النجاحات المناخية بساحات القضاء في عام 2024
النجاحات المناخية بساحات القضاء في عام 2024
منذ بدايته -حتـى الآن- شهد العام 2024 نجاحًا ملحوظًا في قضية المناخ والمدافعيـن عنها بمحاكمَ عديدةٍ حول العالم؛ ففي إبريل -على سبيل المثال- قضت «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان» بأنَّ سويسرا تتحمل مسئوليةً بموجب القانون الأوروبيّ لمكافحة تغير المناخ. وفي شهر مايو قالت «المحكمة الدولية لقانون البحار» -التابعة للأمم المتحدة- بأنَّ جميعَ البلاد يقع عليها التـزام قانونيّ بحماية المحيطات من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراريّ العالمـيّ.
هذه كانت أحدثَ الانتصارات في المعركة المناخية القانونية المستمرة بشأن فرض إجراءات تَحدُّ من تغيـر المناخ. ولعل هذه الانتصارات واحدةً من أبرز المحفزات التي تدفع كثيـرًا من الأفراد والمجموعات -حتـى الدول المتضررة من تغيـر المناخ- للجوء إلى ساحات المحاكم؛ لإجبار الحكومات ومنتجِـي الوقود الأحفوريّ على أخذ إجراءات سريعة وحاسمة تتصدى للتغيـر المناخيّ؛ لذا يقول الخبـراء: إنَّ عام 2024 سيكون عامًا محوريًّا في قضايا المناخ، لما نشاهده من قضايا كبيـرة ومتعددة في مختلف المحاكم في جميع أنحاء العالم.
تسارع وتيرة التقاضي
قال «أندرو راين» «نائب مدير قسم القانون في برنامج الأمم المتحدة للبيئة»: «لقد شهدنا موجةً متسارعةً من الدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ في قاعات المحاكم الوطنية والإقليمية، وهو الأمر الذي لَحَظْنَا تسارعَ وتيرته -بشكل مضطرد- في الأعوام السبعة الأخيـرة، إلَّا إنَّ هذا العامَ له أهمية خاصة، حيث بدأت تلك الدعاوى القضائية -لأول مرَّة- في شق طريقها إلى المحاكم والهيئات القضائية الدولية».
لذا، ليس مستغرَبًا أنْ تكون دولةً جزريةً صغيـرةً مثل «أنتيجوا وباربودا» -الواقعة في منطقة البحر الكاريبـيّ- في طليعة الدول المناضلة في ساحات المحاكم لأجل قضية المناخ، حيث أيدت قرارَ الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يطلب من محكمة العدل الدولية التدخل لضمان وفاء الدول بالتزاماتها المتعلقة بمواجهة تغيـر المناخ.
ومِن الجدير بالذِّكْرِ، هو أنَّ هذه الدولة الصغيـرة تعاني الآن من طقس شديدة القسوة بشكل متزايد؛ ففي عام 2017 دمر إعصار «إيرما» البلدَ الذي يبلغ عدد سكانه 93 ألف نسمة، تاركًا له فاتورةَ تَعَافٍ تبلغ 220 مليون دولار أمريكيّ. وفي الوقت نفسه، تسببت المياه الدافئة في تبييض عديدٍ من الشعاب المرجانية، في حيـن تسببت مياه البحر المرتفعة في تآكل الشواطئ وإلحاق الضرر بصناعة السياحة، التـي تُعدُّ مصدرًا رئيسيًّا للدخل القوميّ في هذا البلد الصغيـر.
كشف تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة العام الماضـي أنَّ عدد حالات التقاضي بشأن تغيـر المناخ ارتفع إلى 2180 قضيةً في عام 2022، مقارنةً بـ 884 قضيةً في عام 2017. وقد تنوعت هذه القضايا ما بيـن دعاوى عدم إنفاذ القوانيـن والالتزامات المتعلقة بالمناخ، ومحاولة القضاء على صناعة الوقود الأحفوريّ، وتحميل الشركات العاملة في هذا القطاع مسئولية الأضرار التـي تلحق بالبيئة.
السعي وراء العدالة المناخية
تشمل المجموعاتُ الساعيةُ إلى الحصول على أحكامٍ قضائيةٍ مناصِرةٍ لقضية المنَاخ دولًا مثل أنتيجوا وبربودا، التي تُعدُّ جزءًا أساسيًّا من تحالفاتٍ مثل تحالف الدول الجزرية الصغيـرة. كما تشمل هذه المجموعاتُ مدنًا مثل باريس وبروكسل، وبعضَ مؤسسات المجتمع المدنيّ، والسكانَ الأصلييـنَ في مناطقَ عِدةٍ.
تناضل هذه المجموعات في ساحات القضاء، لتحقيق العدالة المنَاخية، وضمان الحد من تأثرها بتبعات التغيـر المناخيّ، مثل تهديد سلامة الأمن الغذائيّ، وتهجيـر السكان من مَواطنهم، والقضاء على النظم البيئية التي تمثل مصدرَ دخْلٍ أساسـيّ في مجتمعات كثيـرة.
لكنَّ السؤالَ الذي يطرح نفسه هنا، هو: هل يُشير ارتفاعُ عدد قضايا المناخ في مختلف المحاكم إلى حقيقة مفادها أنَّ الدبلوماسية المنَاخية الدولية فشلت؟ يمكننا الإجابة عن هذا السؤال بقولنا: إنَّ الادعاء القائل بأنَّ هذا النوع من القضايا من شأنه أنْ يقوض اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيـر المنَاخ – هو مجرد محاولة لتشتيت الانتباه، كما أنَّ التقاضـي لا يعنـي -بالضرورة- فشل الدبلوماسية المنَاخية، وإنما كلاهما ضروريّ لتحقيق الأهداف.
التقدم في الدبلوماسية المناخية
من السابق لأوانه تبنـي وجهة نظر ترى فشل الدبلوماسية المنَاخية المتعددة الأطراف؛ فالتقدم البطيء في تحقيق الأهداف المنَاخية لا يزال تقدمًا في نهاية المطاف، كما أنَّ كثيـرًا من الدعاوى القضائية الخاصة بالمنَاخ تركز -بشكل كبيـر- على إلزام الحكومات بالاستجابة السريعة، التـي تسمح بتحقيق أهداف اتفاقية باريس.
يجب أنْ نشير هنا أيضًا إلى أنَّ السنوات الأخيـرة قد شهدت دعمًا واضحًا للقوانيـن والتشريعات البيئية، حيث اعترفت 159 دولةً بالحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة في تشريعاتها ودساتيرها. وفي الوقت نفسه، فتحت المحاكم والهيئات القضائية البيئية في 67 دولةً -على أقل تقدير- أبوابها أمام مختلف الدعاوى؛ مما سمح بمقاضاة الشركات المحلية التـي تخالف القانون وتضر بالبيئة.
إنَّ التقاضـي المناخيّ أصبح أداةً قويةً يشتد تأثيـرها مع الوقت، والأمثلة على دعوات التقاضي المنَاخية الناجحة كثيـرة، ومنها -على سبيل المثال- القضية التي أقامتها «منظمة السلام الأخضر» للتشكيك في دستورية السياسات المكسيكية، التي من شأنها الحد من استخدام الطاقة المتجددة، حيث زعمت المنظمة أنَّ هذه السياسات يمكن أنْ تقوض -بشكل كبيـر- جهودَ المكسيك في تحقيق أهداف خفض الانبعاثات. وكان لهذه القضية -دون شك- دور ملموس في إعادة نظر المكسيك في سياساتها.
مثال آخر، هو اعتراف المحكمة العليا في البرازيل باتفاقية باريس، باعتبارها معاهدةً لحقوق الإنسان، وتتمتع بوضع «فوق وطنـيّ»؛ أي أنَّ لها قوةً تفوق القوانيـن الوطنية. وعلى جانب آخرَ، أمرت محكمة هولندية شركةَ «شل» للنفط والغاز بالامتثال لاتفاقية باريس، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45٪ بحلول عام 2030، إلى غيـر ذلك من القضايا المهمة.
يمكن القول -بشكل عامّ- إنَّ التقاضـي المناخيّ أصبح جزءًا مهمًّا من استراتيجيات مكافحة تغير المنَاخ وحماية البيئة؛ لما يقدمه من حلول تعمل على دفع الحكومات إلى الوفاء بتعهداتها المنَاخية، وتعزز الجهود العاملة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.