صناعات مستدامة

تحديات الاستدامة في صناعة الملابس والمنسوجات

صناعة الملابس والمنسوجات

تحديات الاستدامة في صناعة الملابس والمنسوجات

نَمَا الوعي في العقود الأخيرة بشكل متزايد حول قضية الاستدامة والحفاظ على البيئة، وهو ما أدَّى -بالضرورة- إلى ظهور عدد من العلامات التجارية التي تعتمد تبني الاستدامة باعتبارها ميزةً تنافسيةً أمام غيرها من الشركات، غير أنَّ الطريقَ نحو الاستدامة ليس -بطبيعة الحال- سهلًا، خصوصًا في القطاعات الصناعية، ومِن بين هذه القطاعات قطاع صناعة المنسوجات. وسوف نناقش في السطور القادمة التحديات التي تواجه هذا الأخير بمزيد من التفاصيل.

في العقود القليلة الماضية قامتْ بعضُ شركات إنتاج الملابس والمنسوجات -بشكل متزايد- بدمج الممارسات المستدامة في عملياتها وسلاسل توريدها، وهذا عن طريق رفع كفاءة العمليات الإنتاجية، وتصميم المنتجات والملابس المستدامة ذات البصمة البيئية المنخفضة.

وبالرغم من ذلك فإنه ليس من السهل تحويل صناعة الملابس والمنسوجات -بشكل كامل- إلى الاستدامة، حيث يأتي الأمر مصحوبًا بمجموعة تحديات وعقبات نستعرض أهمها فيما يأتي.

غياب التعريف والموضة السريعة

صناعة الملابس والمنسوجات

التحدي الأول أمام الممارسات المستدامة، هو عدم وجود تعريف مشترك ومحدد لكلمة “الاستدامة” نفسها، ليكون معيارًا واحدًا تتفق عليه هذه الصناعة بأكملها، حيث يمكن أنْ تقوم بعضُ الشركات بالترويج لأنشطتها على أنها مستدامة طبقًا لنظرتها الضيقة.

نتيجةً لما سبق، تنتشرُ الآن على العديد من منتجات العلامات التجارية كلماتٌ عامةٌ، تشير إلى الممارسات المستدامة، مثل: منتج مستدام، منتج أخضر، منتج صديق للبيئة، وغيرها من الكلمات التي لا يوجد تعريف واضح لها. ودون تعريف واضح يصبح من الصعب على هذه الصناعة تحديد أهدافها، أو قياس مدى التقدم في تحقيقها.

التحدي الثاني، هو الموضة السريعة – Fast fashion، التي تتغير من موسمٍ إلى آخرَ، ولعل هذا واحدًا من العوائق الصعبة في طريق تحول صناعة الملابس إلى الاستدامة؛ فالموضة السريعة جعلتِ الملابسَ واحدةً من أكثر فئات المنتجات الاستهلاكية كثافةً في التغيير.

في عالَمِ الأزياء نجدُ أنَّ علاماتٍ تجاريةً عديدةً قد بذلتْ جهودًا لتقليل تكاليف الإنتاج باستخدام العمالة منخفضة التكلفة، واعتمدتْ على موادٍّ غير مستدامة؛ لأجل زيادة أرباحها في هذا السوق شديد التنافسية، وهي الممارسات التي تتعارض -بشكل مباشر- مع أهداف التنمية المستدامة.

البنية التحتية والمواد الخام

يمثل الافتقار إلى البنية التحتية الكافية مشكلةً كبيرةً في البلدان النامية، حيث لا يستطيع معظمُ الشركات الصغيرة والمتوسطة الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، التي تساعد على الإنتاج المستدام، ومن أبرز الأمثلة على هذا هو البنية التحتية لموارد الطاقة المتجددة، أو مرافئ معالجة وتدوير النفايات.

ما سبق يعني تراكم كميات كبيرة من مخلفات الملابس غير المستغلَّة، هذا بالإضافة إلى اعتماد الصناعة في البلدان النامية على الوقود الأحفوري باعتباره مصدرًا رئيسيًّا للطاقة في جميع العمليات الإنتاجية.

التحدي الثالث، هو تكلفة المواد الخام اللازمة لصناعة النسيج، خاصةً في البلدان التي يتعين عليها استيراد المواد الخام، وهو ما يعني ارتفاع تكلفة تشغيل مصانع الملابس، جنبًا إلى جنبٍ مع مشكلات التضخم التي تعانيها الاقتصادات النامية؛ والنتيجة الحتمية لهذا هو عدم قدرة مصانع كثيرة على تحمل تكاليف الممارسات المستدامة، واللجوء إلى الخيارات التقليدية في أنواع المواد الخام والوقود المستخدَم.

نقص العمالة الماهرة

إنَّ الافتقارَ إلى العمالة الماهرة اللازمة لتبني التقنيات الجديدة، يجعل كثيرًا مِن مُصَنِّعِي المنسوجات غير قادرينَ على تبني ممارسات مستدامة؛ إذْ ما الفائدةُ مِن شراء معدات متقدمة وأنظمة تشغيل متطورة ولا توجد عِمالةٌ ماهرةٌ تستطيع تشغيلها بالأسلوب الأمثل، الذي يضمن الحصول على النتائج المرجوة؟!

هذا النقص في العمالة الماهرة خلق فجوةً اتسعتْ مع الوقت في سوق صناعة الملابس والمنسوجات في الدول النامية؛ لذا لن يكون مستغرَبًا أنْ نجدَ انتشارًا واسعًا للمنتجات رديئة الجودة، التي يتم استيرادها بأسعار منخفضة من الخارج من دول مثل الصين.

المشكلة فيما سبق، هي أنَّ له تأثيرًا مزدوجًا، فمن ناحية يتباطؤ النمو في صناعة الملابس والمنسوجات المحلية، ومن ناحية أخرى يزداد الاعتماد على المنتجات المستوردة، التي يتم شراؤها بالعملة الأجنبية، كما يرسخ في ذهن المستهلِك أنَّ المنتجَ المحليَّ ليس خيارًا مناسبًا لإنفاق أمواله.

قيود الأصباغ الطبيعية

ألوان الملابس الزاهية التي نراها في مختلف المَحَالِّ والمَعَارِضِ لا تُنتج -غالبًا- من استخدام الأصباغ الطبيعية في عمليات التصنيع، وإنما مِن الأصباغ الصناعية التي تتكون من مُركبات كيميائية معقدة، حيث إنَّ الألوانَ الطبيعيةَ -حتى عند المزج بينها- لا يمكنها إعطاء درجات الألوان التي تتيحها الألوان الصناعية.

المشكلة في الاعتماد على الأصباغ الصناعية، هي أنها ليست خيارًا مستدامًا، حيث تحتوي على ملوِّثات ومواد خطرة عديدة، هذا إلى جانب المواد الكيميائية المساعِدة، التي تُستخدم في أثناء عمليات الصباغة، ناهيك بكميات المياه والنفايات السائلة الكبيرة، التي تُخلفها عملية الصباغة.

هذا النفايات السائلة من الأصباغ يمكنها أنْ تتراكمَ في المياه لدرجة أنَّ الضوءَ لا يستطيع اختراقها، مما يضعف قدرة النباتات على التمثيل الضوئي، وهذا يقلل من نسبة الأكسجين في الماء؛ مما يؤدي إلى تهديد الحياة المائية والنباتية.

إدارة النفايات وإعادة التدوير

لتلبية متطلبات المستهلِك، تفضل علاماتٌ تجاريةٌ عديدةٌ إنتاجَ ملابس غير مكلفة وغير متينة، وهو ما يعني تولد كميات هائلة من النفايات التي ينتهي بها الأمر في مكبات النفايات، التي قد تمر عليها سنوات وعقود حتى تتحلل.

التحدي الأخير، هو أنَّ شركاتٍ كثيرةً لا تضع في اعتبارها إعادةَ التدويرِ عند تصميم ملابسها، هذا إلى جانب السلوك الاستهلاكي للكثيرينَ في التخلص من الملابس غير المستخدَمة، بدلًا من إيجاد دورة حياة جديدة لها عن طريق -على سبيل المثال- التبرع بها.

لقد حاولنا في هذا الطرح تسليط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه صناعة الملابس والمنسوجات، ولعلنا في الأعداد القادمة نناقش أبرزَ حلول هذه التحديات.

صناعة الملابس والمنسوجات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى