خطى مستدامة

رسالة من كوكبنا في اليوم الدولي لأمنا الأرض

رسالة من كوكبنا في اليوم الدولي لأمنا الأرض

لم يكن التغير المناخي يومًا قضية بعيدة عن واقعنا، بل هو حاضر في تفاصيل حياتنا اليومية، حتى وإن لم ننتبه له دومًا؛ فموجات الحر التي نشهدها، والفيضانات المفاجئة، وتلوث الهواء والماء، لم تعد مجرد أخبار في نشرات الطقس، وإنما تحولت إلى ظواهر نعايشها في شوارعنا وبيوتنا، وتؤثر في صحتنا وحياتنا بشكل مباشر.

وفي مواجهة التغير المناخي، أصبحنا لا نحتاج إلى شعارات كبيرة بقدر ما نحتاج إلى وعي حقيقي بأن ما يحدث للكوكب ينعكس علينا بشكل مباشر؛ فالنفايات التي نرميها، والطاقة التي نستهلكها بلا حساب، والمياه التي نهدرها، كلها عوامل تؤثر في حاضرنا ومستقبل أولادنا.

ومن هنا تتناول حماة الأرض في هذا المقال -بالتزامن مع اليوم الدولي لأمنا الأرض- مظاهرَ التغير المناخي كما نلمسها في حياتنا اليومية، مع التركيز على الجهود الوطنية في مصر، من مشروعات الطاقة المتجددة إلى حماية السواحل والمحميات الطبيعية؛ فتابعوا القراءة.

إعلان اليوم الدولي لأمنا الأرض

في عام 2009 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 22 إبريل يومًا دوليًّا لأمنا الأرض، إدراكًا منها ضرورة تحقيق التوازن بين متطلبات البشرية وحق الطبيعة في الازدهار، ولا تُعد هذه الذكرى السنوية مجرد احتفال رمزي، وإنما هي دعوة حقيقية للتفكير والتصرف؛ إذ تواجه الأرض تهديدات غير مسبوقة بسبب أنشطة الإنسان، بدءًا من تغير المناخ ومرورًا بإزالة الغابات، وانتهاءً بالزحف العمراني والتلوث الجائر.

وكما هو واضح، فالأضرار لا تقتصر على الحيوانات والنباتات، وإنما تمتد لتؤثر بشكل مباشر في الإنسان ومستقبله؛ فما نشهده من تغيرات بيئية اليوم هو نتيجة مباشرة لتدخلات بشرية غير مدروسة في البيئة، وهذا يتطلب منا إعادة النظر في طرق الإنتاج والاستهلاك.

استعادة الطبيعة طريقنا إلى النجاة
ويشير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى أن الحل يبدأ من استعادة النظم البيئية؛ فالنظام البيئي السليم لا يقتصر على توفير الهواء النقي والماء العذب، وإنما يؤدي دورًا مهمًّا في الحد من الفقر، ومكافحة التغير المناخي، وحماية الحياة البرية.

إن حماية الطبيعة هي استثمار في مستقبل الإنسان نفسه؛ إذ إنَّ المحافظة على الغابات والمحيطات والأراضي الزراعية تعني المحافظة على مواردنا الأساسية مثل الغذاء والماء، وتعزيز قدرتنا على التكيف مع الكوارث الطبيعية، ومواجهة هذا التحدي العالمي لا تكتمل إلا عندما تتحول النوايا إلى سياسات وإجراءات ملموسة على مستوى الدول والمنظمات؛ فالمسئولية الجماعية تحتاج إلى تطبيق عملي يراعي خصوصية كل بلد وظروفه.

وهنا تبرز أهمية النماذج الوطنية التي تسير بخطى واضحة نحو بيئة أكثر استدامة، وتجسد التوجه العالمي في خطط ومشروعات على أرض الواقع، وتُعد مصر مثالًا بارزًا في هذا السياق، حيث بدأت تتحرك بجدية عبر مسارات متعددة لحماية البيئة والتكيّف مع تغيّر المناخ، كما يتضح في جهودها الملموسة على أكثر من صعيد.

جهود مصر البيئية

تتخذ مصر مسارات متوازية للحد من آثار التغير المناخي، وذلك من خلال مبادرات بيئية تركز على التحول إلى مصادر طاقة أنظف، والاستعداد لما قد تفرضه الظواهر المناخية من تحديات مستقبلية. ويُعد مشروع مصر الكهروضوئية نموذجًا واضحًا على هذا التوجه، حيث تم إنشاء 225 محطة طاقة شمسية موزعة على 19 محافظة، مما أسهم في إنتاج 26 جيجاوات/ ساعة من الكهرباء النظيفة سنويًّا، وقد جاء هذا الإنجاز ثمرة للتعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومرفق البيئة العالمية.

وفيما يخص التكيّف مع تغيّر المناخ، تخوض مصر تحديًا حيويًّا لحماية شواطئها الشمالية من آثار الفيضانات وارتفاع منسوب البحر، ويتجسد ذلك في مشروع “تعزيز التكيف مع تغير المناخ في الساحل الشمالي ودلتا النيل”، الذي يهدف إلى حماية نحو 18 مليون شخص من المخاطر الساحلية، من خلال إنشاء سدود منخفضة التكلفة، ووضع خطة متكاملة لإدارة المناطق الساحلية بطريقة مستدامة.

وفي مجال السياحة المستدامة، أطلقت مصر مشروع دمج التنوع البيولوجي بالسياحة بهدف التوفيق بين الجمال الطبيعي وحمايته، عبر مبادرات مثل حظر البلاستيك أحادي الاستخدام في جنوب سيناء، وإنشاء أول حملة لحماية البيئة البحرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولأن الحفاظ على التنوع البيولوجي يمثل ركيزة أساسية لاستقرار النظم البيئية، فقد أولته مصر اهتمامًا كبيرًا، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عن طريق حماية المحميات الطبيعية التي تمتد على أكثر من 15% من أراضيها. وتُولي هذه الجهود أهمية خاصة لإشراك المجتمعات المحلية، حيث جرى تدريب آلاف النساء على الحِرَف البيئية، بما يوفّر لهن مصدر دخل مستدامًا ويعزز ارتباط السكان بحماية بيئتهم.

ومن هنا تتضح حقيقة جوهرية: أن مستقبل البيئة لا يصنعه المسئولون وحدهم، وإنما يتطلب شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع؛ فالمسئولية مشتركة، وكل مبادرة صغيرة -بداية من الحد من استخدام البلاستيك إلى دعم المشروعات البيئية- تُمثّل خطوة نحو الطريق الصحيح. وفي ظل ما يواجهه العالم من تحديات بيئية متصاعدة، تؤمن حماة الأرض بأن الوقت لم يعد يسمح بالمماطلة؛ فنحن بحاجة إلى وقفة جادة تُعيد النظر في علاقتنا مع البيئة، وتدفع نحو نمط اقتصادي أكثر وعيًا، ويُعيد التوازن الغائب بين الإنسان والبيئة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى