التغيرات المناخية في مصر.. ماذا حدث مؤخرًا؟
التغيرات المناخية في مصر.. ماذا حدث مؤخرًا؟
في غضون أسابيع قليلة بين مايو وأوائل يونيو 2025، شهدت مصر موجة متسارعة من التغيرات المناخية والظواهر الطبيعية التي تنوعت بين هزات أرضية ملموسة وعواصف جوية عنيفة، لتسلط الضوء من جديد على هشاشة بيئتنا في مواجهة التحديات المتزايدة الناتجة عن التغيرات المناخية الكثيرة والأنشطة الجيولوجية المتسارعة.
تُعد هذه الأحداث المتتالية تذكيرًا مهمًّا بأن مصر -كغيرها من دول العالم- تواجه تحديات بيئية مركبة تتطلب استجابة شاملة؛ ففي حين تُعزى الزلازل إلى ديناميكيات جيولوجية عميقة، فإن الظواهر الجوية المتطرفة مثل العواصف تتزايد حدتها وتكرارها بشكل ملحوظ، وهناك دلائل علمية قوية تشير إلى ارتباط ذلك بالتغيرات المناخية العالمية. هذه التقلبات تضع ضغوطًا هائلة على البنية التحتية، والأمن الغذائي، والموارد المائية، والصحة العامة؛ مما يعيق التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تسعى إليها رؤية مصر 2030.
وتكرار هذه الظواهر خلال فترة زمنية قصيرة يؤكد أن مصر ليست بمعزل عن تداعيات التغير المناخي والنشاط الجيولوجي المتصاعد، ويدعو إلى تقييم جاهزية البنية التحتية والمجتمعات للتعامل مع مزيج من التحديات المتنوعة؛ ففي حين تختلف الأسباب الأساسية للزلازل عن تلك التي تؤدي إلى العواصف، فإن تأثيراتها قد تتداخل؛ فالبنى التحتية الضعيفة التي تتضرر من العواصف تصبح أكثر عرضة لأضرار إضافية بسبب الهزات الأرضية، وهو ما يخلق حلقة مفرغة من التدهور البيئي والاقتصادي.
زلزال القاهرة وعاصفة الإسكندرية
في الرابع عشر من مايو 2025، استيقظ سكان القاهرة وعدد من المحافظات على زلزال قوي بلغت قوته 6.4 درجة على مقياس ريختر، ومركزه شرق جزيرة كريت بالبحر المتوسط، على عمق يتجاوز 60 كيلومترًا تحت سطح الأرض، ورغم شعور عدد كبير من المواطنين بها، فلم تسفر عن أي خسائر في الأرواح أو الممتلكات.
وعلى الجانب الآخر شهدت محافظة الإسكندرية في الساعات الأولى من صباح 31 مايو 2025، عاصفة جوية شديدة مصحوبة بأمطار رعدية وثلجية ورياح بلغت سرعتها 83 كم/ساعة. وقد أسفرت العاصفة عن أضرار مادية واسعة، فضلًا عن تجمعات كبيرة لمياه الأمطار في الشوارع، وقد استجابت الأجهزة التنفيذية بالمحافظة برفع درجة الاستعداد القصوى والدفع بفرق الطوارئ ومعدات الشفط للتعامل مع التداعيات.
وقد كشفت عاصفة الإسكندرية عن حجم التأثير الذي يمكن أن تخلّفه الظواهر الجوية المتطرفة على البنية التحتية الحضرية، من خسائر اقتصادية واسعة وتراجع في جودة الحياة بصورة عامة؛ مما يعزز الحاجة إلى تطوير بنية تحتية مرنة وقادرة على الصمود أمام التغيرات المناخية المتسارعة.
وفي ضوء تزامن هذه العاصفة مع زلزال القاهرة في منتصف الشهر نفسه، تبرز أهمية تبنّي استراتيجيات متكاملة لإدارة الكوارث، تقوم على نهج مزدوج يجمع بين التعامل مع المخاطر الجيولوجية – كالزلازل – باعتبارها ظواهر طبيعية متوقعة، والتعامل مع المخاطر المناخية – كالعواصف والأمطار الشديدة – باعتبارها أحداثًا تزداد حدة وتكرارًا في ظل التغير المناخي، وتتطلب خططًا واضحة للتكيف والتخفيف. وهذا التوجه يتماشى مع ما دعت إليه الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، وتسعى الدولة إلى تحقيقه في إطار رؤيتها للتنمية المستدامة.
فعلى الرغم من شدة عاصفة الإسكندرية، فإن البنية التحتية الحديثة التي تم تطويرها خلال السنوات الماضية أثبتت فاعليتها وقدرتها على الصمود؛ إذ كشفت هذه الأزمة عن حجم العمل والجهد الذي بُذل لتجنب تكرار سيناريوهات مأساوية حدثت من قبل في الإسكندرية، حيث أسهمت مشروعات فصل شبكات الأمطار عن الصرف الصحي وتطوير محطات الرفع وزيادة المعدات في احتواء الأزمة والتعامل السريع مع تجمعات المياه.
زلزال جديد يضرب الغردقة والجيزة في يوم واحد
ولم يمضِ وقت طويل حتى شهدت مصر هزات أرضية أخرى، ففي الأحد 1 يونيو 2025، سجلت هزة أرضية خفيفة بقوة 3.33 درجة على مقياس ريختر شمال غرب الغردقة، على عمق 10.16 كيلومتر، وفي مساء اليوم نفسه، ضربت هزة أرضية خفيفة أخرى محافظة الجيزة بقوة 2.31 درجة على مقياس ريختر وعمق 3.17 كيلومتر.
وتُعتبر منطقة البحر الأحمر من المناطق النشطة زلزاليًّا نتيجة التحركات التكتونية بين الصفائح الإفريقية والعربية ووجود صدوع جيولوجية نشطة، ويُعد هذا النشاط طبيعيًّا للمنطقة، ومع أن هذه الزلازل لم تسفر عن خسائر بشرية أو مادية، فإن تكرارها قد يؤثر على الحالة النفسية للمواطنين.
نحو مستقبل أكثر مرونة في مواجهة التغيرات المناخية
تُبرز الأحداث الأخيرة في مصر، من هزات أرضية إلى عواصف عنيفة، الحاجة الملحة إلى دمج مبادئ التنمية المستدامة في التخطيط الحضري والمجتمعي، للحد من تأثيرات الظواهر البيئية والجيولوجية، وتعزيز مرونة المجتمع في مواجهة هذه الظواهر المتزايدة بفعل تسارع وتيرة التغيرات المناخية وتفاقم المخاطر البيئية. ومن هذا المنطلق، ترى حماة الأرض أنه ينبغي أن تركز جهود إدارة الكوارث على رفع الوعي بالظواهر الجيولوجية الطبيعية، إلى جانب توفير جميع أنواع الدعم للمواطنين.