حوار مع الدكتورة/ عبلة الألفي «نائبة وزير الصحة والسكان لشئون السكان»
حوار مع الدكتورة/ عبلة الألفي «نائبة وزير الصحة والسكان لشئون السكان»
كان تطور سكان مصر في الأعوام المائة الماضية سريعًا، ولهذا أبعادٌ متعددةٌ، بخاصة البُعد المتعلق بالمسح السكانيّ الصحيّ، الذي يؤكد أنَّ هناك علاقةً بين عدد السكان والمستوى الصحيّ؛ لذا دشَّنت مصر الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية 2023 – 2030، التزامًا بتوجيهات السـيد الرئيـس عبـد الفتـاح السيسـي بوضــع قضيــة الســكان والتنميــة على رأس الأولويات الوطنية.
حول هذه الاستراتيجية ودورها في إعادة تقويم الوضع السكانيّ بمخرجاته الصحية تحاور حماة الأرض الدكتورة/ عبلة الألفي «نائبة وزير الصحة والسكان لشئون السكان». وفي هذا الحوار سوف ننظر من خلال رؤيتها -تلك الرؤية التي تساهم بها في إدارة هذا الملف الحيويّ- إلى السكان باعتبارهم قوةً شاملةً للدولة، وكيفية تحسين الخصائص السكانية بما يدعم الصحة العامة.. فإلى سطور الحوار.
كيف ترون دور وزارة الصحة والسكان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ضوء الأجندة الوطنية «رؤية مصر 2030»؟
وضعت الاستراتيجية الوطنية للسكان -التي أُطلقت في العام الماضي- أساسيات التعامل مع القضية السكانية من منطلق مختلف تمامًا عمَّا كان معهودًا في آليات الفكر السابقة في القضية السكانية؛ فنحن اليومَ أصبحنا أشد تركيزًا على الخصائص السكانية، فلم يَعُدْ تركيزنا على عدد المواليد فقط؛ ومِن ثَمَّ يمكننا تحقيق خصائص سكانية متميزة، وفقًا لما ننتهجه من منظور حقوقيّ يعمل على المباعدة بين أوقات الحمْلِ المتعاقب، من مدة ثلاثة أعوام إلى خمسة.
إننا نؤمن بحرية كل زوجين في تحديد موعد الإنجاب من عدمه، ونؤمن بحقهما في تحديد عدد الأطفال الراغبين في إنجابهم، إلَّا إنَّ هذا يجب أنْ يكون مبنيًّا على العِلم، وأنْ يكون قرارًا مستنيرًا؛ لذا أخذنا على عاتقنا في وزارة الصحة والمجلس القوميّ للسكان رفع وعي الأسرة، وإتاحة المعلومة التي تساعدهم على اتخاذ قرار مستنير بخصوص موعد الإنجاب، مع الاهتمام بالفترة التي تكون بين إنجاب طفلٍ وآخرَ، وهي فترة الألف يوم الذهبية في أول عامينِ من عُمْرِ الطفل.
ومِن هذا المنظور نستطيع تعظيم كل خصائص الإنسان المصريّ، وهذا معناه أنْ يتمتع بأحسن القدرات الصحية، وأنْ يكون صاحب قدرات ذهنية؛ ومِن ثَمَّ يكتسب المهارات، ويتألَّق في اكتساب العلم والتعلم باعتباره مواطنًا وإنسانًا قادرًا على الإنتاج، وقادرًا على العطاء لمصرَ.
وقد بَنَيْنَا هذا المنظور على مشكلة قديمة، هي أنَّ الناس في مصرَ كانوا يعتقدون أنَّ أفضل مسافة زمنية فاصلة بين كل حَمْلينِ هي عامانِ أو أقل، إلَّا إنَّ العلم قد أثبت خطأ هذا الاعتقاد، وأكَّد أنَّ هذه المسافة الزمنية الضيقة تتسبب في إصابة الطفل بالتوحد أربعة أضعاف الطفل الذي بينه وبين أخيه ثلاثة أعوام أو خمسة، وكذلك تُصاب هذه الفئة مِن الأطفال بالتقزُّم ثلاثة أضعاف الأطفال الذين يولدون وبينهم وبين إخوتهم ثلاثة أعوام، فضلًا عن إصابة الأم بالأنيميا؛ لأنه لم يُتَحْ لها الوقت الكافي للتعافي وإعادة تكوين الجسم. وفي هذه الفترة يُحرم الطفلُ من أهم حقوقه وهو الحق في رضاعة طبيعية، فلو حملت المرأة بعد عامٍ واحدٍ من الولادة فلن تستطيع أنْ تُرضع طفلها رضاعةَ العامينِ، بخاصة العام الثاني المسئول عن نضج العيون وحدة البصر والنضح الذهنيّ.
إذنْ، عملنا على أنْ نُعظِّمَ أسلوب المباعدة بين الحَمْلِ المتعاقب من ثلاثة أعوام إلى خمسة، كما عملنا على توعية الأسرة بأهمية البُعد عن الزواج المبكر؛ لأنَّ هذا منعٌ للبنت من أنْ تعيش طفولتها، وهي الطفولة التي تُعرف وتُقدَّر بـ18 عامًا تقريبًا، حيث يُعتدى على حقها في التمتع بطفولتها، وحينما تتزوج صغيرةً فهي بهذا تكون طفلةً تُربي طفلًا، وهو أمر غير إنسانيّ، حيث تُفرض عليها مسئوليةُ أسرة دون أنْ تدرك أبعاد الأسرة ومعانيها.
بعد ذلك تكون النتيجةُ طلاقًا أو اختفاءَ الزوج لأيّ سبب من الأسباب، تارِكًا لها طفلًا بلا أوراق رسمية في حالات كثيرة؛ ومِن ثَمَّ يصبح هذا الطفل بلا رعاية صحية، وأقلها الحصول على التطعيمات، أو أيّ حقوق أخرى، وحينئذٍ تضطر الزوجة إلى أن تُقيّد طفلها باسم أبيها أو أخيها، فتتحول القضية من مشكلة زواج مبكر إلى مشكلة اختلاط أنساب. وقد رأينا أمثلةً كثيرةً لهذا التَعقُّدِ الاجتماعيّ، وما يتلوه من مشكلات مادية تقع فيها الأم، حيث تصبح بلا مصدر رزق، ولا تستطيع تربية طفلها تربيةً جيدةً؛ فتتدمر حياتها وحياة طفلها.
لأجل ذلك كله تبنَّينا في ملف السكان القضاءَ على الزواج والحمْلِ المبكرينِ، ونعمل أيضًا على مكافحة الأمية، خاصةً بين البنات؛ لأنَّ نسبةَ الأمية بينهنَّ مرتفعة، وهي أمية تمنع البنت من أنْ تأخذ قرارات صائبةً، أو أنْ تقول لا؛ فمن يعتمد عـــلـــى الآخــــريـــن لا يكون حرَّا. وأمَّا القضية الثالثة فهي قضية ارتفاع نسبة البطالة بين النساء، ونحن نعالج هذا من خلال ملف متكامل في المجلس القوميّ للسكان بالتعاون مع وزارة الصحة وكل الوزارات المعنية والمؤسسات الدولية والمجالس القومية.
بخصوص قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، الصادر برقم (87) لسنة 2024 – ما النتائج المرجوة من هذا القانون لتطوير القطاع الصحي؟
أعتبرُ هذا القانون منحةً للشعب المصريّ، فهو يقوم على تطوير المنشآت الصحية، بدعم بنيتها التحتية، ومدها بالأجهزة الطبية المتطورة، ومساعدتها على أنْ تستوعب أعدادًا كثيرةً من المواطنين، ورفع جودة الخدمات المقدمة إليهم، على أنْ يكون لمحدودي الدخل نسبة في العلاج على نفقة الدولة، وأمَّا القادرون على تكاليف العلاج فتكون المنشأة الطبية بالنسبة إليهم منشأةً خاصةً.
ومِن هنا، نعمل -وفق هذا القانون- على توفير الإدارة اللازمة لمثـل هذه المنشآت، ودعمها ماليَّا بالاتفاق مع الدولة، وفي حدود القانون بين مدة 3 أعوام و15 عامًا، ثم -بعد انتهاء عقد الانتفاع- تعود ملكية هذه المنشآت وما تحتويه من أجهزة إلى الدولة. وبالنسبة إلى الأطباء الذين لن تحتفظ بهم الدولة فلهم حقوقهم المالية والوظيفية كاملةً مع تحويلهم إلى أماكن أخرى.
هل هناك جهود جديدة بخصوص استخدام وتوسيع مفهوم الطب عن بُعد، وتقديم الاستشارات الطبية عبر الإنترنت، باعتبارهما أسلوبينِ من أساليب حوكمة القطاع الصحيّ؟
الطب عن بُعد له أساسياته، ومِن أساسيات البرنامج القوميّ الذي أطلقه رئيس الجمهورية للعلاج عن بُعد، هو أنْ يكون هناك طبيب قريب من الحالة، وأمَّا الطبيب الآخر الذي يتابع الحالة عن بُعد فيستطيع أنْ يطَّلع على تقارير الحالة والأشعة الخاصة بها وهو موجود في مكانٍ آخرَ، حيث يمكنه اتخاذ قرار طبيّ بخصوص الحالة التي يشخصها عن بُعد بالتواصل في ما بينه وبين الطبيب الآخر؛ أي المعالج المباشر.
وقد استطعنا تطبيق ذلك الأسلوب في الحضَّانات، غير أنه أسلوب خطير يعتمد على رؤية غير شاملة؛ فلو أُصيب طفل بالقيء -علَى سبيل المثال- يمكن أنْ يكون هذا بسبب أعراض برد عادية، وقد يكون بسبب التهاب السحايا، وهو ما يستدعي عمل إجراء طبيّ عاجل يُسمَّى «البزل النخاعيّ»، من خلال المضادات الحيوية، وإلَّا انتهى الأمر بطفلٍ معاق؛ لذا اتبعت مصر نظامًا دوليًّا في إطار المبادرة الرئاسية، وهو أنْ يكون هناك تعاون متكامل بين الطبيب المباشر للحالة والطبيب الذي يتابعها عن بُعدٍ.
ماذا عن التعديلات التي أُدخلت على الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية، وما الإنجازات المتوقعة لهذه الاستراتيجية؟
كان من المتوقع الانتهاء من تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية في عام 2030، غير أننا رأينا الإسراع -وفق تعليمات دولة رئيس الوزراء- في تنفيذها؛ لذا نعمل علَى إطلاق خطة عاجلة درسها الأساتذةُ أعضاءُ اللجنة الوزارية للاستراتيجية القومية للسكان، وقد دُرِسَتْ أيضًا عن طريق معالي وزير الصحة والسكان، وسوف يكون هذا الإطلاق -بإذن الله- في غضون الأيام العشرة القادمة.
كيف يمكن للمبادرات -مثل «الألف يوم الذهبية»- الإسهام في بناء أجيال جديدة صحيحة جسديًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا؟
إنَّ «الألف يوم الذهبية» قلب صحة مصر، وهي الأرض الخصبة التي تُخرج مواطنًا مصريًّا على أعلى مستوى، وقد نظر إليها العالم باعتبارها أحسنَ مشروع استثماريّ في العالم كله؛ لأنه يستثمر في البشر بنسبة 85% في مرحلة لا ينتبه إليها الناس عادةً؛ أعني مرحلةَ الرضاعة والطفولة، فهي المرحلة الأهم التي يجب أنْ نركز فيها على أطفالنا.
أكرر مرَّةً أخرى أنَّ هذه المرحلة -مرحلة الألف يـوم الذهبية- شديـــدة الأهمية، فعلَى الزوجينِ أنْ يستعدَّا استعدادًا صحيًّا -حتى يمكنهما بناء عائلة ذات صحة جيدة- بتأجيل أول حَمْلٍ مدةَ عامٍ؛ كي يستكشفَا علاقتهما الاجتماعية، وإمكانية إتاحة بيئة مناسبة لتربية طفل سويّ صحيًّا ونفسيًّا، ومعالجة الأنيميا، وأنْ تتناول الزوجةُ حِمضَ الفوليك؛ منعًا للتشوُّهات الخِلقية، وأنْ يعالج الزوجانِ الالتهابات البولية والتناسلية، وضبط الضغط والسكر.
بعد ذلك على الزوجة الاهتمام بصحتها، وأنْ تتمتع بفترة حَمْلٍ آمنٍ، مع تناول أدوية الحديد والفيتامينات، والتغذية الجيدة؛ حتى ترعى طفلها رعايةً إيجابيةً، وعليها أنْ تتعلم كل ما يمكن أنْ يساعدها من مهارات ومعارف على رعاية طفلها وإرضاعه رضاعةً طبيعيةً، فضلًا عن أنه يجب أنْ تكون الولادة ولادةً طبيعيةً، إلا إذا وُجِدَ سببٌ طبيّ -يبلغ هذا حوالي 15% من حالات الولادة- يستوجب الولادة القيصرية.
في 2018 أطلق السيد الرئيس 100 مليون صحة، التي انبثق منها عدد من المبادرات المهمة؛ فما أبرز إنجازات هذه المبادرات حتى يومنا هذا؟
مما هو شائع ارتباط مبادرة «100 مليون صحة» بالقضاء على فيرس «سي»، وكان القضاء على هذا الفيرس أحسن ما أنجزته مصر، بإنقاذها عائلات كثيرة من أخطاره، ولو لم يكن لوزارة الصحة غير هذا الإنجاز لكفاها فخرًا؛ فهو إنجازٌ يساوي مستقبلَ دولة!
ويندرج تحت هذه المبادرة العظيمة عدد من المبادرات، مثل مبادرات صحة الأم والطفل أو الأم والجنين، والاعتلال الكلويّ، والتشخيص المبكر لأورام الثدي، وكذلك الألف يوم الذهبية، وتشخيص ضعف السمع عند حديثِي الولادة، الذين يجب أنْ نَحذر من أنْ نتهاون في الكشف عن سمعهم، حتى لا تحدث لهم مشكلات خطيرة، خاصةً إذا أصبحوا في عُمْرِ عامينِ، حيث لن نقدر على مساعدتهم.
وقد وضعت المبادرات الرئاسية شبكةً من أساسيات الصحة العامة للمواطن المصريّ، وفي وزارة الصحة نأمل في أنْ يكون كلُّ مخرجات المبادرات الرئاسية مؤسَّسَةً في الرعاية الصحية الأولية والطب العلاجيّ باعتبار أنَّ هذينِ جزءٌ أساسيّ من الخدمات المقدَّمة في وزارة الصحة، وهذا ما يوصي به دائمًا فخامة رئيس الجمهورية، وأنْ تكون كل مبادرة رئاسية -بمخرجاتها- على رأس ما يُفعَّلُ من الخدمات المقدمة في وزارة الصحة.
أطلق السيد الرئيس مبادرة بداية تحت شعار «بداية جديدة لبناء الإنسان»، فما الدور المنوط بوزارة الصحة في هذه المبادرة، وما النتائج المستهدفة؟
لا توجد بداية دون صحة؛ وبالتالي أساس البداية هو صحة سليمة لكل مواطن مصريّ، وهذا ما دعا نائب دولة رئيس الوزراء، ووزير الصحة والسكان -معالي الدكتور/ خالد عبد الغفار- إلى أنْ يفكر في أُولى خطوات هذا المشروع الوطنيّ، حيث ابتدأنا بخط الحياة، تحديدًا مِن عُمر ناقص واحد، ونقصد بهذا مشورة ما قبل الزواج حتى 65 عامًا فما فوق، وأولها الأعوام الستة الأولى، وهي بداية المرحلة التي نُطلق عليها البداية الذهبية؛ لذا نركز في وزارة الصحة على كل طفل يُولدُ فوق أرض مصر، ليحصل على حقوقه الصحية، وهذا بالتعاون بيننا وبين وزارة التربية والتعليم؛ حتى يحصل على حقه في الذهاب إلى الحضَانة، ونتعاون أيضًا مع وزارة التضامن الاجتماعيّ؛ حتى يحصل على الرعاية الاجتماعية اللازمة، ونتعاون كذلك مع وزارة الشباب والرياضة؛ حتى يمارس الطفل الرياضة، ونتعاون مع وزارة الثقافة؛ لتنمية عقله، وحتى الأزهر والأوقاف والكنيسة كلها جهات تتعاون معنا على تطبيق هذه المبادرة الوطنية.
في الختام ما أهم الملفات المنتظر التعامل معها في الفترة المقبلة؟
لا يوجد ملف أشد أهميةً من ملف القضية السكانية، فهي القضية الأولى التي تُعدُّ مستقبلَ البلد كله بالنسبة إلى النشأة والمواطن والاقتصاد؛ ومِن ثَمَّ فإنَّ شغلنا الشاغل في وزارة الصحة والمجلس القوميّ للسكان هو النجاح في هذا الملف، وسوف ننجح ونُحدِث -بإذن الله- نقلةً نوعيةً؛ تحقيقًا للأهداف المرجوّة قبل انتهاء خطتها الزمنية.
وأمَّا الملف الثاني فهي النشأة المثلى للمواطن المصريّ؛ لذا عملنا على تعظيم الخصائص السكانية، واتباع أسلوب التباعد بين المواليد، مع تدعيمهم صحيًّا وتعليميًّا واقتصاديًّا؛ لتكون النتيجة رفاهيةَ المواطن، وهو ما سيؤكده في النهاية مؤشر التنمية المستدامة ومؤشر التنمية البشرية، ومع كل ما بذلته مصر من جهود فسوف نرتقي -بإذن الله- درجاتٍ كبيرةً جدًّا في مثل هذينِ المؤشرينِ، ونتنافس مع الدول المتقدمة.