التغيرات المناخية تشعل الأرض والأعوام القادمة أخطر
التغيرات المناخية تشعل الأرض والأعوام القادمة أخطر
لقد باتت حماية كوكب الأرض مسئولية مشتركة لا تحتمل التأجيل أو التهاون؛ لأننا اليومَ أمام تحدٍّ وجودي حقيقي بسبب التغيرات المناخية، حيث تكشف تقارير علمية موثوقة عن ارتفاع غير مسبوق في درجات حرارة الأرض؛ مما يُعمق الفجوة بين الواقع البيئي المتدهور والحلول المطلوبة.
ومن هذا المنطلق، تسلط حماة الأرض الضوء على هذه التغيرات المناخية غير المسبوقة، بالاستناد إلى أحدث البيانات العالمية؛ راسمةً صورةً موضوعيةً للسنوات القليلة القادمة في مجال التحديات المناخية، وكيف يمكن أنْ نتجاوز هذه المشكلات؛ فتابعوا القراءة.
خمس سنوات عجاف
أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) تقريرًا حديثًا يكشف عن تنبؤات مناخية مثيرة للقلق للسنوات الخمس المقبلة. فبين عامي 2025 و2029؛ إذْ من المتوقع أنْ تظل درجات الحرارة العالمية عند مستويات قياسية أو قريبة منها.
وكذلك هناك -وفق التقرير- احتمال بنسبة 80% لأنْ يسجّل أحد هذه الأعوام الخمسة أعلى درجة حرارة على الإطلاق، متجاوزًا بذلك عام 2024، الذي يُعد حتى الآن الأشد حرارة في التاريخ المُسجّل.
وهذه التوقعات ليست مجرد أرقام عابرة، بل تمثّل نذيرًا واضحًا بتزايد التغيرات المناخية وتفاقم آثارها على المجتمعات، والاقتصادات، والنظم البيئية. فكل جزء من الدرجة المئوية يُضاف إلى متوسط درجات الحرارة يعزّز احتمالية وقوع كوارث طبيعية أكثر تطرفًا، ويقوّض جهود التنمية المستدامة التي تبنّتها الدول ضمن أجندة الأمم المتحدة 2030.
ما يثير القلق أكثر في تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية هو الاحتمال المتزايد لتجاوز العتبة الرمزية المحددة في اتفاقية باريس للمناخ، التي تقضي بحصر الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وكذلك تعكس أرقام وبيانات هذا التقرير العالمي توجّهًا واضحًا نحو نقطة تحوّل مناخية خطيرة، حيث يصبح الاحتباس الحراري مؤثرًا بشكل مباشر ومتزايد على الأمن الغذائي، وتوافر المياه، والصحة العامة، والموارد الطبيعية.
المطر يعيد رسم خريطة الأرض
من بين النقاط اللافتة في التقرير أن معدل الاحترار المتوقع في القطب الشمالي خلال فصول الشتاء المقبلة سيتجاوز المتوسط العالمي بثلاثة أضعاف ونصف، ليصل إلى 2.4 درجة مئوية فوق متوسط الفترة المرجعية من 1991 إلى 2020. وهذه الظاهرة لا تعني فقط ذوبان الجليد البحري في مناطق مثل بحر بارنتس (يقع في الشمال الشرقي من دولة النرويج) وبحر بيرنج (بحر في شمال المحيط الهادئ)، بل تهدّد بانهيارات بيئية مترابطة تؤثر في الأنظمة المناخية العالمية.
ثم إنَّ التغيرات المناخية لا تقتصر على الحرارة، بل تمتد إلى أنماط الهطول أيضًا؛ فالتنبؤات تشير إلى هطول أمطار أكثر من المعدل الطبيعي في مناطق مثل الساحل الإفريقي، وشمال أوروبا، وألاسكا، وسيبيريا الشمالية، في حين من المتوقع أن يعاني حوض الأمازون من جفاف أشد من المعتاد خلال فصول الصيف بين عامي 2025 و2029.
تغيرات تؤثر في الاقتصادات والمجتمعات
كل تقرير جديد من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية يحمل في طياته رسائل مقلقة لصانعي السياسات العامة على حدّ سواء؛ فمع استمرار الارتفاع في درجات الحرارة، تزداد احتمالات حدوث موجات حر قاتلة، وفيضانات مدمّرة، وجفاف شديد، إلى جانب ذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر، مما يؤدي إلى تآكل السواحل وتهجير السكان.
وكل هذه الآثار تؤثر بشكل مباشر على الاقتصادات، خاصة تلك المعتمدة على الزراعة أو السياحة أو الموارد المائية. كما تتفاقم التحديات التي تواجه الفئات الهشّة مثل الفقراء، والمهاجرين، والنساء، مما يزيد من حدّة التفاوتات الاجتماعية ويهدّد الاستقرار الداخلي للدول. لذا، فإن التعامل مع هذه التغيرات لا يمكن أن يتم عبر الحلول التقليدية، بل يتطلب تحوّلات جذرية نحو أنماط تنموية منخفضة الانبعاثات وأكثر قدرة على التكيّف.
هل يمكن احتواء الأزمة؟
رغم سوداوية التوقعات، لا يزال هناك مجال للعمل والتأثير؛ لأنَّ تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تشير بوضوح إلى أن كل جزء من الدرجة المئوية يُحدث فارقًا في شدة الكوارث، وفي إمكانية تجنّب الأسوأ. وهذا ما يجعل من مؤتمر المناخ القادم (COP30) لحظة فاصلة في مسار العمل المناخي العالمي، إذ سيشهد تقديم التحديثات الجديدة لما يُعرف بالإسهامات المحددة وطنيًا، وهي التزامات الدول للحدّ من الانبعاثات وتعزيز التكيّف.
وفي ضوء هذه المعطيات، لا يمكن تجاهل أهمية المساءلة والشفافية في تقارير الاحترار العالمية، التي تُظهر تفاوتًا في التقديرات، لكنها تتفق جميعًا على أننا على أعتاب تجاوز مستويات خطرة من الاحترار. يشير التقرير إلى أن متوسط الاحترار خلال الفترة من 2015 إلى 2034 سيبلغ 1.44 درجة مئوية، ما يؤكد أن التأخير لم يعد خيارًا.
وفي الختام، لا بُدَّ أنْ نُذكّر أنفسنا بأنَّ تلك التغيرات المناخية المحتملة تستدعي منَّا ضرورة مكافحتها؛ ولذلك تؤمن حماة الأرض بأنَّ الطريق يبدأ بنشر الوعي حول هذه التحديات المناخية، التزامًا منها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.