لاستقرار الكهرباء في الصيف.. مصر تسرع خطوات الربط مع السعودية
لاستقرار الكهرباء في الصيف.. مصر تسرع خطوات الربط مع السعودية
في خضم التحولات الجيوسياسية والتغيرات المناخية المتسارعة، تبرز الكهرباء اليوم باعتبارها من الأعمدة الرئيسية للأمن القومي والتنمية المستدامة في المنطقة، وقد شهد شهر مايو 2025 الإعلان عن وصول نسبة تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية إلى نحو 76.9%، وهو ما اعتبرته الحكومة المصرية نقلة نوعية في مسار تحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة.
ولا تقتصر أهمية الكهرباء هنا على بعدها التقني أو الاقتصادي فحسب، وإنما تتجاوز ذلك لتلامس قضايا العدالة البيئية والانتقال العادل للطاقة، في ظل حاجة المنطقة إلى مصادر أكثر موثوقية ونظافة، تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقق تكاملًا فعليًّا بين الدول، ومن هنا سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال تفاصيل هذا المشروع ومدى إسهامه في تخفيف الضغط الصيفي على الشبكات، وتعزيز فرص التحول المستدام، وبناء بنية تحتية قادرة على استيعاب تحديات المستقبل.
تعزيز أمن الطاقة العربي
ويُعد الربط الكهربائي أحد الحلول الذكية لتحقيق استدامة الشبكات وتحسين كفاءة استخدام الموارد؛ مما يجعله محورًا رئيسيًّا في أي رؤية مستقبلية للمنطقة العربية، ويعد مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية أول مشروع من نوعه للتيار المستمر عالي الجهد(HVDC) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو نموذج فريد للتعاون العربي في مجال الطاقة؛ إذ إنه يشكل ركيزة أولى لبناء شبكة كهربائية عربية موحدة، ويمتد المشروع من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة -مرورًا بتبوك- حيث من المتوقع أنْ تصل قدرته إلى 3000 ميجاوات؛ مما يتيح مرونة عالية في تبادل الكهرباءِ بين البلدين.
وتتجاوز أهمية هذا المشروع الإطارَ الفني؛ فهو يسهم في رفع كفاءة الشبكات من خلال تقليل الفاقد وتقليل احتمالية الانقطاعات الطارئة، كما يسمح بنقل الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في أوقات الذروة أو فائض الإنتاج إلى مناطق أكثر احتياجًا، وبذلك يصبح الربط الكهربائي أداة لتعظيم الاستفادة من البنية التحتية وتحقيق العدالة في توزيع الموارد الكهربائية بين الدول.
هذا الربط يعزز أيضًا من مرونة الشبكات في مواجهة التغيرات المناخية وحالات الضغط المفاجئة، من خلال إتاحة إمكانيات الدعم المتبادل، وهو ما يعد ضرورة استراتيجية في ظل تنامي التحديات البيئية بالمنطقة، ويتوقع أن يسهم المشروع في تقليص البصمة الكربونية للطرفين من خلال تقليل الاعتماد على المولدات عالية الانبعاثات.
الكهرباء بوابة للتعاون الإقليمي
إن توسع مصر في مشروعات الربط الكهربائي لا يُعد استثمارًا في البنية التحتية فحسب، وإنما هو تمهيد فعلي لمرحلة انتقالية في سياسة الطاقة الإقليمية؛ إذ ترتكز رؤية مصر على استخدام الكهرباء باعتبارها أداة لبناء جسور التعاون، سواء مع الدول العربية أو الأوروبية، من خلال خطوط الربط مع السودان وليبيا والأردن، وصولًا إلى الربط الثلاثي مع قبرص واليونان.
وقد ارتفعت قدرات الشبكة القومية للكهرباء في مصر -وفقا للبيانات الرسمية- بنسبة 86.6% خلال عقد واحد؛ لتصل إلى نحو 59.7 ألف ميجاوات، وزادت الأحمال القصوى بنسبة 41% فقط. هذا الفائض لا يمثل عبئًا، وإنما فرصة ذهبية لتصدير الكهرباءِ وتوطيد مكانة مصر باعتبارها محور عبور للطاقة النظيفة نحو أوروبا وإفريقيا.
ومع دخول فصل الصيف، الذي يُمثل ذروة الطلب على الكهرباء، تتجه الأنظار إلى مشروعات الربط الكهربائي كمشروع الربط بين مصر والسعودية باعتبارها أداة فعالة للتقليل من ظاهرة تخفيف الأحمال التي عانى عليها المواطن المصري في بعض المواسم الحارة خلال السنوات الماضية؛ فإتاحة قدرات تبادلية تصل إلى آلاف الميجاوات بين الشبكات الإقليمية، تمنح منظومة الطاقة في مصر كثيرًا من المرونة والتوازن، وتقلل من الحاجة إلى تطبيق إجراءات استثنائية في أوقات الضغط.
هذه الطفرة في البنية الكهربائية لا تبشر فقط بقدرة مصر على الوفاء باحتياجاتها الداخلية في أصعب الظروف المناخية، وإنما تعكس تحوّلًا نوعيًّا في فلسفة إدارة الشبكة، من منطق المعالجة المؤقتة إلى التخطيط الاستباقي طويل الأمد، وهو ما يرسّخ مفاهيم الاستدامة حتى في ظل أكثر الفصول استهلاكًا للطاقة.
البنية التحتية الذكية تدعم استدامة الكهرباء
ولا يكتمل الربط الكهربائي دون تطوير بنية تحتية قادرة على إدارة هذا التدفق الضخم من الكهرباء عبر الحدود، وقد قطعت مصر شوطًا مهمًّا في تأسيس بنية رقمية وهندسية متقدمة تسمح برصد الأحمال، وتوزيعها، وتفادي الأعطال بشكل استباقي، كما أن وجود لجان تشغيل وتخطيط مشتركة مع الدول المترابطة يعزز من الموثوقية، ويكرس مبدأ الإدارة التشاركية للموارد.
ومن الناحية البيئية، تتيح هذه المنظومة تقليل الاعتماد على مولدات الطاقة التقليدية، عبر تعظيم استخدام مصادر الطاقة المتجددة، والتي تنتج في أوقات محددة. ومع وجود شبكة إقليمية مرنة، يمكن نقل الكهرباء المتجددة من مناطق الإنتاج إلى مراكز الاستهلاك؛ مما يقلل الفاقد والانبعاثات في آنٍ واحد. ومن جهة أخرى، يفتح الربط الكهربائي المجال أمام نقل التكنولوجيا، وبناء قدرات فنية محلية، من خلال التشغيل المشترك والتدريب المتبادل، وهو ما يدعم أهداف التنمية المستدامة في مجالات الطاقة، والتعليم، والتعاون الدولي.
نحو شبكة كهربائية خضراء
إن تحولات قطاع الكهرباء في مصر لم تعد مجرد شأن وطني، وإنما أصبحت جزءًا من معادلة إقليمية أوسع تسعى إلى تحقيق أمن الطاقة، ومواجهة تغير المناخ؛ فالربط الكهربائي، حين يُدار بمنظور استراتيجي، يُمكن أن يصبح أداة لإعادة تشكيل العلاقات السياسية والاقتصادية بين دول المنطقة.
لهذا تدعو حماة الأرض إلى أن تترافق مشروعات الربط الكهربائي المستقبلية مع التزام أكبر بحوكمة عادلة للموارد، ترتكز على مبادئ المشاركة المجتمعية، والمحاسبة البيئية، وضمان التوزيع العادل للفوائد بين الدول والشعوب، كما تدعو إلى اعتماد معايير الاستدامة البيئية في تخطيط وتشغيل الشبكات، بما يضمن أن تكون تلك المشروعات دعامة حقيقية من أجل مستقبل أكثر استدامة.