خارج الصندوق.. احصلوا على الطاقة المتجددة باستخدام علب الكانز والقهوة
خارج الصندوق.. احصلوا على الطاقة المتجددة باستخدام علب الكانز والقهوة
لم تعد أهميةُ الطاقة المتجددة في حياة الإنسان محلَّ شك بعدما زادت مشكلات البيئة، فقد صرنا محتاجين أكثر من ذي قبل إلى أنواع من الطاقة النظيفة، التي تحفظ للبيئة مواردها، وتُعين الإنسانَ علَى تغيُّرات المناخ وتأثيرات الاحتباس الحراريّ، وهو ما يطرح -بشدة- ضرورة أنْ نسمع للعِلم، وأنْ نعالج به مشكلاتنا البيئية، عن طريق الأفكار غير المألوفة؛ ولهذا سوف نستكشف معكم -بشيء من التفصيل- إحدى هذه الأفكار؛ فتابعوا قراءة المقال.
أهمية الطاقة المتجددة في حياة الإنسان
إنَّ نسبةً كبيرةً من سكان العالم تعيش حتى الآن علَى الوقود الأحفوريّ، ذلك الوقود الذي يلوث المناخ، ويستنفد موارد البيئة، ويدمر صحة الإنسان؛ ولهذا يحاول الخبراءُ الذين يدركون خطورةَ ما يواجهه كوكب الأرض أنْ ينشروا الوعي بأهمية الطاقة المتجددة في كل مكان، وهو دور تقوم به حماة الأرض منذ تأسيسها.
وإذا كانت الطاقة الأحفورية تتمثل في الغاز والنفط والفحم، فإنَّ الطاقة المتجددة تتمثل في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك طاقة الهيدروجين الأخضر. وهذا النوع من الطاقة النظيفة قليلُ التكلفة، ومحافِظٌ على الصحة، وموفِّرٌ لفرص العمل اللائق.
وقد لا يدرك كثيرٌ منَّا أنَّ مصادرَ الطاقة المتجددة في كل مكان حولنا، وأيسر في الوصول إليها، فهي -كما ذكرنا سابقًا- طاقة مستمدة من الطبيعة، وقادرة علَى تقليل الانبعاثات الكربونية؛ وهو ما فكَّر فيه مهندسو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذين توصلوا بفكرة من “خارج الصندوق” إلى أنه يمكن تشغيل المحركات بوقود الهيدروجين الصديق للبيئة، عن طريق استخراجه من البحر بمساعدة بعض النفايات وقليل من القهوة.
طريقة متواضعة ونتائج واعدة
هنالك في مدينة كامبريدج عكف الباحثون علَى محاولة الاستفادة من علب الكانز الخاصة بالمشروبات الغازية، واستطاعوا أنْ يستخلصوا الألومنيوم النقيّ الموجود في هذه العلب، ثم خلطوه بمياه البحر، وكانت النتيجة هي تصاعد الهيدروجين. ولتسريع وتيرة هذا التفاعل بين الألومنيوم ومياه البحر أضاف هؤلاء الباحثون مادةَ الكافيين الموجودة في القهوة.
أفاد الباحثون في بحثهم الذي نشرته مجلة Cell Reports Physical Science بأنهم قادرون على إنتاج غاز الهيدروجين، وهذا بعد أنْ يقوموا بتنظيف الألومنيوم، وجعله نقيًّا حتى يمكن إحداث تفاعل بينه وبين مياه البحر، ثم يقومون بإضافة مادةَ الإيميدازول (بلورات عديمة اللون، وتحتوي علَى ذرتَي نيتروجين) لتسريع التفاعل، وهي المادة الموجودة في الكافيين.
والسؤال الآن: كيف يستفيد الإنسان من استخراج الهيدروجين من البحر؟ يرى الباحثون أنَّ هذه الطريقة الجديدة قادرة علَى تزويد السفن والغواصات -مثلًا- بطاقة هيدروجينية ذات تكلفة قليلة، وبصورة قادرة علَى إعادة تدوير النفايات. وهنا يقترح العلماء أنْ تحملَ السفينةُ الألومنيومَ المستخلَصَ من علب الكانز -وكذلك منتجات الألومنيوم الأخرى- بالإضافة إلى الكافيين، وتوجيه الهيدروجين الناتج عن هذه المكونات -دوريًّا- إلى المحركات.
سوف تصبح هذه الطريقة الجديدة حينئذٍ سهلةَ الاستخدامِ، خصوصًا بالنسبة إلى السفن؛ لأنَّ الماء موجود حولها، ولنْ يتعينَ عليها أنْ تحمل الهيدروجين بشكل مباشر، وإنما ستنقل الألومنيوم، ثم تضيف إليه ماء البحر.
ولن يتوقف الأمر عند تطوير طاقة السفن -وهو أمر يدعم بشدة مجال الشحن البحريّ- وإنما ستكون الطريقة الجديدة مفيدةً في إمداد السيارات بطاقة الهيدروجين النظيفة، وهو ما حاول تنفيذه فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، من خلال تطوير أساليب فعَّالة ومستدامة لإنتاج غاز الهيدروجين، دون أنْ تكون هناك حاجة إلى وجود (تانك) الهيدروجين في السيارة، ولكن سوف يُدمج الألومنيوم النقيّ بالماء داخل محرك السيارة مباشرةً، وهو ما يجعلنا بعيدين عن تانك الهيدروجين الذي قد يُسبب كوارثَ كثيرةً محتملةً؛ لذا ستكون الطريقة المبتكرة أسلوبًا ثوريًّا في المستقبل، حيث ستصبح السيارات أكثر استدامةً، ومساعِدةً علَى إعادة تدوير النفايات؛ ليستفيد الإنسان من نواحٍ كثيرةٍ.
تحدي الألومنيوم النقيّ
حتى هذه اللحظة تُعد الطريقة الجديدة قادرةً علَى تزويد الإنسان بالطاقة المتجددة، غير أنَّ هناك تحديًا يجب الانتباه إليه عند تنفيذ مثل هذا التفاعل، الذي يدمج مياه البحر بالألومنيوم والكافيين؛ هذا التحدي هو أنَّ التجربة تستلزم أنْ يكون الألومنيوم في أقصى درجات نقائه، وهذا هو شرط امتزاجه بالماء.
ولتدركوا حقيقةَ الأمر لكم أنْ تتخيلوا أنه عند التقاء الألومنيوم بالماء مع وجود الأكسجين في الهواء، فإنه يتشكل علَى الفور درع رقيق من الأكسيد يمنع إتمام التفاعل. وهذا الحاجز هو السبب وراء عدم ظهور فقاعات الهيدروجين فورًا عند إسقاط علبة كانز في الماء.
تكمن معالجة هذه المشكلة في الجاليوم والإنديوم (فِلزَّان نادران، ويُستخدَمان في أشباه الموصلات)؛ فعن طريق استخدام المياه العذبة وجد الفريقُ في بحثٍ آخرَ أنه يمكن اختراق درع الألومنيوم، والحفاظ على التفاعل مع الماء عن طريق معالجة الألومنيوم بتركيز محدد من مادتَي الجاليوم والإنديوم، اللتين تعملان علَى إزالة أيّ تراكم للأكسيد، وإنشاء سطح من الألومنيوم النقيّ، الذي يكون حرًّا في التفاعل مع الماء.
وبما أنَّ مادتَي الجاليوم والإنديوم نادرتان ومكلفتان للغاية، فقد عالج الفريق هذه المشكلة عن طريق استعادتهما مرَّةً أخرى من التفاعل؛ وبالتالي إعادة استخدامهما دون الحاجة إلي كميات أخرى.
بذلك يمكن أنْ نحصل علَى الطاقة المتجددة بأسلوب مستدام، وهو ما يُتوقع أنْ ينفعَ مجالات النقل في البحر والبر علَى السواء؛ وبالتالي تعزيز الاقتصاد، والحفاظ علَى البيئة. كما يُتوقع أنْ تفيد الطريقة الجديدة في إمداد القطارات والطائرات بالوقود الأخضر، ليتحول قطاع النقل كله إلى الطاقة المتجددة، وربما يكون هذا -مستقبلًا- من خلال استخراج الماء من الرطوبة الموجودة في الهواء المحيط بنا.
كان ما سبق فكرةً من الأفكار التي تأتي من خارج الصندوق، وهي قادرة علَى تخفيف الانبعاثات الكربونية؛ مما يجعلنا قادرينَ علَى مكافحة التغيُّرات المناخية، والحد من تدهور البيئة، والحفاظ علَى مواردنا الطبيعية؛ حتى تكون حياتنا مستدامةً.