الاستدامة والقانون

كيف مثَّل صندوق الخسائر والأضرار علامة فارقة في العمل المناخي؟

بقلم الدكتورة ألفت المزلاوي - أمين سر لجنة القوى العاملة بمجلس النواب

صندوق الخسائر والأضرار COP27

ألفت المزلاوي صندوق الخسائر والأضرار

كيف مثَّل صندوق الخسائر والأضرار علامة فارقة في العمل المناخي؟

لا يخفى على أي مهتم بالشأن المناخي أنَّ تبنيَ مفهومِ “الخسائر والأضرار” وتطبيقه على أرض الواقع ضربٌ من ضروب الخيال، بل إنَّ بعضَ الناس يَعُدُّ هذا مستحيلَ الحدوثِ، إلا إنه في قمة المناخ الأخيرة بشرم الشيخ “COP27” اعترفتِ البلدانُ المشاركة رسميًّا -بعد جلسات مناقشات طويلة- بالحاجة إلى تأمين التمويل اللازم لمعالجة الخسائر والأضرار المرتبطة بتغير المناخ؛ لتوافق بعدها على إنشاء صندوق “الخسائر والأضرار”.

إنَّ “الخسائر والأضرار” مفهومٌ يُطلقُ على السياسة التي تدعم البلدان النامية الضعيفة، التي تتكبد خسائرَ وأضرارًا كبيرةً بسبب تغير المناخ. ويدعم هذا المفهومَ فكرةُ أنَّ البلدانَ الأشد ثراءً والأكثر تقدمًا مسئولةٌ عن الآثار الناتجة عن تغير المناخ في البلدان الأشد فقرًا والأكثر تضررًا.

لذا، يُعدُّ إنشاءُ صندوق الخسائر والأضرار إنجازًا جديرًا بالاهتمام بين البلدان والمجتمعات النامية المعرضة لهذا الخطر، وهي تلك البلدان الموجودة عند الخطوط الأمامية في مواجهة تغير المناخ، التي ظلت لعقود تطالب بالتمويل؛ لأجل مواجهة الآثار المدمرة الناتجة عن تغير المناخ.

في شرق إفريقيا -على سبيل المثال- يعاني حوالي 40 مليون إنسان الجوعَ الناجمَ عن التغيرات المناخية. على جانبٍ آخرَ، تُسبب الفيضاناتُ أضرارًا وخسائرَ اقتصاديةً تُقدر بمليارات الدولارات، وتتسبب -أيضًا في تشريد عشرات الملايين من البشر حول العالم، ناهيك عن حرق الغابات، وهي الظاهرة التي بدأتْ في التزايد تزامنًا مع الاحترار العالمي؛ لتهدد العديد من الأنواع، وتفتك بأرواح آلاف البشر.

الخسائر والأضرار في نظر العالم

كانتِ السرعةُ التي تحول بها النقاشُ حول الخسائر والأضرار رائعةً، حيث كان هذا المبدأُ الذي اقتُرِح لأول مرَّة منذ أكثر من 30 عامًا في مكانة خطٍّ أحمرَ بين كثير من البلدان، التي رفضت حتى مناقشته في خلال هذه العقود، وهو ما تم التأكيد عليه في العامِ قبل الماضي، في “COP26” بمدينة جلاسكو، حيث عارض الشمالُ العالميُّ (الدول المتقدمة والغنية) دعوةَ مجموعة الـ 77 والصين إلى الحصول على تسهيلات مالية مخصصة للخسائر والأضرار.

كان الاتفاقُ على إنشاء صندوقٍ للخسائر والأضرار -بالنسبة إلى كثيرٍ من البلدان النامية- في مكانة إعلان عن حقبة جديدة من العمل المناخي والتفاوض الدولي. وقد أدَّتِ الفيضاناتُ المدمرةُ الأخيرةُ في باكستان والجفاف الذي طال أمده في القرن الإفريقي -وما نتج عنه من أزمة غذائية طاحنة- إلى زيادة الضوء المُلقى على حدة الخسائر والأضرار المرتبطة بالمناخ، وقد أدَّى هذا -أيضًا- إلى زيادة الإلحاح والضغط على البلدان المتقدمة؛ لأجل التصديق على إنشاء صندوق للخسائر والأضرار في “COP27″، وبالرغم من هذا فإنَّ الدولَ لم توافق على إدراج تمويل الخسائر والأضرار في جدول الأعمال الرسمي إلا قبل أيام قليلة من بدء القمة.

في بدء “COP27” تحدث أغلبُ قادة البلدان المتقدمة والنامية عن أهمية معالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ. وفي الأسبوع الأول من المفاوضات أظهرتْ سَبْعُ دولٍ متقدمة -ألمانيا، والمملكة المتحدة، واسكتلندا، ونيوزيلندا، وبلجيكا، والنمسا، وكندا- تضامنها، وتعهدت بحوالي 275 مليون دولار أمريكي لتمويل الخسائر والأضرار، سوف يذهب معظمها إلى مبادرة “الدرع العالمي” ضد أخطار المناخ، وهي المبادرة التي أطلقتها مجموعةُ الدول السبع (G7) ومجموعة العشرين الأكثر تعرضًا للخطر (V20) في “COP27”.

وإذا كان النشطاءُ ومجموعاتُ المجتمعِ المدنيِّ قد تحالفوا مع الدول النامية للمطالبة بتمويل الخسائر والأضرار – فإنَّه لم يثُرِ الاهتمامُ حول هذه المطالبة إلا قبل أيام من موعد انتهاء مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، وحينئذٍ بَدَا الاتفاقُ قابلًا للتطبيق. كان العاملُ المحفز الرئيسي هو قيامُ الاتحاد الأوروبي بدور الوسيط؛ لتقريب وجهات النظر، وهذا من خلال اقتراح نموذج تمويلي منح الفئات الأكثر ضعفًا أولويةً قصوى.

الاستجابة لعدد من المخاوف

في سابقة تاريخية غير متوقعة أقرتِ البلدانُ -رسميًّا- بأنَّ ترتيبات التمويل الحالية للخسائر والأضرار غير كافية، وأنَّ الحاجَةَ إلى تمويل عاجل حتميةٌ؛ لمساعدة البلدان النامية المعرضة بشكل خاص لتغير المناخ. واستجابةً لهذا، وافقتِ الدولُ على مسألتينِ مهمتينِ مرتبطتين ببعضهما، الأولى: إنشاء “صندوق الخسائر والأضرار”، والأخرى: العمل على “ترتيبات تمويل جديدة”، وبينما بدَا أنَّ هاتينِ المسألتينِ تختلفانِ في المسمى فحسب إذَا بهما تستجيبانِ لمخاوف مختلفة.

أولًا– يستجيب قرارُ إنشاء صندوق الخسائر والأضرار -الذي يشكل جزءًا من بنية المناخ التابعة للأمم المتحدة- لكثيرٍ من نداءاتِ البلدانِ الناميةِ؛ للحصول على آلية تمويل مخصصة تنفذها البلدان المتقدمة، وهذا باعتبار الأخيرة مسئولًا أكبرَ عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التاريخية. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ القرارَ لم يحدد الدول التي يتوجب عليها الإسهام في هذا الأمر، كما لم يربط بين توفير التمويل والإرث التاريخي من الانبعاثات لكل دولة.

ثانيًا– يُعدُّ قرارُ إنشاء ترتيبات تمويل جديدة استجابةً ضروريةً لمعالجة الخسائر والأضرار، حيث إنَّ ترتيبات التمويل الجديدة تحتاج إلى توفير تمويل سهل وسريع؛ لإعادة التأهيل والتعافي، وإعادة الإعمار في أعقاب الكوارث المرتبطة بالمناخ، ومعالجة الآثار الناجمة عن الأحداث الخطيرة على المدى البعيد -مثل ارتفاع مستوى سطح البحر- وهما مجالانِ لا تركز عليهما ترتيباتُ التمويل الحالية.

وفي الوقت الذي لم تُحدَّد فيه تفاصيلُ الصندوق الجديد -ولا ترتيبات التمويل الجديدة- وافقتِ الدولُ على تفعيل كلا القرارينِ في مفاوضات المناخ المقبلة “COP28” بمدينة دبي.

تحديات تلوح في الأفق

إذا كان “COP27” قد حقَّق تقدمًا كبيرًا في ملف تمويل الخسائر والأضرار فسيكون الاختبارُ الحقيقيُّ منحصرًا في إمكان اتفاق هذه البلدان على التفاصيل. بعبارة أخرى: مَن سيدفع، ومَن سيتلقى التمويل، وما أنواعُ الخسائر والأضرار التي ستكون مؤهلةً للحصول على تمويل؟ فبَعدَ عقودٍ من تجنب هذه المناقشات لن يكون التوصلُ إلى توافق في الآراء بشأن تفاصيل صندوق الخسائر -وكذلك بشأن الأضرار وترتيبات التمويل الجديدة في “COP28“- سهلًا.

وسيكون تحديد مَن سيدفع تحديًا على عدد من الجبهات؛ حيث تستمر البلدان المتقدمة -على سبيل المثال- في التخلف عن الوفاء بالتزاماتها بتقديم 100 مليار دولار سنوية لتمويل المناخ، وهو التزام أقرته قمة باريس للمناخ في العام 2015. علاوةً على هذا، فإنَّ كثيرًا من البلدان المتقدمة تواجه ركودًا وعجزًا كبيرًا في ميزانياتها، وأزمات عديدة في تكاليف المعيشة، وكلها تتسبب في تقييد البيئتينِ السياسية والاجتماعية، اللتينِ تسمحانِ بتقديم تمويلات خارجية، فضلًا عن التركيز الضيق على الانتعاش الاقتصادي المحلي؛ محاوَلةً لعبور الأزمة الحالية التي يعيشها العالَمُ كله.

أضف إلى ما سبق، أنه على الرغم من موافقة الدول المتقدمة -مثل الولايات المتحدة- على إنشاء الصندوق فإنه من غير الواضح ما إذا كانت ستوفر التمويل اللازم أم لا، لا سيما وأنَّ لديها مخاوف قديمة توحي إليها بأنَّ تمويلَ الخسائر والأضرار سيُعدُّ قبولًا للمسئولية القانونية عن آثار انبعاثاتها المدمرة في العقود السابقة.

أحد التحديات الأخرى هي دعوات بعض البلدان المتقدمة والنامية إلى توسيع قاعدة المانحين؛ لتشمل البلدان النامية ذات الانبعاثات التراكمية العالية، مثل الصين والهند.

وعلى الرغم من أنَّ التاريخَ سيذكر “COP27” بأنه كان قمةً مناخيةً فارقةً -نظرًا إلى التوافق على إنشاء صندوق تمويل الخسائر والأضرار- فإنه لا ينبغي أنْ يلقي هذا بظلاله على حقيقة أننا قد خرجنا بشكل خطير عن مسار تحقيق هدف اتفاقية باريس، والذي يتمثل في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة أو أقل من درجتينِ، مقارنةً بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.

يشهدُ العالَمُ -فعليًّا- آثارًا مدمرةً كثيرةً ناتجةً عن تغير المناخ، وقد أصبح الآن على عتبة خسائر وأضرار لا رجعةَ فيها؛ لذا فإنَّ العملَ الجماعيَّ العاجلَ للحد من الانبعاثات، وبناء قدرة البلدان المُعَرَّضَةِ للخطر على التكيف مع تغير المناخ – أمرٌ بالغُ الأهميةِ؛ لأجل منع الخسائر والأضرار الكارثية في المستقبل، فالأَولى بِنَا منع الخسائر والأضرار بدلًا من تمويلها؛ للمحافظة على كوكبنا.

الدور المنتظر من “COP28

تحتاج قمة المناخ المقبلة في دبي إلى توجه عالمي قوي، يمنح الأولوية لرفاهية البشرية ومعالجة الآثار المدمرة لتغير المناخ. ونحتاج إلى إنهاء سريع وعادل لاستخدام الوقود الأحفوري، مثل النفط والغاز والفحم، وهو ما سيمثل تحديًا لا يقل صعوبةً عن إقرار صندوق الخسائر والأضرار، وهذا يرجع إلى التكتلات الدولية الداعمة للوقود الأحفوري، وهي التكتلات التي تتوزع بين حكومات وطنية وشركات عالمية كبرى.

يجب أنْ يكون “COP28” نقطة تحول، وهذا من خلال الاعتراف بالدور المركزي للوقود الأحفوري في أزمة المناخ، والعمل على عقد اتفاقية للتخلص التدريجي منه. بالإضافة إلى هذا، يجب أنْ تكون هناك زيادة كبيرة في الدعم المالي مِن الدول المتقدمة إلى الدول النامية؛ للانتقال إلى الطاقة المتجددة.

وبطبيعة الحال سيكون صندوقُ الخسائر والأضرار حاضرًا في قمة دبي، حيث يحتاج الصندوقُ إلى تمويلات ضخمة؛ لمساعدة البلدان الأشد فقرًا والأكثر تضررًا من تغير المناخ. وبالرغم من هذا فإنَّ التمويلَ وحده لا يمكن أنْ يعوض عن العواقب الكارثية التي تتسبب فيها أزمةُ المناخِ الناتجة عن استمرار استخدام الوقود الأحفوري.

وفي نهاية هذا المقال، يجب أنْ نؤكد أنَّ صندوقَ الخسائر والأضرار ربما سيحتاج بعضًا من الوقت؛ حتى يستطيع أنْ يؤدي الدور المنتظر منه. وهو -بلا شك- قد مثَّل علامةً فارقةً في تاريخ العمل المناخي، ولكن -كحال المبادرات والاتفاقيات المناخية الكثيرة- ستحدد الجديةُ في التطبيق ما إذا كان الصندوقُ قادرًا على تقديم الحلول المناسبة، أم سيبقى حِبرًا على ورق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى