القهوة بطارية خضراء
القهوة بطارية خضراء
في عالم يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا، أصبحت بطاريات الليثيوم شريان حياة للأجهزة الإلكترونية والسيارات. ومع ذلك، فإنَّ الوجه الآخر لها يكمن في ما تَتسبب فيه من تحديات بيئية شديدة، وعقبات ناتجة عن التخلص من هذه البطاريات عند نهاية عمرها الافتراضي؛ بسبب ما في داخلها من مواد سامة.
لكن، ماذا لو قلنا بأنَّ فنجان القهوة الذي تبدأ به يومك قد يحمل حلَّ هذه المشكلة؟ وأنَّ القهوة ستصبح ابتكارًا مستدامًا في إعادة تدوير البطاريات؟ نعم، هذا ما تُلقي عليه حماة الأرض الضوء في السطور القادمة؛ لذا تابعوا القراءة.
القهوة تستعيد المعادن
تشير التقديرات إلى أنَّ سوق بطاريات الليثيوم سيصل إلى 23.72 مليار دولار بحلول عام 2030، مع عُمْرٍ افتراضيّ يتراوح بين 6 إلى 8 سنوات؛ أي أنَّ أطنانًا من هذه البطاريات سوف تتجه إلى مكبات النفايات، محمَّلَةً بمعادن ثمينة وسامة في الوقت نفسه.
وهنا يأتي سؤال مهم: كيف يمكننا تحويل هذا التحدي إلى فرصة؟ والإجابة قد تكون في فنجان قهوتك، وهذا من خلال استخدام تِفْل القهوة (ما يتبقى في الفنجان بعد تناول القهوة)، وتحويله إلى عامل اختزال ووسيط كيميائيّ يساعد على تحويل المواد الفعالة إلى أشكال قابلة للاستعادة.
ولتوضيح الأمر أكثر، فإنَّ البطاريات تتكون من مواد أساسية، هي الليثيوم والكوبالت؛ أمَّا الليثيوم فهو مكوِّنٌ من مكونات البطارية وذو قدرة عالية على تخزين الطاقة، وأمَّا الكوبالت فيعمل على تحسين أداء البطارية، وزيادة كفاءتها.
مِن هنا، انطلقت تجربة علمية بالتعاون بين مركز أبحاث وتكنولوجيا المواد المستدامة، التابع لمدرسة علوم وهندسة المواد في جامعة نيو ساوث ويلز (UNSW)، وجامعة خُولنا للهندسة والتكنولوجيا (KUET) ببنجلاديش – لاستعادة الليثيوم والكوبالت من البطارية المستهلَكة، وهذا عن طريق استخدام تقنيات تحليلية متقدمة، حيث تم اختيار تفل القهوة؛ لاحتوائها على نِسَبٍ عاليةٍ من الكربون والهيدروجين.
نتائج مبهرة وكفاءة عالية
كان الشائع في مثل هذه التجارب استعادة الليثيوم والكوبالت من البطاريات عن طريق مواد أخرى غير القهوة، وهذا تحت درجة حرارة تتراوح بين 400 و800 درجة مئوية، حيث أظهرت تحليلات حيود الأشعة السينية (XRD) أنَّ مُركب أكسيد الليثيوم والكوبالت (LiCoO2) يتحول تدريجيًّا عند درجات الحرارة المنخفضة أو المرتفعة ارتفاعًا شديدًا إلى مُركب كربونات الليثيوم (Li2CO3)، وهذا يؤثر في أداء البطاريات على نحوٍ سلبيّ.
ذلك كله دفع الفريق البحثيّ إلى وضع تفل القهوة عند درجة حرارة 600؛ مما أسفر عن استعادة 89.23% من الليثيوم بعد مرور 90 دقيقةً، واستعادة 93.27% من الكوبالت؛ أي أنه يمكن استعادة حوالي 0.89 كجم من الليثيوم و0.93 كجم من الكوبالت باستخدام 1 كجم من بقايا القهوة.
وهذه الطريقة الجديدة أكثر كفاءةً من طرق إعادة التدوير التقليدية؛ لأنَّ إعادة تدوير البطاريات باستخدام هذه الطريقة تُظهِرُ استهلاك طاقة أقل بنسبة 56.64% عند استعادة القَدْرِ نفسه من الليثيوم والكوبالت.
الأداء الكهربائي والأثر البيئي
في تلك التجربة أظهر الليثيوم والكوبالت اللذانِ استعادهما تفل القهوة طاقة شحن قدرها 278.9 ملي أمبير/ ساعة، وطاقة تفريغ بلغت 225.2 ملي أمبير/ ساعة، مع كفاءة بلغت 82.3%. وهذا يشير إلى أنَّ المادة احتفظت بكفاءة عالية في الشحن والتفريغ.
وعلى جانب آخر، انخفضت في هذه التجربة انبعاثاتُ ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 1.12 كيلوجرام لكل كيلوجرام من الليثيوم والكوبالت، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 57.89%، مقارنةً بالتقنيات التقليدية، وهذا بدوره يعزز من استدامة البطاريات، ويعمل على التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة.
وكذلك فإنَّ التقنية الجديدة -باستخدام تفل القهوة- تُكلِّف 1.13 دولار لكل كيلوجرام من الليثيوم والكوبالت، في حين أنَّ الطرق التقليدية الأخرى تُكلِّف 1.85 دولار؛ إذْ حققت توفيرًا مقداره 38.89%. أما بالنسبة إلى العائد الاقتصاديّ فقد بلغ 23.62 دولار لكل كيلوجرام من مواد البطارية المعاد تدويرها.
كما أنَّ هذه العملية -فضلًا عما سبق- تتمتع بتأثير بيئيّ إيجابيّ، وهذا مقارنة بالتقنيات التقليدية، وقد خفَّضتْ من الحاجَةِ إلى استخدام المواد الكيميائية القوية مثل الأحماض؛ مما ساعد على تقليل الطاقة المستهلَكة، وهذا يعزز من استدامتها بشكل عامّ.
في الختام، لا يمكن أنْ نغفل ما لهذه الابتكارات من مستقبل أخضر، وهذا في سبيل جعل حياة الناس أكثر استدامةً، وبما يضمن لهم الحفاظ على بيئتهم ومواردها، وذلك في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة.