التكيف مع تغير المناخ في خطر
التكيف مع تغير المناخ في خطر
لم يكن التكيف مع تغير المناخ مطروحًا قبل الثورة الصناعية الكبرى، حيث كان الإنسان متمتعًا ببيئة نظيفة وموارد متوافرة، وبعد ذلك تقاعس عن إدارة مخلفاته الصناعية بطريقة مسئولة، فبدأ كوكب الأرض في التغيُّر، وتدمرت طبيعته، حتى أصبح العالم في حاجَةٍ إلى استراتيجية فعَّالة لوقف التدهور البيئيّ والمناخيّ في جميع أنحاء الأرض؛ لذا سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال الجهودَ الدوليةَ في مجال التكيف مع تغير المناخ، وسبل تعزيز الإجراءات ذات الصلة.. فتابعوا قراءة المقال.
1.5 درجة مئوية
اليوم -مع اشتداد التغير المناخيّ- أصبح العالم أبعد عن تحقيق أهداف اتفاقية باريس؛ لذا يجتمع قادة العالم كلَّ عامٍ لمناقشة التحديات المناخية في مؤتمرات الأطراف، ومنها مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون، الذي انطلقت أُولى فعالياته أمس -الاثنين- في باكو؛ العاصمة الأذربيجانية.
يأتي COP29 في وقت حاسم، حيث أصبحنا أقرب إلى تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وربما يعترض معترِضٌ ويقول: أين إجراءات التكيف؟ إنَّ إجراءات التكيف -في واقع الأمر- لا تزال ضعيفةً علَى نحوٍ مؤسف!
الجهود الدولية لحل مشكلة التغير المناخي
علَى الرغم من اتفاقية باريس ودورها في تحفيز العالم نحو التكيف مع تغير المناخ، فإنَّ درجات الحرارة العالمية لا تزال مستمرةً في ارتفاعها، فضلًا عن تكاليف التكيف التي لا تتحملها اقتصادات الدول النامية تحديدًا، إلى جانب الخسائر والأضرار المناخية، التي تؤثر في فقراء العالم وضعفائه، بما في هذا النساء والأطفال.
مِن هنا توجد جهود دولية تحاول -قدر الإمكان- تعزيز إجراءات التكيف مع تغير المناخ؛ ففي أحدث تقرير يصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة –تقرير فجوة التكيف لعام 2024– أُشير إلى أنَّ الدول النامية قد تمتعت بتدفقات مالية خاصةٍ بالتكيف، وكان مقدار هذه التدفقات 28 مليار دولار أمريكيّ في عام 2022، ليكون هذا أكبر تدفق ماليّ منذ انعقاد اتفاقية باريس في عام 2015.
تأتي هذه التدفقات المالية باعتبارها انعكاسًا واضحًا وتقدمًا ملحوظًا نحو ميثاق جلاسكو للمناخ، الذي دعا الدولَ المتقدمةَ إلى مضاعفة التمويل المناخيّ، ومع هذا فإننا نحتاج إلى مزيد من الجهود أكثر من أيّ وقت مضى، وحتى لو اكتمل تحقيق أهداف ميثاق جلاسكو فلن تتقلص فجوة تمويل التكيف -البالغة ما بين 187 مليار إلى 359 مليار دولار أمريكي- إلا بنسبة تقارب 5%، وهي نسبة ضئيلة مقارنةً بما يواجه العالم الآن من تحديات مناخية شديدة الخطورة.
كيف يمكن التكيف مع تغير المناخ؟
لإدراك خطورة الوضع لنا أنْ نتأمل نتائجَ تقريرٍ آخرَ، هو تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2024، الذي أكَّد وجود تأثيرات تقوض هذه الجهود التي هي في الأساس ضعيفة، فقد شهدت الانبعاثات العالمية زيادةً ملحوظةً مقارَنةً بالعام الماضي، خاصة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عن قطاع الطاقة، ويليه القطاع الصناعيّ الذي يتحمل 22% من هذه الانبعاثات، بما في هذا الميثان وأكسيد النيتروز.
وكشف التقرير -أيضًا- عن أنَّ دول مجموعة العشرين تتحمل معظم الانبعاثات العالمية؛ ولهذا يدعو التقرير إلى الاهتمام بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهما من أهم المصادر التي يمكن أنْ تساهم إسهامًا كبيرًا في تخفيض الانبعاثات، جنبًا إلى جنب مع الحفاظ علَى الغابات، وزيادة التشجير.
وبالعودة إلى تقرير فجوة التكيف لعام 2024 نجد أنَّ من أهم سبل معالجة هذه النتائج المؤسفة -بالإضافة إلى توصيات تقرير فجوة الانبعاثات 2024- زيادةُ استثمارات الطاقة الجديدة، وإجراء إصلاحات في الأنظمة المالية، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، لا سيما في الدول الكبرى.
إذنْ، في ظل بطء وتيرة تنفيذ إجراءات التكيف أصبح لزامًا علينا أنْ نعمل علَى زيادة التمويل المناخيّ، وبناء القدرات البشرية، ونقل التكنولوجيا؛ وهو نهج يتفق تمامَ الاتفاقِ مع ما هو متوقع من الرئاسة الأذربيجانية لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، والذي يُتوقع أنْ ينظر في وسائل تنفيذ ما توصلت إليه مصر والإمارات في مؤتمرَي الأطراف السابع والعشرين والثامن والعشرين.
ويقترح تقرير فجوة التكيف المناخيّ -أيضًا- الاهتمام بالظروف التمكينية، والنظر بعين الاعتبار إلى مفهوم المساواة بين الجنسين، فضلًا عن ضرورة جعل إجراءات التكيف جزءًا مهمًّا من أجزاء استراتيجيات التنمية المستدامة الشاملة.
في الختام تدرك حماة الأرض أنَّ هناك -بصور عامة- حاجَةً مُلِحَّةً إلى بذل مزيد من الجهود؛ لأجل تحقيق الهدف العالميّ للتكيف مع تغير المناخ؛ لذا مهما حدث أو مهما كلف الأمر، يجب علينا جميعًا أنْ نجعل التكيف مع تغير المناخ علَى رأس أولوياتنا.