الاستهلاك والإنتاج المسئولان طريق إلى مستقبل أفضل
الاستهلاك والإنتاج المسئولان طريق إلى مستقبل أفضل
في عالمنا اليوم أصبح تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) أكثر من مجرد خيار، فهي ضرورة ملحة لضمان مستقبل آمن لكوكب الأرض، بخاصة الهدف (12) الاستهلاك والإنتاج المسئولان، الذي يعد استراتيجية فعَّالة لمكافحة التأثيرات البيئية الضارة، فضلًا عن دوره في تعزيز المسئولية الاجتماعية.
إنَّ أهداف التنمية المستدامة خريطة طريق لتوجيه العالم نحو مستقبل أفضل. لكن كيف يمكننا تحقيق هذه الأهداف؟ في هذا المقال سوف تجيبكم حماة الأرض عن هذا السؤال، موضحةً أبرز التحديات والفرص التي تواجهها الشركات في هذا المجال، وكيفية استخدام التقنيات الحديثة للإسهام في تحقيق هذه الأهداف؛ لهذا تابعوا القراءة.
الاستهلاك والإنتاج المسئولان
يُعد الهدف (12) من أهداف التنمية المستدامة -الاستهلاك والإنتاج المسئولان- أحد الأهداف الرئيسية التي تسعى الأمم المتحدة إلى تحقيقها بحلول عام 2030. وهو هدف يرتكز على ضمان أن تكون أنماط الاستهلاك والإنتاج أكثر استدامة، وهذا الهدف العالمي يتطلب تغييرات جذرية في الطريقة التي ندير بها مواردنا الطبيعية.
ولتحقيق هذا النهج المستدام علينا أنْ ندير المياه والطاقة والمواد الخام بصورة مسئولة، بالإضافة إلى تقليل النفايات، وتعزيز الاقتصاد الدائريّ؛ ومِن ثَمَّ الحد من الأضرار البيئية، ومكافحة التغير المناخي. ويُشترط لتحقيق هذا النهج أنْ تتضافرَ جهود الجميع؛ أي الحكومات، والشركات، والأفراد.
الوضع الراهن
في الوقت الذي تسعى فيه الدول المتقدمة إلى تحسين ممارسات الاستهلاك والإنتاج، تواجه الدول النامية تحديات كبيرة في تطبيق هذه السياسات؛ بسبب مواردها المحدودة، وبنيتها التحتية الضعيفة؛ مما يجعلها عُرضةً للتخلف عن الرَّكْبِ العالميّ، والفشل في النهوض بشعوبها.
هذا الواقع أكَّده تقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2023، الذي قال بأنَّ الطريق نحو تحقيق الهدف (12) -الاستهلاك والإنتاج المسئولان- لا يزال طويلًا؛ لأنَّ نسبةَ ما تحقق من محاور هذا الهدف لم تتجاوز 38%، في حين أنَّ النسبة الباقية -62%- لا تزال بعيدة عن التحقيق.
وبالرغم من الجهود المبذولة للحد من معدلات هدر الطعام -على سبيل المثال- فإنَّ الإحصاءات تشير إلى أن التقدم في تقليص هذا الهدر بعيد عن المستهدفات؛ لأنه يتم فقدان نحو 13.2% من الطعام علَى مستوى العالم عندما يُنقل من الأراضي الزراعية إلى المستهلك، فضلًا عن هدر 17% -تقريبًا- من الطعام في المنازل والمطاعم العامة.
مقاومة التغيير والعوائق الثقافية
تواجه المنظمات والشركات عديدا من التحديات في تبني ممارسات الاستهلاك والإنتاج المستدامينِ. وأُولى هذه التحديات هي نقص الوعي الكافي بأهمية الاستدامة، حيث إن كثيرا من الشركات لا تدرك تمامًا تأثير استراتيجياتها الحالية في البيئة والمجتمع؛ مما يحد من قدراتها على التحول إلى ممارسات أكثر استدامة.
ومن التحديات أيضا تعقيد سلاسل الإمداد العالمية، وهذا يتمثل في الشركات التي تعمل في أسواق متعددة ومتنوعة، حيث تجد صعوبة في تتبع مصادر المواد الخام وقياس مدى استدامتها. كما أنَّ ضمان الاستدامة في هذه السلاسل يتطلب تنسيقًا فعَّالًا واستثمارًا واسعًا في التكنولوجيا والموارد البشرية.
وهناك الجانب المالي الذي يعد عقبة كبرى؛ لأنَّ بعض الشركات ترى أن تبني ممارسات مستدامة يعني تكاليف إضافية، مما يدفعها إلى التردد في اتخاذ الخطوات اللازمة. وقد يكون الضغط على المدى القصير لتقليل التكاليف أكثر إغراءً من الالتزام بخطط الاستدامة البيئية ذات المدى الطويل.
وأخيرًا، مقاومة التغيير، وهو تحد تواجهه منظمات كثيرة، حيث إن التغيير في العمليات التجارية يمكن أن يواجه مقاومة من الموظفين أو القيادات التي لا تؤمن بجدوى هذا التحول، بالإضافة إلى الثقافات السائدة التي يمكن أنْ تجعل من ممارسات الأعمال التجارية التقليدية راسخة إلى حد يجعل من الصعب تغييرها.
التقنيات الرقمية لتحقيق الاستدامة
في ظل هذه التحديات يمكن للتقنيات الرقمية أن تقدم حلولا فعالة، من خلال الأدوات المبتكرة كأدوات تحليل بيانات المواد المستهلكة والنفايات المتولدة والانبعاثات الكربونية. وهذه الأدوات وسيلة لتقييم فعالية السياسات المتبعة، ومدى تحقيق الأهداف البيئية بشكل دقيق.
كذلك تُتيح الأدوات الرقمية تطبيق استراتيجيات تدعم خطوات الحفاظ على البيئة، مثل إصدار العلامة الخضراء (Eco labelling) للمنتجات الصديقة للبيئة؛ مما يجعل للشركات ميزةً تنافسيةً، بخاصة في ظل تزايد وعي المستهلِكين بمفاهيم إعادة التدوير.
إنَّ التحول الرقمي -باختصار- مفيد جدا في تتبع سلاسل الإمداد، واستخدام تقنيات التتبع في الوقت الفعلي؛ لزيادة الشفافية، واكتشاف الممارسات غير المستدامة، واتخاذ التدابير التصحيحية اللازمة؛ وبالتالي تقليل الفاقد في العمليات التجارية.
في الختام تدرك حماة الأرض أنَّ هناك -بصور عامة- حاجَةً مُلِحَّةً إلى تغيير ثقافة الأعمال والسياسات البيئية على مستوى العالم، وتؤكد أن الأمر ليس متعلقًا بتبني استراتيجيات ممارسات مستدامة فقط، وإنما يتطلب تحولًا شاملًا وعميقًا في طريقة تفكير الشركات والحكومات والمستهلكين على حد سواء.