أخبار الاستدامة

من قلب إسبانيا.. مصر تعيد رسم خريطة تمويل التنمية

تمويل التنميةمن قلب إسبانيا.. مصر تعيد رسم خريطة تمويل التنمية

في ظل تصاعد التحديات الاقتصادية والبيئية على الساحة الدولية، وسعي الدول إلى تحقيق التنمية المستدامة، تبرز الحاجة إلى مقاربات أكثر مرونة وتمكينًا في مجال تمويل التنمية، خاصة في الدول النامية، ومن هنا جاءت مشاركة مصر في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، المنعقد في إسبانيا في الفترة من 29 يونيو إلى 3 يوليو 2025، باعتبارها فرصة محورية للتأكيد على رؤية مصر الوطنية التي تدمج بين الطموح الاقتصادي والاستدامة الشاملة.

وفي هذا السياق، تتابع حماة الأرض هذا الحدث الدولي؛ إذْ تلقي الضوءَ اليومَ على مشاركة مصر، التي تمثلت في شخص الدكتورة/ رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، حيث شاركت في مائدة مستديرة رفيعة المستوى جمعت رؤساء مؤسسات التمويل التابعة لمجموعة التنسيق العربية، إلى جانب عدد من الشركاء الدوليين، ضمن فعاليات المؤتمر، وقد ألقت الوزيرة كلمة حملت رسائل واضحة حول ملامح التوجه المصري في مجال تمويل التنمية، خاصة فيما يتعلق بدور القطاع الخاص، وأدوات التمويل المبتكر، والشراكات الإقليمية والدولية.

مائدة مستديرة رفيعة المستوى جمعت رؤساء مؤسسات التمويل التابعة لمجموعة التنسيق العربية

تمويل التنمية في لحظة اختلال عالمي

بدأت الوزيرة كلمتها بتشخيص دقيق للمشهد الدولي، حيث شددت على أن التطورات الاقتصادية العالمية تفرض على المجتمع الدولي إعادة النظر في بنية النظام المالي العالمي؛ فعلى خلفية أزمات متداخلة تتراوح بين الديون السيادية والتغير المناخي وتباطؤ الاستثمار، بات من الضروري الدفع نحو إعادة هيكلة عاجلة تمكّن الدول من العودة إلى مسار تنموي منصف وشامل.

وأوضحت في كلمتها أيضا الدور الفعّال الذي تلعبه مجموعة التنسيق العربية، التي تضم عددًا من أبرز صناديق التنمية في المنطقة، مثل صندوق أبو ظبي للتنمية، والصندوق الكويتي، والبنك الإسلامي للتنمية، وصندوق أوبك، وغيرها، حيث لا يقتصر دور هذه المؤسسات على التمويل، وإنما يمتد ليشمل المساعدات الفنية، وتعزيز الحوار السياسي، وتسهيل الوصول إلى حلول تمويلية مبتكرة تستجيب لأولويات التنمية المستدامة.

القطاع الخاص محرّك رئيسي لتمويل التنمية

وانطلاقًا من التوجه المصري نحو توسيع دائرة الشراكات، استعرضت الدكتورة/ رانيا المشاط جهود مصر في حشد تمويلات تنموية موجهة إلى القطاع الخاص، باعتباره ركيزة محورية في المنظومة الاقتصادية، وأشارت إلى أن مصر استطاعت منذ عام 2020 تأمين تمويلات ميسرة تفوق 15.6 مليار دولار، تم توجيهها لدعم أنشطة القطاع الخاص في قطاعات متنوعة تمسّ جوهر التنمية المستدامة، مثل الطاقة والبنية التحتية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

القطاع الخاص محرّك رئيسي لتمويل التنمية

وقد جاء هذا التوجه مدعومًا بإطلاق منصة “حافز” في ديسمبر 2023، وهي أداة وطنية مبتكرة تربط الشركات المحلية بشركاء التنمية، وتوفر ما يزيد على 85 خدمة تمويلية وفنية، تُسهّل اندماج الفاعلين المحليين في منظومة الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي، وبهذا تثبت الدولة المصرية أنه لم يعد يُنظر إلى القطاع الخاص باعتباره مجرد مستفيد، وإنما ينظر إليه باعتباره شريكًا أساسيًّا في تحويل التحديات إلى فرص استثمارية.

إصلاحات هيكلية تفتح الطريق أمام التنمية

وترتكز السياسات الاقتصادية المصرية على برنامج للإصلاحات الهيكلية يُعد أحد الأعمدة الرئيسة في استراتيجية الدولة لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة، وقد انطلق هذا البرنامج برؤية متكاملة تهدف إلى ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلي، وتحسين مناخ الأعمال، ورفع كفاءة القطاعين العام والخاص على حد سواء، بما يسمح بإعادة تشكيل بنية الاقتصاد على أسس أكثر مرونة وقدرة على جذب الاستثمار.

وفي هذا الإطار، أسهمت هذه الإصلاحات في توسيع نطاق تمويل التنمية، خاصة في القطاعات البيئية والمناخية، عبر مبادرات محورية مثل برنامج “نُوفّي”، الذي يحشد استثمارات دولية لدعم مشروعات الطاقة المتجددة والنقل النظيف، ويُرسّخ التزام الدولة بالتحول نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات.

وتتفق هذه الجهود مع أهداف التنمية المستدامة، حيث تعكس توجهًا وطنيًّا لبناء نموذج اقتصادي أكثر مرونة وتنافسية واندماجًا، قادر على مواجهة الأزمات، والاستفادة من الفرص التنموية الجديدة في سياق عالمي سريع التحول، وهذا ما يدعم تحقيق الهدف (8) من أهداف التنمية المستدامة “العمل اللائق ونمو الاقتصاد”.

تطلعات مصر نحو نموذج تمويلي جديد

وفي ضوء هذا الحراك الوطني المتصاعد، تتطلع مصر من خلال مشاركتها في مؤتمر الأمم المتحدة لتمويل التنمية في إشبيلية إلى مواصلة التعاون مع مؤسسات مجموعة التنسيق العربية، من أجل توسيع أثر التمويلات التنموية وتوجيهها نحو أولويات استراتيجية، تشمل التحول الأخضر، الرقمنة، وتمكين الفئات الأكثر احتياجًا.

ومن هذا المنطلق، ترى حماة الأرض أن مشاركة مصر الفاعلة في هذا المؤتمر الدولي، وما تطرحه من مبادرات ومفاهيم، لا تعكس فقط نضجًا في الرؤية الاقتصادية، وإنما تعبر كذلك عن استعداد سياسي ومؤسسي لتحمّل مسئولية التحول نحو نموذج تنموي جديد، يتجاوز أنماط التمويل التقليدي، من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى