إنتاجُ الأسمدةِ منْ مياهِ الصَّرفِ أمرٌ ممكن
وَفقًا لباحثي الهندسةِ البيئيةِ في جامعةِ دريكسيل، فإنَّ المياهَ التي يتمُّ تصريفُها مِنَ الأحواضِ الضَّخمةِ لحَمْأَةِ الصرفِ الصحيِّ لديْها القدرةُ على لَعِبِ دَورٍ في زراعةٍ أكثرَ استدامة، حيثُ تُشيرُ دراسةٌ جديدةٌ تبحثُ في عمليةِ إزالةِ «الأمونيا» منْ مياهِ الصرفِ الصحيِّ وتحويلُها إلى أسمدة، إلى أنَّ هذهِ الطريقةَ ليستْ مُجدِيَةً مِنَ الناحيةِ الفنيَّةِ فحسْب، بل يُمكنُ أنْ تُساعِدَ أيضًا في تقليلِ البَصمةِ البيئيةِ والطاقةِ المُستهلَكةِ لإنتاجِ الأسمدة، كمَا قدْ تُوفِّرُ أيضًا تَدفُّقًا للإيراداتِ لمرافقِ معالجةِ المياه.
مصدرُ النيتروجينِ المُستدام
يُعتبرُ إنتاجُ النيتروجينِ المطلوبِ في الأسمدةِ عمليةً كثيفةَ الاستهلاكِ للطاقة، حيثُ تُمثلُ ما يَقرُبُ من (2٪) مِن انبعاثاتِ «ثاني أكسيد الكربون» العالمية. في السنواتِ العديدةِ الماضية، اكتشفَ الباحثونَ بدائلَ لعمليةِ إنتاجِ النيتروجينِ بطريقةِ «هابر-بوش» المُتعارَفِ عليها (Haber-Bosch)والتي مثَّلَتْ الطريقةَ الأساسيَّةَ لإنتاجِ الأمونيا لأكثرَ مِن قرن. أحدُ الاحتمالاتِ الواعدةِ التي أثارَها الباحثونَ مُؤخَّرًا هو استخلاصُ النيتروجينِ مِن نفاياتِ الأمونيا التي يتمُّ سَحْبُها مِنَ المياهِ أثناءَ المُعالجَة.
الطريقةُ المُبتكرَةُ هذهِ تعنِي أنَّنا سنُعيدُ استخدامَ النيتروجينِ المَوجودِ في الصرفِ بدلًا مِن إنفاقِ الطاقةِ وتوليدِ الغازاتِ الدفيئةِ لاستخلاصِ النيتروجينِ مِنَ الغُلافِ الجوِّي، ما يَعني خلْقَ مُمارسةٍ أكثرَ استدامَةً للزراعَةِ بخلافِ كونِها مصدرًا للدخلِ لمحطَّاتِ المياه.
طريقةٌ أفضلُ للتَنظِيف
واجهَتْ مرافقُ معالجةِ المياهِ البلديةِ في مُختلفِ الدُّولِ تَحدِّيًا لتَلبيةِ معاييرِ جَودةِ المياهِ التي يتمُّ تصريفُها في المَجاري المائيةِ والمَفروضةِ بواسطةِ القوانينِ المُختلفة. يُنظَرُ إلى الأمونيا بشكلٍ مُتزايدٍ على أنَّها مَصدرُ قَلقٍ للبيئاتِ المائية، حيثُ يمكنُ أنْ تؤديَ المستوياتُ المرتفعةُ منها إلى فَرطِ نموِّ النباتاتِ في الجَداولِ والأنهار؛ ممَّا قد يُعرِّضُ العديدَ منْ أنواعِ الأسماكِ للخطر، وعادةً ما تَستغرِقُ خياراتُ إزالةِ الأمونيا وقتًا ومساحةً ويمكنُ أن تَستهلكَ الكثيرَ مِنَ الطاقة.
أحدُ الخياراتِ التي يتمُّ استكشافُها مِن قِبلِ العديدِ مِنَ المُنشآتِ في أمريكا الشماليةِ وأوروبا هي عمليةٌ تُسمَّى «تجريد الهواء» أو Air-Stripping، حيثُ تُزالُ الأمونيا عنْ طريقِ رفعِ درجةِ الحرارةِ ودرجةِ الحُموضَةِ في الماءِ بمَا يَكفي لتحويلِ المادةِ الكيميائيةِ إلى غاز، والذي يُمكنُ بعدَ ذلكَ جَمعُهُ في صورةٍ مُركَّزةٍ على هيئةِ كبريتاتِ الأمونيوم، إلَّا إنَّ اتخاذَ القرارِ بشأنِ البَدءِ في الاستثمارِ لتبنِّي طريقة «تجريد الهواء» لا يَزالُ يتطلَّبُ دراسةً مُعقدة -تُسمَّى تحليلُ دورةِ الحياة- لبحثِ جَدواها التكنولوجيَّةِ والاقتصادية.
استكشافُ التِّقنيَّةِ الجديدة
يقومُ فريقٌ مِنَ الباحثينَ بإجراءِ عددٍ مِنَ التحليلاتِ بانتظام؛ لتقييمِ الأَثرِ البِيئيِّ والاقتصاديِّ الكاملِ للخياراتِ المُختلفةِ لإعادةِ التدويرِ وإعادةِ استخدامِ النفاياتِ أوِ المُنتجاتِ الجَانبيةِ كحُلولٍ مُستدامَة. يُشيرُ تحليلُهم لسيناريو مياهِ الصرفِ الصحيِّ إلى وجودِ عَلاقةٍ تكميليةٍ يمكنُ أنْ تؤديَ إلى مسارٍ أكثرَ استدامةً لكلٍّ مِنَ المُزارعينَ ومحطَّاتِ إدارةِ المياه، فبالإضافةِ إلى إنتاجِ كبريتاتِ الأمونيا كمُنتجٍ قابلٍ للتسويق، فإنَّه تُوجدُ فائدةٌ كبيرةٌ لتقليلِ حِملِ الأمونيا في مَجرَى المياهِ العادمةِ في محطاتِ مُعالجةِ مياهِ الصرفِ الصحي، الأمرُ الذي يُوفِّرُ مُبررًا إضافيًّا لاعتمادِ تِقنية «تجريد الهواء».
الفريقُ البحثيُّ قامَ باستخدامِ بياناتٍ مِن مُنشأةِ مُعالجةِ المياهِ في مدينةِ فيلادلفيا بأمريكا، والعديدُ مِنَ المرافقِ الأخرى في جميعِ أنحاءِ أمريكا الشمالية وأوروبا، حيثُ أَجرَى الفريقُ تقييمَ دورةِ الحياةِ ودراساتِ الجَدوى الاقتصادية، بمَا في ذلك: تكلِفةُ تركيبٍ وصِيانةِ نظامِ تجريدِ الهواء، معَ الوَضْعِ في الحُسبانِ تركيزُ الأمونيا ومُعدَّلُ تدفُّقِ مياهِ الصرف، بالإضافةِ إلى مصادرِ الطاقةِ المُستخدمةِ لدفعِ عمليةِ الجمْعِ والتحويل، وانتهاءً بتكلفةِ الإنتاجِ والنقلِ وسعرِ السُّوقِ للموادِّ الكيمائيةِ للأسمدة.
نتائجُ واعِدة
تُظهِرُ نتائجُ تحليلِ دورةِ الحياةِ أنَّ تِقنيَّة «تجريد الهواء» يَنبعثُ عنها غازاتٌ دفيئةٌ أقلُّ بحوالي (5 إلى 10) مراتٍ بالمُقارنةِ معَ عمليةِ إنتاجِ النيتروجينِ بطريقةِ «هابر-بوش»، كمَا أنَّها تَستخدمُ طاقةً أقلَّ بحوالي (5 إلى 15) مرة، ومِن مَنظُورٍ اقتصادي، فإنَّ التكلفةَ الإجماليةَ لإنتاجِ الأسمدةِ الكيماويةِ مِن مياهِ الصرفِ مُنخفضةٌ بما يَكفي بحيثُ يُمكنُ للمُنتِجِ بيعُها بسعرٍ يقلُّ 12 مرةً عَنِ الكيماوياتِ التي تَنتجُها شركةٌ تَعتمدُ على طريقةِ هابر-بوش.
بالإضافةِ إلى ذلك، تُشيرُ الدراسةُ إلى أنَّ مرافقَ معالجةِ المياهِ ستتمكَّنُ منْ توفيرِ الطاقةِ في حالةِ استخدامِها تقنيةَ تجريدِ الأمونيا مِنَ الهواء، حيثُ إنَّ إزالةَ الأمونيا ستَختصِرُ الوقتَ والمُعالجةَ اللازمتيْنِ لمُعالجةِ المياه، كما سيُساعِدُ على إبطاءِ الترسُّبِ الكيميائيِّ على البِنيةِ التحْتيَّةِ لمَحطةِ المُعالجة.
بينَما يقرُّ الفريقُ بأنَّ تِقنية «تجريد الهواء» مِن شأنِها أنْ تَنتُجَ الأسمدةَ بكميَّاتٍ أقلَّ مِن عمليةِ هابر-بوش الصناعيَّة، إلَّا إنَّ القُدرةَ على جَمعِ وإعادةِ استخدامِ أيِّ كميةٍ مِنَ المَواردِ ستُساعدُ بِلا شكٍّ على تَحسينِ استدامةِ الزراعة.
وفي الخِتام، فإنَّ هذَا البحثَ المُثيرَ يُشيرُ إلى أنَّ تِقنية «تجريد الهواء» لاستعادةِ «كبريتاتِ الأمونيوم» مِن مياهِ الصرفِ يُمكنُ أنْ تُمثلَ جُزءًا صغيرًا -لكنَّها خُطوةٌ مُهِمَّة- نحوَ استعادةِ وإعادةِ استخدامِ الكميةِ الهائلةِ مِنَ النيتروجينِ التي نَستخدمُها للحفاظِ على الزراعةِ العالمية، الأمرُ الذي مِن شأنِه أنْ يُمثِّلَ تقدُّمًا بشكلٍ مَلحوظٍ في إيجادِ بدائلَ لإنتاجِ الموادِّ الكيميائيةِ معَ مستوياتٍ أقلَّ مِنَ الآثارِ الضَّارَّةِ على البيئةِ وصحةِ الإنسان، كمَا يُشيرُ هذَا البحثُ إلى أنَّ محطاتِ المياهِ يُمكنُها أيضًا النظَرُ في الاستثمارِ في التقنياتِ التي مِن شأنِها «التقاط الفوسفور» أيضًا، وإعادةُ تدويرِهِ للاستخدامِ الزراعي.