علوم مستدامة

ثورات البراكين تحدٍّ خفي يهدد طاقة الرياح

ثورات البراكين تحدٍّ خفي يهدد طاقة الرياح

في عالم يتجه بسرعة نحو التحول إلى الطاقة النظيفة تُعتبر طاقة الرياح واحدة من أكثر الحلول الواعدة لتحقيق مستقبل مستدام، وتعتمد العديد من الدول على هذه الطاقة المتجددة لتقليل انبعاثات الكربون وتأمين مصدر مستدام للكهرباء، غير أن هناك تهديدات طبيعية قد تعرقل هذا المسار.

لذا سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال تأثير الثورات البركانية بوصفها من أبرز التهديدات الطبيعية لإنتاج طاقة الرّياح، حيث تكشف الدراسات الحديثة عن مدى تأثير الغازات وجسيمات البراكين في سرعة الرّياح؛ مما قد يؤدي إلى تراجع كفاءة التوربينات وانخفاض إنتاج الطاقة؛ فتابعوا قراءة المقال.

كيف تؤثر ثورات البراكين في المناخ؟

تعد البراكين من أقوى الظواهر الطبيعية على وجه الأرض؛ فهي تطلق عند ثورانها كميات هائلة من الحمم البركانية والغازات السامة والجسيمات الدقيقة في الغلاف الجوي، وتؤدي هذه الانبعاثات إلى تغيرات مناخية قد تستمر عدةَ سنواتٍ، حيث تسهم الجسيمات البركانية في حجب أشعة الشمس؛ مما يؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة العالمية، وهي ظاهرة تُعرف باسم “الشتاء البركاني“.

وعند حدوث انفجار بركاني قوي -مثل ثوران جبل تامبورا في إندونيسيا عام 1815- يمكن أنْ تنتج عن ذلك تأثيرات عالمية واسعة النطاق. وقد أدى هذا الثوران فعليًّا إلى انخفاض درجات الحرارة بشكل ملحوظ، حيث شهد العالم ما يُعرف بـ”عام بلا صيف” في 1816، مما أسفر عن تلف المحاصيل الزراعية، وانتشار المجاعات في أوروبا وأمريكا الشمالية، وبالرغم من أن التأثير المناخي للبراكين كان معروفًا منذ زمن طويل، فإن الأبحاث الحديثة كشفت عن تأثير هذه الثورات -وهو تأثير غير متوقع- في أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة: طاقة الرّياح.

كيف تؤثر ثورات البراكين في سرعة الرياح؟

إنَّ التغيرات المناخية الناتجة عن الانفجارات البركانية لا تقتصر على انخفاض درجات الحرارة فقط، وإنما تمتد إلى التأثير في حركة الرّياح، ووفقًا لدراسة حديثة نُشرت في دورية The Innovation، فإن ثوران جبل تامبورا تسبب في انخفاض إنتاج طاقة الرّياح عالميًّا بنسبة 9% على مدار عامين، نتيجة لتباطؤ حركة الرّياح السطحية.

والسبب في ذلك أن التبريد السطحي الناجم عن الغازات البركانية يؤدي إلى تقليل الحِمل الحراري في المناطق الاستوائية؛ مما يُضعف الدورات الهوائية الرئيسية في الغلاف الجوي. وبما أن طاقة الرّياح تعتمد على استقرار التيارات الهوائية وسرعتها، فإن أي اضطراب في هذه العوامل يمكن أن يؤدي إلى تراجع كفاءة التوربينات الهوائية؛ مما قد يؤثر بشكل كبير في إنتاج الكهرباء بالمناطق التي تعتمد بشكل أساسي على الرّياح باعتبارها مصدرًا للطاقة.

هل يمكن أن تتكرر الكارثة اليوم؟

مما لا شك فيه أن تأثير ثوران تامبورا في القرن التاسع عشر قد مرَّ دون أن يُلاحظ تأثيره في طاقة الرّياح، نظرًا لعدم وجود توربينات هوائية في ذلك الوقت؛ لكن ماذا لو حدث انفجار مماثل اليوم؟ وفقًا للباحث “تشينج شين” من جامعة جوتنبرج في السويد، فإن حدوث ثوران بركاني كبير في العصر الحالي قد يُحدث اضطرابًا هائلًا في قطاع طاقة الرّياح؛ مما سيؤثر في إمدادات الطاقة داخل دول تعتمد بشكل أساسي على الرّياح، مثل الولايات المتحدة، وأستراليا، وشمال إفريقيا.

وقد أظهرت النماذج المَناخية أن الانخفاض في سرعة الرّياح الناتج عن ثوران بركاني قوي قد يستمر عدةَ سنواتٍ؛ مما قد يؤدي إلى اضطرابات في شبكات الطاقة، ويضع تحديات كبيرة أمام الشركات والحكومات التي تعتمد على طاقة الرّياح؛ لذلك فإن هناك حاجة مُلحة إلى تطوير حلول وتقنيات قادرة على التكيف مع مثل هذه الظواهر الطبيعية غير المتوقعة.

فوائد طاقة الرياح

تُعد طاقة الرّياح من أفضل مصادر الطاقة المتجددة، حيث توفر بديلًا نظيفًا وفعالًا للطاقة التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، فإن طاقة الرّياح أسهمت في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميًّا بملايين الأطنان سنويًّا، مما يجعلها أحد الحلول الأساسية لمواجهة التغير المَناخي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن طاقة الرّياح تُعدّ من أكثر مصادر الطّاقة كفاءة من حيث التكلفة، حيث انخفضت تكلفة إنتاج الكهرباء من الرّياح بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة؛ مما جعلها منافسًا قويًّا للوقود الأحفوري، غير أن تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الطّاقة يتطلب تطوير تقنيات جديدة تُحسّن من أداء التوربينات الهوائية في ظل الظروف المَناخية المتغيرة.

عقبات طبيعية أمام طاقة الرياح

إن التغيرات المَناخية -سواء أكانت ناتجة عن الأنشطة البشرية أم الظواهر الطبيعية مثل البراكين- يمكن أن تؤثر في كفاءة مصادر الطّاقة المتجددة؛ فبالإضافة إلى تأثير الثورات البركانية، يمكن أن تؤدي الأعاصير والعواصف إلى أضرار جسيمة في مزارع الرّياح، مما يتطلب استثمارات كبيرة في صيانة البنية التحتية للطاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن انخفاض سرعة الرّياح بشكل مفاجئ قد يؤدي إلى عدم استقرار شبكات الطّاقة التي تعتمد على الرّياح، مما يستلزم البحث عن حلول متكاملة تجمع بين مصادر طاقة متعددة، مثل الطّاقة الشمسية والبطاريات؛ لضمان استقرار الإمدادات الكهربائية حتى في ظل الظروف المَناخية غير المستقرة.

وفي الختام، تبقى رسالة حماة الأرض قائمة على ضرورة تحقيق التوازن بين استغلال الموارد الطبيعية وحماية البيئة؛ لأنَّ مستقبلَ الطّاقة النظيفة رهنٌ بمدى قدرتنا على التكيف مع التحديات التي يفرضها التغير المَناخي، مع الاستمرار في الابتكار لضمان عالم أكثر استدامةً لنا وللأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى