علاج جديد لتحديات التنمية المستدامة
علاج جديد لتحديات التنمية المستدامة
يحاول العالم في العقود الأخيرة أنْ يعالج كل الآثار السلبية التي من شأنها أنْ تضر بالبيئة وتقوض الجهود التنموية في جميع القطاعات والمجالات، وفي عالم يتغير بوتيرة متسارعة تظل التنمية المستدامة الحلم الأكبر الذي تسعى إليه المجتمعات، لكنَّ الطريق إليها ليس مفروشًا بالورود؛ فحينما تسعى الدول إلى تحقيق نمو اقتصادي مزدهر تصطدم بتحديات بيئية واجتماعية وأزمات تفرض عليها الاهتمام بالابتكار ودعم الأفكار المتجددة.
لذا لا بُدَّ لنا من أنْ نتساءل عن كيفية تحقيق معادلة تجمع بين تحقيق أهداف التنمية المستدامة -تصنيعًا واقتصادًا- والحفاظ على موارد الأرض، وهو التساؤل الذي تحاول حماة الأرض الإجابة عنه في السطور القادمة؛ فتابعوا القراءة.
حين يتصادم النمو الاقتصادي مع البيئة
لطالما كان النمو الاقتصادي الهدف الأول للدول الطامحة إلى تحسين مستوى معيشة شعوبها، غير أنه يأتي في كثير من الأحيان على حساب الموارد الطبيعية؛ ففي بنجلاديش -على سبيل المثال- يُعتبر قطاع صناعة النسيجِ العمودَ الفقري لاقتصادها القومي، حيث يسهم بأكثر من 80% من إجمالي صادراتها. ومع ذلك فإنَّ هذا القطاع مسئول عن معدلات عالية من التلوث؛ بسبب النفايات الكيميائية التي يُلَقى بها في الأنهار؛ مما يؤثر في جودة المياه ويضر بالتنوع البيولوجي.
ويكمن الحل في تبني تقنيات تُقلِّل من البصمة البيئية، مثل استخدام تقنيات صباغة الأقمشة الموفِّرة للمياه، وتطبيق معايير بيئية صارمة في المصانع، ومنح حوافز للشركات التي تعتمد على الطاقة المتجددة بدلًا من الوقود الأحفوري.
مواجهة بين الطبيعة والإنسان
ومما يواجه شعوب العالم أيضًا تلك الأزمة المتعلقة بالأمن الغذائي، سوى أنَّ التوسع في الزراعة لسد احتياجات السكان قد يعني إزالة المزيد من الغابات؛ مما يُعرِّض التنوع البيولوجي لخطر كبير، فضلًا عن أنَّ زراعة الأرز -تحديدًا- هي حجر الأساس لهذا الأمن الغذائي، لكنها تستهلك كميات هائلة من المياه، كما أنَّ الأسمدة الكيميائية المستخدمة تلوث الأنهار؛ مما يهدد الموارد المائية والنظم البيئية.
وإنَّ علاج هذه المشكلة يكون من خلال تبني نهج زراعي أكثر ذكاءً واستدامة، إذ يمكننا تعزيز الزراعة البيئية التي تعتمد على أساليب صديقة للبيئة، مثل الزراعة العضوية، والتسميد الحيوي؛ وكلها أنظمة زراعية تسهم في تحسين إنتاجية المحاصيل دون الإضرار بالبيئة.
التوسع العمراني والعدالة الاجتماعية
لا شك في أنَّ المدن الحضرية هي الوجه العصري للتقدم في العمران والبنية التحتية، ومع ذلك لها تأثيرات اجتماعية لا يمكن تجاهلها؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى تحسين بنيتها التحتية قد تجد الفئات الفقيرة والمهمشة نفسها تدفع الثمن الأكبر، حيث تؤدي مشروعات التوسع العمراني -ذلك التوسع العمراني غير المخطط له على أسس مستدامة- إلى ارتفاع تكاليف المعيشة؛ مما يجعل السكانَ أصحابَ الدخلِ المحدودِ يحيون حياةً غير لائقة.
لذلك فإنَّ تحقيق التوازن بين التطوير العمراني والعدالة الاجتماعية يستوجب سياسات أكثر إنصافًا، ومن الضروري أيضًا اعتماد نهج التخطيط التشاركي، الذي يمنح السكان المتأثرين صوتًا في عملية صنع القرار؛ لأنَّ التنمية الحقيقية لا يتخلف فيها أحد عن الرَّكْب.
الطاقة المتجددة حل مستدام أم أزمة جديدة؟
يُعد الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة خطوة ضرورية لمواجهة تغير المناخ، لكنَّ هذا التحول قد يُثير تحديات غير متوقعة. وهنا نضرب أيضًا مثالًا بدولة بنجلاديش، حيث يُعد توسع مشروعات الطاقة الشمسية تحديًا بسبب محدودية الأراضي الصالحة لهذه المشروعات، ويكون هذا على حساب الأراضي الزراعية؛ مما يُفاقم مشكلات الأمن الغذائي. وبالمثل فإنَّ مشروعات الطاقة الكهرومائية يمكن أنْ تؤثر في معدلات تدفق الأنهار، وهذا يُهدد المجتمعات المحلية والتنوع البيولوجي.
ولا يكمن الحل في التخلي عن الطاقة المتجددة، وإنما في تطبيقها على نحو مسئول ومستدام، مثل أنْ نستخدم أسطح المباني لتركيب الألواح الشمسية بدلًا من التضحية بالأراضي الزراعية، من خلال التخطيط المستدام، واستغلال الموارد الطبيعية بكفاءة، ودون أنْ يتحول العلاج إلى مشكلة جديدة.
في الختام، تؤكد حماة الأرض أنَّ الطريق إلى تحقيق التنمية المستدامة لا يجب أنْ يمر عبر التضحيات، بل عبر الحلول الذكية التي تعيد صياغة العلاقة بين الإنسان وكوكبه؛ فبالتخطيط الواعي والابتكار المستدام يمكننا بناء عالم لا تُمحى فيه الغابات لأجل المصانع، ولا يُدفع فيه بالفقراء إلى الهامش من أجل ناطحات السحاب؛ وهذه هي الفرصة المبتكرة لإعادة تشكيل ملامح الغد.