خطى مستدامة

بالأرقام.. الشمول المالي في مصر نقلة نوعية نحو التمكين الاقتصادي

الشمول المالي

بالأرقام.. الشمول المالي في مصر نقلة نوعية نحو التمكين الاقتصادي

شهدت مصر في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في مؤشرات الشمول المالي، انعكاسًا لجهود البنك المركزي المصري، وهذا بالتعاون مع القطاع المصرفي وعدد من الهيئات الحكومية والقطاع الخاص، حيث ارتفعت نسبة الشمول المالي -وفق بيانات موقع رئاسة مجلس الوزراء– من ديسمبر 2016 حتى يونيو 2024 إلى 181%.

وبات أكثر من 48.1 مليون مواطن يمتلكون حسابات للمعاملات المالية، سواء من خلال البنوك، أو البريد المصري، أو المحافظ الإلكترونية، أو البطاقات مسبقة الدفع، وهذا من بين 67.3 مليون مواطن في الفئة العمرية التي تتجاوز 16 عامًا، ليصل معدل الشمول المالي إلى 71.5% في يونيو 2024.

وهذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل جاء ثمرة لتكامل الجهود بين المؤسسات الوطنية والمصرفية، مع توفير بيئة رقابية محفزة، وإطلاق منتجات مالية تتناسب مع احتياجات شرائح المجتمع المختلفة، ونشر ثقافة التوعية المالية بين فئات الشعب كافةً.

وفي هذا السياق، سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال الجهود المصرية المتكاملة التي أسهمت في توسيع قاعدة الشمول المالي، مع تسليط الضوء على أبعادها التنموية والاجتماعية، خاصة في المناطق الريفية والمهمشة.. فتابعوا قراءة المقال.

الشمول المالي لتمكين الفئات المهمشة

لم تقف جهود البنك المركزي عند حدود المدن والمراكز الرئيسية، بل امتدت لتشمل المناطق الريفية والنائية، حيث تم التركيز على إدماج فئة صغار المزارعين ضمن النظام المالي الرسمي. ومن خلال الشراكة مع برنامج الأغذية العالمي، تم إطلاق مشروع دعم صغار المزارعين الذي يهدف إلى تقديم منتجات مالية مخصصة لصغار المزارعين، تتناسب مع طبيعة أنشطتهم واحتياجاتهم، بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية، وتعزيز دورهم في الاقتصاد الزراعي المحلي.

يأتي هذا المشروع بوصفه نقلةً نوعية في ربط القطاع الزراعي بالقطاع المالي، وهو الأمر الذي يسهم في استقرار دخل الأسر الريفية، وتحقيق التنمية الاقتصادية الأكثر شمولًا. ولا يقتصر الدعم على الخدمات المالية، بل يشمل التوعية والتدريب؛ من أجل تعزيز قدرة هذه الفئة على استخدام الأدوات المالية بشكل مستدام، وتقليص اعتمادهم على الحلول التقليدية أو غير الرسمية.

كما تجدر الإشارة إلى أن دعم صغار المزارعين يُسهم بشكل غير مباشر في تحقيق الأمن الغذائي، وهو أحد أهداف التنمية المستدامة؛ لما لهم من دور محوري في دعم سلاسل الإنتاج الزراعي. ويؤكد هذا التوجه أهمية أن يكون الشمول المالي جزءًا من رؤية تنموية متكاملة تشمل البيئة والاقتصاد والمجتمع.

مبادرة حياة كريمة

ضمن إطار التوسع في الشمول المالي وربطه بالتنمية المجتمعية، أسهمت البنوك المصرية -تحت إشراف البنك المركزي- في المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” منذ يوليو 2021، تلك المبادرة الساعية إلى تحسين مستوى الخدمات والبنية التحتية في 20 محافظة، تشمل 52 مركزًا و1667 قرية.

ومن خلال هذه المبادرة، تم التوسع في تقديم الخدمات المصرفية إلى المواطنين في القرى والمناطق المحرومة؛ مما أسهم في تسهيل حصولهم على حسابات مصرفية وتمويلات صغيرة تناسب طبيعة أعمالهم. كما ساعد هذا التطور المصرفي على تعزيز الوعي المالي بين السكان، وتشجيعهم على الادخار واستخدام الأدوات المصرفية الآمنة بدلًا من التعاملات النقدية غير المضمونة.

وتبرز أهمية هذه الخطوة في دعم الاقتصاد المحلي وتسهيل تنفيذ المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وهو ما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة، وتقليل نِسب البطالة، خاصةً بين فئة الشباب، إضافة إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات الريفية.

تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة

شهدت السنوات الأخيرة نموًّا كبيرًا في حجم التمويلات المقدمة إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، حيث ارتفعت هذه التمويلات بنسبة 388% منذ ديسمبر 2015 وحتى يونيو 2024. وتُعد هذه الطفرة دلالة واضحة على مدى التزام القطاع المصرفي المصري بدعم هذا القطاع الحيوي، الذي يمثل العمود الفقري لأي اقتصاد طموح.

وتركزت هذه التمويلات -بشكل لافت- في قطاعات حيوية، مثل القطاع الصناعي الذي نال زيادة في التمويل بنسبة 61%، كما شهدت محافظات الدلتا والصعيد نموًّا في التمويلات، حيث ينبغي أنْ تكون لجهود التنمية المستدامة النصيب الأكبر في المحافظات البعيدة عن العاصمة.

وتُعتبر هذه المشروعات من أكثر القطاعات قدرة على خلق وظائف جديدة بسرعة، خاصة للشباب والنساء، فضلًا عن دورها في تعزيز الابتكار وريادة الأعمال، وهو ما يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني على المدى البعيد، وكذلك يُعزز من تنافسية السوق المحلي.

نمو التمويل متناهي الصغر

حقق التمويل متناهي الصغر في مصر قفزة غير مسبوقة خلال الفترة من ديسمبر 2016 وحتى يونيو 2024، بنسبة نمو تجاوزت 1350%، وهذا وفقًا لما أعلنه الاتحاد المصري لتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.

ويُعتبر هذا النوع من التمويل أداة فعالة لتمكين الأفراد من بدء مشروعات بسيطة تناسب إمكانياتهم، وتُسهم في تحسين ظروفهم المعيشية؛ ولذا ساعدت المبادرات والإجراءات التي أطلقها البنك المركزي في تيسير الوصول إلى هذه التمويلات، سواء من خلال تبسيط الإجراءات، أو إتاحة قنوات إلكترونية سهلة الاستخدام.

وبالرغم من التحديات، فإنَّ توسع التمويل متناهي الصغر يشكل فرصة حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة من القاعدة إلى القمة، من خلال منح الأفراد القدرة على خلق دخل مستدام، والإسهام في الاقتصاد المحلي بشكل مباشر، وهو ما يتوافق مع أهداف العدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي.

نحو شمول مالي مستدام

تعكس هذه الطفرة المالية تحولًا استراتيجيًّا في مسار خطوات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المصرية؛ إذْ تقوم على دمج كل فئات المجتمع بالنظام المالي الرسمي، خاصةً النساء، والشباب، وسكان المناطق الريفية، وصغار المزارعين، ورواد الأعمال.

لكن من الأهمية بمكان تأكيد أنَّ الشمول المالي لا يجب أن يُنظر إليه من حيث كونه أداةً ماليةً فقط، بل يجب أنْ يُنظر إليه باعتباره مكونًا أساسيًّا من مكونات التنمية المستدامة الشاملة؛ لأنَّ ربط الخدمات المالية بالاستدامة البيئية والعدالة الاجتماعية يفتح آفاقًا جديدة أمام جهود بناء مجتمع أكثر توازنًا واستقرارًا.

ولما سبق تدعو حماة الأرض إلى أنْ تستمر الجهود الرامية إلى تعزيز وتطوير مفهوم الشمول المالي ضمن إطار تنموي يضع الإنسان وكرامته واحتياجاته في قلب السياسات الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى