الطحالب والكالسيوم المرجاني من أجل بناء العضلات والعظام
الطحالب والكالسيوم المرجاني من أجل بناء العضلات والعظام
لطالما كان البروتين حجر الزاوية في التغذية البشرية، لكنَّ المصادر التقليدية للبروتين الحيواني تفرض أعباء بيئية هائلة، من انبعاثات الغازات الدفيئة واستهلاك الموارد المائية والأراضي، وصولًا إلى تأثيرها في التنوع البيولوجي.
هذا الواقع دفع العلماء والباحثين حول العالم نحو استكشاف بدائل مبتكرة، ليس لتلبية الاحتياجات الغذائية فحسبُ، وإنما لتقديم حلول صديقة للبيئة تتناغم مع أهداف التنمية المستدامة؛ لذلك تتناول حماة الأرض من خلال هذا المقال أحدَ أبعاد هذه الاستكشافات، وتنظر في مدى علاقته بأهداف التنمية المستدامة، ومنها الهدفانِ الثالث والثاني عشر، اللذانِ يركزانِ على الصحة الجيدة وأنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة؛ فتابعوا القراءة.
كيف تجعل العضلات تنمو بسرعة؟
كشفت دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة “Journal of Nutrition” البريطانية أنَّ نوعين من أشهر أنواع الطحالب وأكثرها استخدامًا -السبيرولينا (Spirulina) والكلوريلا (Chlorella)- قد يمثلانِ بديلًا واعدًا للبروتين الحيواني في دعم إعادة بناء العضلات لدى الشباب، دون المساس بصحة الإنسان أو البيئة.
وفي هذه الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة إكستر البريطانية، تم التركيز على جدوى الطحالب في تحفيز بناء البروتين العضلي. وللتأكد من هذا خضع 36 شابًّا لتجربة عشوائية: تناول نصفهم مشروبًا يحتوي على 25 جرامًا من البروتين المشتق من الطحالب، في حين تناول النصف الآخر بروتينًا غذائيًّا فطريًّا يُنتَجُ من الخميرة، وهو أيضًا غير حيواني.
وقد كانت النتائج قوية ومفاجئة، حيث أثبتت الدراسة أنَّ البروتين المستخرج من السبيرولينا والكلوريلا يزيد من مستويات الأحماض الأمينية في الدم، وبشكل أسرع من البروتين الفطري. كما أظهرت التحاليل ارتفاعًا في معدلات بناء البروتين الليفي العضلي، سواء في فترات الراحة أو بعدها.
وعلى ذلك أشار الدكتور/ إينو فان دير هايدن -باحث رئيسي في الدراسة- إلى أنَّ هذه النتائج تؤكد أنَّ السبيرولينا والكلوريلا لا تقل كفاءتهما عن كفاءة البروتينات الأخرى غير الحيوانية في تحفيز نمو العضلات؛ مما يعزز من جدواها بوصفها خيارًا غذائيًّا متكاملًا.
الكالسيوم المرجاني مصدر من أعماق الطبيعة
بعيدًا عن البروتين، لفتت الأنظار مادة أخرى قادمة من أعماق الطبيعة، وهي الكالسيوم المرجاني (Coral Calcium)، الذي يُستخرج من رواسب الرمال المرجانية التي كانت جزءًا من الشعاب المرجانية القديمة. وهو يحتوي على تركيز عالٍ من كربونات الكالسيوم، إلى جانب المغنيسيوم وبعض المعادن النادرة، وبهذا يكون قريبًا في تركيبه من بنية العظام البشرية.
وعلى الرغم من أنَّ استخدام الكالسيوم المرجاني في جراحات العظام ليس جديدًا، إلا أنَّ الحديث عن فوائده بوصفه مكملًا غذائيًّا يفتح آفاقًا جديدة في مجال التغذية الصحية المستدامة؛ فهو عنصر أساسي لصحة العظام، ويسهم في خفض ضغط الدم، ويقي من مضاعفات تسمم الحمل (Preeclampsia)، وتشير بعض الدراسات إلى أنه يكون -غالبًا- أكثر سهولة في الامتصاص مقارنة بالمكملات الأخرى.
وبالرغم من أنَّ كثيرًا من فوائد الكالسيوم المرجاني لا تزال في حاجَةٍ إلى مزيد البحث والدراسة، فإنَّ احتواءه الطبيعي على المغنيسيوم والسيليكا يعزز من احتمالية تأثيره الإيجابي في الصحة العامة، وكذلك فإنَّ قدرته المحتملة على تقوية الأسنان -على سبيل المثال- تشير إلى مستقبل واعد لهذا المكمل الطبيعي.
تقاطع يفتح آفاقًا جديدة
يشير التقاطع بين الطحالب والبروتين النباتي من جهة، والكالسيوم المرجاني والمكملات الغذائية الطبيعية من جهة أخرى، إلى لحظة فارقة في إعادة تشكيل مستقبل التغذية البشرية؛ ففي ظل ما يعانيه العالم من تغير المناخ، وانهيار في التنوع البيولوجي، وضغوط متزايدة على الموارد الطبيعية؛ قد تبدو هذه البدائل الطبيعية استراتيجية للبقاء والاستدامة.
ذلك لأنَّ الاعتماد على مصادر غير تقليدية مثل السبيرولينا والكلوريلا يسهم في تعزيز الصحة العامة، ويدعم موارد البيئة، ويمنح الأفراد خيارات غذائية أكثر تنوعًا. كما أنَّ توسيع دائرة البحث في مكونات مثل الكالسيوم المرجاني قد يفتح الباب أمام تحسين الصحة الهيكلية للإنسان دون اللجوء إلى مصادر صناعية ملوثة أو مكلفة.
نحو غذاء أكثر عدلًا واستدامة
تثبت هذه الدراسات أنَّ المستقبل الغذائي لا يجب أنْ يكون محكومًا بحدود الزراعة التقليدية أو اللحوم الصناعية؛ لأنَّ الطبيعة قادرة على أنْ تمدنا بحلول جديدة، فلو عرفنا كيف نستفيد منها بعقلانية. وقد حان الوقت لدمج العلوم البيئية مع علوم التغذية، وجعل الاستدامة قيمة محورية في كل وجبة نتناولها.
فما بين الطحالب التي تعيد بناء العضلات، والمعادن المرجانية التي تدعم العظام، يكمن مفتاح لنظام غذائي عالمي جديد يدعم الصحة ويحترم البيئة، ويتوافق مع أجندة التنمية المستدامة 2030، لاسيما الهدف الثالث الخاص بالصحة الجيدة والرفاه.
وكذلك يمكن زراعة هذه الطحالب في مساحات صغيرة وبكميات مياه أقل، دون أنْ نستخدم الأسمدة أو المضادات الحيوية، كما أنَّ إنتاجها لا يتطلب المراعي ولا يتسبب في إزالة الغابات. وهذا ما يجعل من منها نموذجًا مثاليًّا للابتكار البيئي في مجال الغذاء، ومتوافقًا مع الهدف رقم (12) المتعلق بأنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة.
إذنْ، يتضح لنا أنَّ المسار نحو مستقبل غذائي أكثر استدامة وصحة يمر عبر استكشاف البدائل الطبيعية المبتكرة؛ فإنَّ للطحالب الخضراء وغيرها من البروتينات غير الحيوانية قدرةً على تعزيز الصحة الجيدة والرفاه.