لا يمكن أنْ نغفل أهمية تعزيز جميع جوانب الحياة فوق كوكب الأرض إذا أردنا دعم صحة الإنسان وبناء مستقبله في هذه الحياة بشكل مستدام؛ لأنَّ الحياة وأنظمتها مترابطة ومتنوعة بشكل أو بآخر، وهو تنوع يساعد على تعزيز كل خطوات الإنسان في جميع المجالات والقطاعات.
وإنَّ أشكال هذه الحياة المتنوعة يُطلَقُ عليها مصطلحُ التنوع البيولوجي، وهو المصطلح الذي يُشير إلى الكائنات الحية وجميع الأنظمة البيئية كالغابات والشعاب المرجانية، وهذا التنوع البيولوجي يُعد درعًا ضد التحديات البيئية التي تَسبَّب فيها التغير المناخي في العقود الماضية.
وانطلاقًا من هذا المصطلح -التنوع البيولوجي- برزت مؤتمرات الأطراف لاتفاقية التنوع البيولوجي، باعتبارها فرصةً مهمةً ومنصةً رئيسيةً لاقتراح الأفكار البارزة ومناقشتها في هذا المجال؛ من أجل حماية الموارد الطبيعية التي تساعد على مكافحة التغير المناخي. وذلك ما ستلقي عليه حماة الأرض الضوء في السطور القادمة، حيث تستكمل تغطية مؤتمر الأطراف السادس عشر الذي عُقِدَ جزءٌ منه في وقت سابق من العام الماضي في مدينة كالي الكولومبية؛ فتابعوا القراءة.
إنَّ مؤتمر الأطراف السادس عشر “COP16″، الذي يستأنف فعالياته في نهاية فبراير القادم؛ واحد من أهم مؤتمرات الأطراف التي تسعى إلى معالجة تحديات البيئة والتنمية، وهذا من خلال وضع استراتيجيات مبتكرة، وتعبئة الموارد اللازمة؛ لتحقيق الأهداف الطموحة للإطار العالمي للتنوع البيولوجي.
وهناك -في مدينة روما- يستعد العالم لاستئناف الدورة السادسة عشر من مؤتمر الأطراف في اتفاقية التّنوع البيولوجي في المدة بين 25 و27 فبراير من العامِ الجاري، وهذا في مقر منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، حيث يأتي هذا الاجتماع استكمالًا للجلسة التي عُقدت سابقًا بمدينة كالي في 2024، بعد ما توقفت بسبب عدم اكتمال النصاب القانونيّ؛ مما أدى إلى تأجيل مناقشة القضايا البيئية العالقة، التي تُعد ذات أهمية كبيرة لتحقيق أهداف التّنوع البيولوجي العالمي.
ويأتي هذا الاستئناف في وقت حساس للغاية، حيث تتزايد التحديات البيئية على مستوى العالم، مثل فقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ؛ لذلك يُنظر إلى الاجتماع القادم من حيث كونه خطوةً ضروريةً لتعزيز الجهود الدولية في مسار تحقيق أهداف إطار كونمينج – مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي. وهو الإطار العالمي الذي يُعد خطةً عالميةً طموحةً تهدف إلى تحقيق سلام مع الطبيعة، وضمان استدامة النظم البيئية العالمية بحلول عام 2030.
الأولويات والقضايا الملحة
يتضمن جدول أعمال الاجتماع القادم قضايا أساسيةً ضمن جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومِن بين أبرز هذه القضايا: تعبئة الموارد المالية لدعم أهداف التّنوع البيولوجي، كما تسعى الأطراف المشاركة إلى تأمين تمويل بقيمة 200 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2030، بالتعاون بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات الدولية.
ومِن النقاط المهمة الأخرى، مناقشة إنشاء آلية عالمية لتمويل التنوع البيولوجي، لتعزيز جهود تحسين إدارة الموارد المالية، وتوجيهها بفعالية نحو المجتمعات المحلية الأكثر تأثرًا بتدهور البيئة. وسوف يركز الاجتماع أيضًا على آليات الرصد والتخطيط والإبلاغ لتقييم التقدم المحرز في تحقيق أهداف إطار كونمينج – مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي.
وتشمل هذه الآليات وضع أدوات لقياس الإنجازات، وتقديم تقارير دورية شفافة، وتعزيز مشاركة الشباب والنساء والمجتمعات المحلية والشركات في تحقيق هذه الأهداف العالمية الخاصة بالتنوع البيولوجي.
إنجازات كالي وتطلعات روما
قبل تعليق الفعاليات السابقة في مدينة كالي، شهدت الساعات الأولى من المؤتمر تحقيق إنجازات بارزة، أهمها إنشاء “صندوق كالي”، وهو الصندوق الذي يسعى العالم من خلاله إلى توزيع المنافع المستمدة من المعلومات الجينية الرقمية لصالح البلدان النامية والمجتمعات المحلية. وبموجب هذا الصندوق سوف تُسهم الشركات التي تحقق أرباحًا من استخدام المعلومات الجينية الرقمية بنسبة من أرباحها في دعم الجهود البيئية والتنموية.
ختامًا، فإنَّ حماة الأرض تتابع عن كثب جهودَ العالم في مجال الحفاظ على البيئة، وسوف تنظر في ما يقدمه المؤتمر خلال الأيام القادمة؛ نشرًا للوعي بضرورة تعزيز التّنوع البيولوجي، وهو ما يُعزز النظم البيئية، ويُحقق أهداف التنمية المستدامة بصورة شاملة وعادلة لنا وللأجيال القادمة.