اليوم العالمي للسياحة القادرة على الصمود
اليوم العالمي للسياحة القادرة على الصمود
في عالم مترابط لم تعد السياحة مجرد نشاط ترفيهي، بل أصبحت ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي والتبادل الثقافي، حيث تفتح آفاقًا جديدة للتنمية، وتوفر فرص عمل، وتحسّن جودة حياة ملايين حول العالم. ومع أهمية هذا القطاع تبرز الحاجة إلى ترسيخ أسس تضمن استمراريته وازدهاره رغم التغيرات التي قد تواجهه.
مِن هنا يعكس مفهوم السياحة القادرة على الصمود أهمية بناء قطاع سياحي يتمتع بالمرونة الكافية لمواجهة الأزمات والتغيرات المفاجئة، سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية؛ فالقدرة على الصمود تعني أن السياحة لا تتوقف أمام التحديات، بل تتكيف وتعيد تشكيل مساراتها لتظل مصدرًا للنمو والاستقرار.
ومن هذا المنطلق اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 17 فبراير من كل عام يومًا عالميًّا للسياحة القادرة على الصمود، احتفاءً بدور هذا القطاع في بناء مستقبل أكثر استدامة، ودعوةً إلى تطوير استراتيجيات تضمن مرونته، من خلال التعاون بين الجهات الفاعلة وتنويع المنتجات السياحية، ليظل قادرًا على النمو رغم التحديات.
تأثير جائحة كورونا في قطاع السياحة
يعد قطاع السياحة من أكثر القطاعات عرضة للتأثر بالعوامل المفاجئة، مثل تفشي الأمراض المعدية، والكوارث الطبيعية، والنزاعات، والإضرابات؛ مما يجعله ضعيفًا أمام الأزمات العالمية، وتُعد جائحة كورونا مثالًا واضحًا على ذلك، حيث أدت القيود على السفر وإغلاق الحدود والحجر الصحي إلى تراجع حاد في النشاط السياحي؛ مما كشف مدى تأثير الأزمات المفاجئة في استمرارية هذا القطاع.
وبحسب بيانات منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، بلغ إسهام قطاع السياحة في الاقتصاد العالمي 3.5 تريليون دولار عام 2019، وهو ما يعادل 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع بداية الجائحة تراجعت هذه الإسهامات لتصل إلى 1.6 تريليون دولار في 2020، ثم شهدت ارتفاعًا طفيفًا إلى 1.9 تريليون دولار في 2021. وتشير هذه الأرقام إلى أن الخسائر التراكمية المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي من قطاع السياحة خلال عامي 2020 و2021 بلغت نحو 3.5 تريليون دولار.
وقد توقعت منظمة السياحة العالمية أن يشهد قطاع السياحة الدولي تعافيًا ملحوظًا ليصل إلى 90% من مستويات ما قبل الجائحة بنهاية عام 2023، حيث سجل العالم -وفقًا لبيانات المنظمة- نحو 975 مليون سائح دولي خلال الفترة بين يناير وسبتمبر 2023، بزيادة قدرها 38% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
وأشار تقرير المنظمة إلى أن منطقة الشرق الأوسط تصدرت مشهد التعافي العالمي، حيث تجاوز عدد الوافدين إليها مستويات ما قبل الجائحة بنسبة 20%؛ مما يجعلها المنطقة الوحيدة التي تخطت أرقام 2019 خلال هذه الفترة. وفي أوروبا استُقبل 550 مليون سائح دولي، وهو ما يمثل 56% من إجمالي حركة السياحة العالمية، ويعادل 94% من مستويات ما قبل الجائحة.
أما إفريقيا فقد تعافت بنسبة 92% مقارنة بأعداد الوافدين قبل الجائحة، في حين وصلت الأمريكتان إلى 88% من آخر إحصاءات لعام 2019، وفي المقابل سجّلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ تعافيًا أبطأ، حيث بلغت نسبة الوافدين 62% من مستويات ما قبل الجائحة نتيجة لبطء إعادة فتح السفر الدولي في تلك المنطقة.
السياحة المستدامة توازن بين التنمية والبيئة
وتعد السياحة أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، خاصة في الدول النامية التي تعتمد عليها باعتبارها مصدرًا رئيسيًّا للدخل وتوفير العملات الأجنبية، وإلى جانب دورها الاقتصادي تنشئ السياحة صلة مباشرة بين الإنسان والطبيعة؛ مما يجعلها أداة فعالة لتعزيز الوعي البيئي وتشجيع حماية الموارد الطبيعية، ومن هنا تنبع أهمية السياحة المستدامة التي تهدف إلى تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة مع احترام الهوية الثقافية للمجتمعات المحلية.
تشمل السياحة المستدامة أنشطة متعددة، من بينها السياحة البيئية، التي تُعد أحد أشكالها المتخصصة؛ ففي حين تركز السياحة البيئية على زيارة المناطق الطبيعية مع الالتزام بالحفاظ على التنوع البيولوجي وتقليل التأثير البيئي، تمتد السياحة المستدامة إلى جميع أنواع السياحة، بحيث تضمن إدارتها بشكل مسئول يراعي الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية؛ فالسياحة البيئية تُعنى بحماية النظم البيئية والترويج لممارسات سياحية صديقة للبيئة، في حين تهدف السياحة المستدامة إلى جعل القطاع السياحي بأكمله أكثر مسئولية واستدامة على المدى الطويل.
ولا يقتصر تأثير السياحة المستدامة على البيئة فحسب؛ وإنما يمتد إلى الجوانب الثقافية والاجتماعية، حيث تسهم في دعم التراث المحلي، وتحسين جودة الحياة في المجتمعات المضيفة، كما توفر فرصًا اقتصادية عادلة لتمكين النساء والشباب، وتعزز ريادة الأعمال المحلية، وتشجع المشاركة المجتمعية في التنمية؛ مما يجعلها ركيزة أساسية لمستقبل أكثر توازنًا واستدامة.
السنة الدولية للسياحة المستدامة والقادرة على الصمود
في فبراير 2024 قررت الجمعية العامة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة أن 2027 ستكون السنة الدولية للسياحة المستدامة والقادرة على الصمود، حيث شجعت جميع الدول والجهات الفاعلة الأخرى على الاستفادة من هذه السنة الدولية لتعزيز الإجراءات على جميع المستويات من خلال التعاون الدولي، ودعم السياحة المستدامة والقادرة على الصمود، باعتبارها وسيلة أساسية لتعزيز وتسريع الوصول إلى أهداف التنمية المستدامة.
وفي إطار التزام حماة الأرض بدعم أهداف التنمية المستدامة، تولي أهمية خاصة للسياحة القادرة على الصمود، باعتبارها نموذجًا يعكس التوازن بين النمو الاقتصادي، والاستدامة البيئية، والعدالة الاجتماعية؛ فتعزيز مرونة هذا القطاع يسهم في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة، تدعم المجتمعات، وتحافظ على الموارد لنا وللأجيال القادمة.