الفقر وفقدان الوظائف يهددان مستقبل التنمية المستدامة
الفقر وفقدان الوظائف يهددان مستقبل التنمية المستدامة
مع تزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية يومًا بعد يوم، يزداد القلق لدى العديد من الأشخاص حول مستقبلهم المهني والاقتصادي، خاصة في ظل ما يشهده سوق الوظائف من تحديات كبيرة، وهذا التفاوت لا يقتصر على الفجوة في الدخل أو فرص العمل، وإنما يمتد ليشمل مظاهر الفقر التي تتزايد؛ لتشكل تهديدًا حقيقيًّا للاستقرار الاجتماعي والإنساني.
وفي إطار مواجهة هذه الأزمات الاجتماعية المتفاقمة، يصبح من الضروري فهم تأثيراتها وكيف يمكن أن تسهم في تغيير ملامح حياتنا؛ لذلك سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال الفقر وفقدان الوظائف، في محاولة لفهم كيف يمكن لهذه التحديات أن تؤثر في حياتنا جميعًا وكيف يمكن لنا أن نتصدى لها؛ فتابعوا قراءة المقال.
أكثر من ثلث سكان الأرض يعانون من الفقر
وفقا لتقرير لجنة الأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية، يعاني أكثر من 2.8 مليار شخص حول العالم من الفقر، وهو ما يعادل أكثر من ثلث سكان كوكب الأرض، يتراوح دخل هؤلاء الأشخاص بين 2.15 دولار و6.85 دولار في اليوم، وهي مستويات تعتبر غير كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية.
يعد هذا الوضع بمثابة جرس إنذار يدعو الحكومات والمجتمع الدولي إلى التحرك بشكل عاجل وفعّال، حيث إن التقرير يطالب باتخاذ تدابير سياسية فورية لضمان أن أي تقدم يحقّق في محاربة الفقر لا يتراجع بشكل مفاجئ نتيجة للأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية التي قد تحدث.
القلق العالمي بشأن فقدان الوظائف
ويشير التقرير إلى أن حوالي 60% من سكان العالم يشعرون بالقلق من فقدان وظائفهم وعدم القدرة على العثور على بدائل. هذه المشاعر السلبية تأتي في وقت تعاني فيه العديد من الاقتصادات من عدم استقرار في سوق العمل، خاصة مع التطورات التكنولوجية والتحولات الاقتصادية العالمية التي تؤثر في القوى العاملة في مختلف المجالات. ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن هذا القلق ليس فقط نتيجة للوضع الاقتصادي الحالي، وإنما يعود أيضًا إلى التفاوت المتزايد بين الأفراد والطبقات الاجتماعية، حيث يعيش حوالي 65% من سكان العالم في دول تشهد زيادة في فجوات الدخل.
يُعتبر هذا التفاوت العميق أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم القلق الاجتماعي وزيادة الإحباط بين فئات كبيرة من المجتمع؛ فعلى الرغم من زيادة الفرص في بعض الصناعات، يعاني العديد من العمال من صعوبة في التأقلم مع التحولات في مجالات عملهم؛ مما يؤدي إلى حالات من البطالة طويلة الأمد أو نوعية وظائف غير مستقرة.
تصاعد التحديات الاجتماعية
وعندما يرتفع مستوى التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، يتبع ذلك زيادة في مستويات انعدام الثقة بين المواطنين والحكومات؛ ولذلك فإن التقرير الصادر عن الأمم المتحدة يكشف أن أكثر من نصف سكان العالم لا يثقون بحكوماتهم بشكل كامل أو لا يثقون بها على الإطلاق.
ويُعتبر هذا من أبرز العوامل المؤثرة في تدهور التماسك الاجتماعي، الذي يعتمد على الترابط والتعاون بين الأفراد والمؤسسات؛ ففي العالم المعاصر، يعاني الناس من فقدان الثقة ليس فقط في الحكومات، وإنما أيضًا في نظام القيم الاجتماعية التي كانت تسهم في تعزيز الوحدة الاجتماعية.
وعلى الرغم من أن هذا التدهور في الثقة قد ازداد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، فإن هذه القضية ليست جديدة؛ إذ إن المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة التي تنتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي تعزز هذا الانقسام الاجتماعي وتزيد من مشاعر عدم الأمان بين الأفراد، وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدم الاستقرار في السياسات الحكومية، تصبح التحديات الاجتماعية أكثر تعقيدًا ويزيد تأثيرها في حياة الناس بشكل يومي؛ مما يجعل من الصعب تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
التفاوت الاجتماعي يعيق التنمية المستدامة
وفي ظل تصاعد التحديات الاجتماعية وفقدان الثقة، تبرز أزمة التفاوت بوصفها من العقبات الكبرى التي تعترض طريق التنمية المستدامة؛ فقد وضعت الأمم المتحدة أهدافًا طموحة لعام 2030 لبناء عالم أكثر عدالة وتكافؤًا، إلا أن استمرار الفجوات الاجتماعية والاقتصادية يجعل هذه الأهداف تبدو بعيدة المنال، حيث يشير التقرير بوضوح إلى أن غياب العدالة في توزيع الموارد يقوّض الجهود المبذولة لتحقيق شعار “عدم ترك أحد خلف الركب”.
وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش” من أن التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، إلى جانب تراجع الثقة في المؤسسات، لا يمثلان تحديين منفصلين، وإنما يشكلان معًا عائقًا خطيرًا يهدد قدرة المجتمعات على تحسين أوضاعها بشكل مستدام، وهو ما يستدعي تحركات جذرية تتجاوز الحلول الجزئية أو المؤقتة.
كيف نحقق التغيير؟
ويوضح التقرير أن تجاوز هذه التحديات يتطلب تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وتطويرًا حقيقيًّا في بنية المؤسسات الدولية والطرق التي تُحدّد كيفية توزيع الموارد على مستوى العالم؛ فالمطلوب اليوم ليس فقط ضخ الموارد، وإنما إعادة بناء الثقة بين الأفراد والدول، وترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية، وضمان توزيع أكثر إنصافًا للدخل والفرص.
وفي هذا السياق، تؤكد حماة الأرض أهمية تعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذه الأزمات؛ فالدول الغنية تتحمل دورًا محوريًّا في دعم الدول النامية لتجاوز أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير الفرص اللازمة لبناء مستقبل مستقر؛ إذ تظل التنمية المستدامة أملًا يتطلب التزامًا عالميًّا حقيقيًّا، يسهم في تقليص الفجوات الاقتصادية والاجتماعية؛ مما يتيح لنا بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لجميع شعوب العالم.