.