العدل الدولية.. محاكمة تاريخية بشأن أزمة المناخ
العدل الدولية.. محاكمة تاريخية بشأن أزمة المناخ
يواجه كوكبنا تحديات بيئية غير مسبوقة بسبب تغير المناخ، وهذا يُكثر من دعوات التدخل القانوني الدولي. في هذا السياق يأتي طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية لتحديد المسئوليات القانونية في مواجهة أزمة المناخ العالمية.
انطلقت أمس الاثنين محاكمة تاريخية في أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة في لاهاي، تهدف إلى وضع إطار قانوني عالمي؛ لمواجهة التغير المناخي، مع التركيز على دعم الدول الأكثر ضعفًا في التصدي لتداعيات هذه الظاهرة. وليس الهدف الوحيد من هذه المحاكمة الدولية هو التصدي لظاهرة الاحتباس الحراري، وإنما إرساء قواعد قانونية تضمن عدالة مناخية، تلزم الدول الأكثر مسئولية عن الانبعاثات الكربونية بتحمل واجباتها تجاه الكوكب والدول المتضررة على حد سواء.
تُعدُّ هذه الجلسات لحظةً فاصلةً في تاريخ النضال المناخيّ، حيث يسعى العالم إلى وضع قوانين ملزمة تساهم في إنقاذ الكوكب، وضمان عدالة مناخية للدول التي تفتقر إلى الإمكانات اللازمة لمواجهة هذه الأزمة. وتأتي هذه الخطوة بعد عقود من التحذيرات العلمية والضغوط الشعبية، التي طالبت باتخاذ إجراءات قانونية ملموسة؛ لتحديد المسئوليات الدولية في ظل تفاقم تأثيرات التغير المناخي، وتهديدها لاستقرار البشرية والنظم البيئية العالمية.
لحظة حاسمة في مواجهة تغير المناخ
يعقد نشطاء البيئة آمالًا كبيرة على رأي استشاري مرتقب من محكمة العدل الدولية (CIJ)، وهو رأي يُتوقع أن تكون له تداعيات قانونية مهمة في مكافحة التغير المناخيّ، وبالرغم من هذا يخشى البعض أن يظل التأثير محدودًا؛ لأن الرأي استشاري وغير ملزم، كما أن إصداره قد يستغرق شهورًا أو حتى سنوات.
توافق هش في قمة المناخ COP29
تأتي هذه التطورات عقب قمة المناخ COP29 التي عُقدت في أذربيجان، حيث تم التوصل إلى اتفاق ينص على التزام الدول المتقدمة بتوفير ما لا يقل عن 300 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2035؛ لتمويل جهود مكافحة التغير المناخي. وبالرغم من هذا فإنَّ ممثلي الدول الفقيرة قد وصفوا هذا الالتزام بأنه “مهين”، حيث لم يتطرق الاتفاق النهائي إلى مسألة التخلي عن الوقود الأحفوري.
وفي هذا السياق قال “رالف ريجنفانو” المبعوث الخاص للتغير المناخي من دولة فانواتو -إحدى الدول الجزرية الصغيرة التي قادت مبادرة المحكمة-: «نحن في الخطوط الأمامية لمواجهة تأثير التغير المناخي. طلبنا من محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًّا يأتي في لحظة حاسمة؛ لتحديد الالتزامات القانونية الدولية تجاه العمل المناخي».
إضاءة على الالتزامات القانونية الدولية
في العام الماضي تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يطرح على قضاة المحكمة الدولية سؤالين رئيسيين:
الأول– ما التزامات الدول وفق القانون الدولي لحماية الأرض من انبعاثات الغازات الدفيئة؟
الآخر– ما التداعيات القانونية عندما تتسبب تصرفات الدول أو إهمالها في أضرار جسيمة للنظام المناخي؟
يرتبط السؤال الثاني بمسئوليات الدول تجاه الأضرار التي تلحق بالدول الصغيرة الأكثر ضعفًا، خصوصًا تلك التي تواجه تهديدات مثل ارتفاع منسوب البحار، وظروف مناخية قاسية، كما هو الحال في المحيط الهادئ. وكذلك ترى “جويا شودري” -المحامية في مركز القانون الدولي للبيئة- أن المحكمة ستوفر إطارًا قانونيًّا عامًّا يُمكن من خلاله البت في قضايا مناخية محددة على المستويات الوطنية والدولية.
انبعاثات الكربون تسجل أرقاما قياسية
بينما تسعى الدول إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية فوق 1.5 درجة مئوية، تشير أبحاث أولية -نُشرت في قمة COP29- إلى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الوقود الأحفوري استمرت في الارتفاع، لتسجل مستوى قياسيًّا جديدًا هذا العام.
ومن الجدير بالذِّكْرِ، هو أنَّ هذه المداولات في محكمة العدل الدولية تشمل مشاركات من 98 دولة و12 منظمة وجماعة، من بينها أكبر ثلاثة ملوثين على مستوى العالم: الصين، الولايات المتحدة، والهند.
وعلى الرغم من أنَّ النشطاء يأملون في أنْ يساعد رأي المحكمة على تسريع العمل المناخي، فإنَّ التحديات القانونية والسياسية تظل عائقًا أمام التقدم السريع، وكذلك يظل السؤال: هل ستدفع هذه اللحظة الحاسمة المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة لإنقاذ الكوكب؟