مصر وأهداف 2030.. السيسي يحيي الذكرى الـ80 للأمم المتحدة بكلمة مسجلة
مصر وأهداف 2030.. السيسي يحيي الذكرى الـ80 للأمم المتحدة بكلمة مسجلة
في لحظة وصفها بـ”التاريخية والمفصلية”، جدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تأكيد مصر على التزامها العميق برسالة الأمم المتحدة ودورها الحيوي في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وذلك خلال كلمة مسجّلة ألقاها احتفالًا بالذكرى الثمانين لإنشاء المنظمة الأممية. جاءت الكلمة في توقيت حساس يشهد تحولات كبرى على مستوى العلاقات الدولية، وصراعات مستجدة تهدد الاستقرار العالمي، وتفرض على المجتمع الدولي مسئوليات غير مسبوقة.
مصر التي كانت من بين الدول التي شاركت في صياغة اللبنات الأولى للمنظمة الأممية ووقّعت على ميثاقها التأسيسي عام 1945، تستعيد اليوم هذا الدور المبكر لتؤكد أنها لا تزال طرفًا فعالًّا في صياغة مستقبل العمل الدولي المشترك؛ فلم يكن حضورها في سان فرانسيسكو قبل ثمانية عقود حدثًا عابرًا، وإنما كان تعبيرًا عن رؤية تؤمن بالتعاون المتعدد الأطراف، والحلول السلمية، والعدالة الدولية.
هذا الخطاب الرسمي لم يكن مجرد تهنئة بروتوكولية، وإنما حمل بين سطوره رؤية استراتيجية لما يجب أن تكون عليه الأمم المتحدة في المرحلة القادمة، من حيث الإصلاح، وتوسيع الدور، وتجاوز القصور الذي لازم بعض ملفاتها خلال العقود الماضية، ومع ما يشهده العالم من نزاعات وتغيرات مناخية وتهديدات للأمن الغذائي والمائي، تصبح هذه الدعوة للإصلاح الأممي ضرورة لا ترفًا.
إن هذه الذكرى تمثل فرصة لتقييم ما تحقق وما تعثّر، وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يضع الأمم المتحدة على مسار أكثر عدالة وفعالية واستجابة حقيقية لهموم الشعوب، وخاصة في دول الجنوب التي غالبًا ما تكون الأكثر تضررًا من الأزمات العالمية.
مصر تدعو لإصلاح عادل وشامل للمنظمة
في كلمته لم يكتفِ الرئيس المصري بتأكيد التزام بلاده بالمنظمة الأممية، وإنما دعا بشكل صريح إلى ضرورة تطوير وإصلاح بنيتها وآليات عملها، وركّز بشكل خاص على أهمية أن يكون هذا الإصلاح مبنيًّا على أساس احترام القانون الدولي، بعيدًا عن ازدواجية المعايير التي تُضعف من مصداقية المنظمة وفاعليتها في تحقيق العدالة الدولية.
وأكد الرئيس أن هذا الإصلاح ليس خيارًا، وإنما ضرورة فرضتها التحولات الدولية المتسارعة، التي أعادت صياغة التوازنات العالمية، وغيرت أولويات الدول. وفي خضم هذه التغيرات، لا يمكن للأمم المتحدة أن تظل على حالها دون تجديد في الفكر والأدوات، بما يواكب تطلعات الشعوب في السلام والأمن والعدالة.
وشدد السيسي على أن تجديد الأمم المتحدة لا يجب أن يكون شكليًَّا، وإنما ينبغي أن يشمل مراجعة جادة لآليات اتخاذ القرار، وتوزيع الأدوار داخل المنظمة، بما يضمن تمثيلًا أكثر عدالة للدول النامية، التي لطالما تم تهميشها في صناعة القرار الأممي رغم أنها تمثل الأغلبية السكانية عالميًّا.
هذا الطرح يعكس تطلعًا مصريًّا نحو دور أممي أكثر توازنًا، يتجاوز النظرة التقليدية، ويؤسس لعلاقات دولية قائمة على الشراكة الحقيقية لا على الهيمنة أو المصالح الضيقة. كما أنه يتقاطع مع مطالب واسعة داخل الجنوب العالمي لإصلاح هيكلية المؤسسات الدولية بما يخدم العدالة المناخية والاقتصادية.
دعوة للسلام وتجنب التصعيد
واحدة من أبرز الرسائل التي حملها الخطاب الرئاسي، كانت دعوة مصر للأمم المتحدة للعب دور ملموس في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني منذ عقود من النزاعات، والاحتلال، والصراعات المزمنة التي تسببت في معاناة ملايين المدنيين، وحرمت الأجيال من التنمية والعيش الكريم.
كما حذر الرئيس السيسي من مخاطر التصعيد في المنطقة، معتبرًا أن الوقت قد حان ليكون للأمم المتحدة دور فعال يتجاوز البيانات الدبلوماسية، ويتجه نحو خطوات عملية لإنهاء الاحتلال، وحماية حقوق الإنسان، وتحقيق حل عادل وشامل للقضايا العالقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
هذا النداء المصري يعكس قناعة راسخة بأن الاستقرار الإقليمي لا يتحقق إلا عبر حلول عادلة، وليس عبر محاولات إدارة الأزمات. كما يعيد التأكيد على المبادئ التي تأسست عليها الأمم المتحدة، وفي مقدمتها الحق في تقرير المصير، ورفض استخدام القوة، والتسوية السلمية للنزاعات.
التغير المناخي وندرة المياه
وربط الرئيس المصري في كلمته بين التنمية المستدامة والملفات البيئية العالمية، حيث أكد أن من بين أخطر التحديات التي تواجه البشرية حاليًّا تأتي تغيرات المناخ وندرة المياه، داعيًا الأمم المتحدة إلى التنسيق بين الدول لمواجهة هذه الأزمات التي تهدد الأمن والاستقرار العالميين.
وقدّم الرئيس موقفًا واضحًا يؤكد التزام مصر الكامل بأجندة التنمية المستدامة، وبدور الأمم المتحدة باعتبارها محركًا رئيسيًّا لهذه الأجندة، كما أشار إلى أهمية احترام حقوق الإنسان في سياق التنمية، وهو تأكيد على شمولية الرؤية المصرية التي لا تفصل بين الحقوق البيئية، والاجتماعية، والسياسية.
وفي هذا السياق، تتفق كلمة الرئيس السيسي مع مبادئ “العدالة المناخية” التي تتبناها دول الجنوب، والتي تطالب الدول الصناعية بتحمّل مسؤولياتها التاريخية عن أزمة المناخ، وتوفير الدعم المالي والتقني للدول الأكثر تضررًا من تداعياتها، وفي مقدمتها الدول الإفريقية. وتأتي مصر، التي استضافت مؤتمر الأطراف (COP27) في شرم الشيخ، في طليعة هذه الدول، حيث تواصل ترسيخ موقعها كدولة محورية في قضايا البيئة والمناخ، وتسعى إلى شراكة فاعلة مع الأمم المتحدة لدفع الدول الكبرى نحو التزامات أشد صرامة، تضمن مستقبلًا أكثر عدالة واستدامة للأجيال القادمة.
تدشين مقر للأمم المتحدة في العاصمة الإدارية
وفي خطوة عملية تؤكد التزام القاهرة بدعم المنظمة الأممية، أعلن الرئيس السيسي عن تدشين مقر جديد للمكاتب الإقليمية والقُطرية للأمم المتحدة في العاصمة الإدارية الجديدة، وهذه الخطوة تمثل رسالة قوية تؤكد أن دعم مصر للأمم المتحدة يتجاوز الشعارات؛ ليتجسد في مبادرات ملموسة على الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، تعكس هذه الخطوة الرغبة في تحويل العاصمة الإدارية إلى مركز إقليمي للتعاون الدولي، ومنصة لحوار الحضارات، وتبادل الخبرات في مجالات التنمية، والسلام، والبيئة، ويمكن لهذا المقر أن يسهم في تسهيل عمل المؤسسات الدولية داخل مصر والمنطقة، ويعزز فرص التنسيق في ملفات حيوية كالهجرة، والتغير المناخي، والتعليم، والصحة العامة، كما يفتح المجال أمام استثمارات في المعرفة والبنية التحتية الأممية.
واختتم الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمته بتحية تقدير لكل من ساهم في بناء الأمم المتحدة وتطويرها، مؤكدًا أن مصر ستظل في طليعة الداعمين لرسالتها وقيمها الأساسية: السلام، والعدالة، والتنمية، وكرامة الإنسان، وفي ضوء ما يشهده العالم من أزمات متشابكة، تؤمن حماة الأرض أن مستقبل المنظمة الأممية مرهون بقدرتها على التجدد، وأن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق من خلال القرارات وحدها، وإنما يبدأ من وعي الشعوب وإرادتها في بناء نظام عالمي أكثر عدالة واستدامة.