كيف يمكن للطاقة النووية أن تكون المنقذ لاستراتيجيات صافي الانبعاثات الصفري؟
كيف يمكن للطاقة النووية أن تكون المنقذ لاستراتيجيات صافي الانبعاثات الصفري؟
في ظل تحديات الاستدامة التي يمر بها العالم تتباين استراتيجيات تلبية احتياجات الطاقة بين دولة وأخرى، ما بين زيادة الاعتماد على بدائل الطاقة المتجددة، وبين تجاهل الجوانب البيئية والمضي قُدُمًا في سياسات تعزز الاعتماد على الوقود الأحفوري، ولكن في ظل هذا التباين تقدم الطاقة النووية نفسها بصفتها حَلًّا جذريًّا لكثير من المشكلات، ووسيلةً لتحقيق طرفي المعادلة الصعبة، وهما: تلبية احتياجات الطاقة، والوصول إلى صافي انبعاثات صفري.
أشباح الماضي
يتباين توجه الحكومات المختلفة -وكذا تقبُّل الشعوب للطاقة النووية- ما بين مؤيد بالكلية وبين رافض بالكلية، فعندما نذكر عبارة «طاقة نووية» تثار المخاوف عند معظمنا. وعلى الرغم من الفوائد العظيمة الناتجة عن هذه التكنولوجيا، فإنَّ الحوادث التي تنتج عنها تكون كارثيةً، وقد تظل آثارها ممتدةً عدةَ قرونٍ.
بالطبع، الحدث الأبرز الذي يتبادر إلى الأذهان هو كارثة تشيرنوبيل في عام 1986، التي أثرت في حياة أكثر من 500,000 من العاملينَ في محطات الطاقة النووية، إضافةً إلى عدد ضخم من الناس في منطقة تمتد علَى مساحة 150,000 كيلومتر مربع بين أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا.
وبعد ما يقرب من 40 سَنةً على كارثة تشيرنوبيل -وأكثر من 10 سنوات على كارثة فوكوشيما- تبحث الحكومات عن طرق لدمج الطاقة النووية بأنظمة الاستدامة الخاصة بها، والاستفادة منها باعتبارها مصدرًا مربحًا للغاية في الطاقة ذات الانبعاثات الصافية الصفرية.
ربما لم يكن العالم يتوقع أنَّ الطاقة النووية -بطبيعتها المدمرة- سَتُدْرَجُ جنبًا إلى جنب في مصادر الطاقة المتجددة وحلول التقاط وتخزين الكربون، باعتبارها إحدى الوسائل الرئيسية في تحقيق هدف صافي انبعاثات صفري. على سبيل المثال، ستصنف المملكة المتحدة الطاقة النووية على أنها مستدامة بيئيًّا، وهذا ضمن مساعيها نحو الحد من الانبعاثات، وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة.
تشير كثير من التقارير إلى أنَّ الطاقة النووية إحدى الوسائل الأساسية في مكافحة الاحتباس الحراري، وهذا في ظل المشهد المضطرب لسوق الطاقة العالمي، وهو ما سيساعد عددًا من الحكومات على الوفاء بالتزاماتها نحو التحول إلى الطاقة النظيفة.
يأتي ذلك في الوقت الذي تُوسِّعُ فيه الولايات المتحدة من أبحاثها في توليد الطاقة من تفاعلات الاندماج النووي -وهو الموضوع الذي سلطنا عليه الضوء في العدد السابق- في ظل اهتمام عدد كبير من الدول بتبني هذه الفكرة مستقبلًا.
هل الطاقة النووية حل آمن؟
بالعودة إلى الموضوع الأكثر أهمية: «السلامة»، تُعتبر الطاقة النووية الآن واحدًا من أكثر أشكال الطاقة أمانًا، كما تقود إلى بناء أكثر المنشآت أمانًا في العالم، وذلك وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).
وعندما يتعلق الأمر بالبيانات الخاصة بقطاع الطاقة، فإنَّ مؤسسة «عالمنا في البيانات» تقدم إحصاءات دقيقة عن كمية الطاقة المولدة من الطاقة النووية على مستوى العالم، وتشير هذه الإحصاءات إلى أنَّ أبرز مستخدمي الطاقة النووية -بما في هذا الولايات المتحدة وروسيا والصين- قد أنتجوا كميات كبيرة من الطاقة تتجاوز 200 تيراواط ساعة في عام 2022.
وفي ظل ما نعيشه، يمكن القول: إنَّ جميعَ مصادر الطاقة عديمة الانبعاثات هي في واقع الأمر صناعاتٌ مربحةٌ، ولكنَّ السؤالَ الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مدَى استدامة سلسلة التوريد الخاصة بمحطات توليد الطاقة النَّوويةِ؟
يجب أنْ يأخذ بناة ومشغلو محطات الطاقة النَّوويةِ في حسبانهم تأثيرات سلسلة التوريد سواء في مرحلة البناء، أم في أثناء عمليات التشغيل، حيث يجب ألا يؤدي الاعتماد على هذا النوع من الطاقة إلى التركيز بصورة محدودة على مرحلة التشغيل والانبعاثات الناتجة عنه فحسب، وإنما مراقبة مراحل سلسلة التوريد جميعها بصورة واسعة؛ لأجل ضمان الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بشكل حقيقي.
ولتحقيق ما سبق، يتوجب على الحكومات وضع نهج شامل للطاقة النظيفة، وهذا عن طريق دمج مصادر الطاقة المربحة كبيرة الحجم -مثل الطاقة النَّوويةِ- في استراتيجياتها، جنبًا إلى جنب مع تبني تقنيات مثل التقاط وتخزين الكربون أو استخدامه (CCUS)، والتي يمكنها أنْ تساعد بشكل فارق على الوصول إلى انبعاثات صافية صفرية في قطاع توليد الطاقة.
وفي الختام، نؤكد أنَّ الطاقةَ النوويةَ مِفتاحٌ رئيسيٌّ لتحقيق هدف صافي انبعاثات صفري، من خلال العمل على شراكة مع مصادر الطاقة المتجددة -وغيرها من الخيارات منخفضة الكربون- باعتبارها جزءًا من نظام الطاقة المستدامة.