خطى مستدامة

جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2025 لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام

النمو الأقتصادي

جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2025 لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام

النمو الاقتصادي ليس مقياسًا لزيادة الإنتاج أو ارتفاع الدخل القومي فحسب، بل هو أيضًا مقياس لقدرة المجتمعات على الازدهار دون أن تُرهق كوكب الأرض، ومن هذا المنطلق تبرز جائزة نوبل بوصفها وسامًا علميًّا ومنصة عالمية لتكريم الفكر الخلَّاق وتوجيه أنظار الشعوب نحو الحلول التي تبني السلام والعدل والمعرفة والتنمية.

وعلى مدى أكثر من قرن أسهمت جائزة نوبل في دعم العلم والمعرفة، حيث شكَّل الفائزون بنوبل -في الاقتصاد والعلوم والطب والأدب والسلام- خريطةَ طريقٍ إلى عالم أكثر عدلًا وكفاءة، عالم يعالج قضايا الفقر والمناخ والتعليم والصحة والحوكمة، ويعزز قدرات الإنسان على التكيف والابتكار في مواجهة أزمات الكوكب.

وهذا العام -عام 2025- عادت جائزة نوبل في الاقتصاد لتذكِّر العالم بأنَّ جوهرَ التقدم لا يكمن في المال وحده، بل في الفكرة التي تغيِّر مسار الإنسان في كل مكان؛ لذلك جاءت جائزة نوبل هذا العام من نصيب ثلاثة من روِّاد الفكر الاقتصادي، الذين أعادوا رسمَ مفهوم النمو الاقتصادي من جديد، وهو ما تلقي مؤسسة حماة الأرض الضوءَ عليه في السطور القادمة؛ فتابعوا القراءة.

نوبل في الاقتصاد

لقد جاء قرار الأكاديمية الملكية السويدية تتويجًا لأبحاثٍ سعت إلى تفسير كيف يمكن للمعرفة، والتكنولوجيا، والخيال الإنساني أنْ تصنع اقتصادًا أكثر كفاءة وعدلًا، دون أن تُثقل كاهل الأرض بمزيد من الانبعاثات أو الفوارق الاجتماعية.

وذلك بفوز كلٍّ مِن: “فيليب أجيون” و”بيتر هاويت” عن نظريتهما في النمو المستدام من خلال مفهوم “الهدم الخلَّاق”، وذلك مناصفةً بينهما وبين “جويل موكير”، الذي فاز بالجائزة لتحديده المتطلبات الأساسية للنمو المستدام في الاقتصاد من خلال التقدم التكنولوجي.

ويقوم مبدأ التدمير الخلاق (بالإنجليزية: creative destruction) على فكرة أنَّ الابتكار الحقيقي لا يضيف الجديد فقط، بل يستبدل القديمَ بما هو أذكى وأكثر استدامة؛ فكما تتجدد الطبيعة -من خلال إعادة توزيع مواردها- يتجدد الاقتصاد أيضًا عبر تفكيك ما استُهلك من أدوات، وإعادة بنائه على أسس أكثر استدامة.

وهذه الفكرة تفتح بابًا واسعًا أمام النمو الاقتصادي المستدام، عبْر تحوُّلِ أنماط الإنتاج الملوِّثة والمستهلِكة للطاقة إلى اقتصادات خضراء؛ تلك الاقتصادات التي تعتمد على الطاقة المتجددة والتحول الرقمي المسئول.

نوبل في الاقتصاد

الثقافة لأجل النمو الاقتصادي

أمَّا الوجه الآخر لجائزة نوبل هذا العام فكان لتأكيد أنَّ الابتكار لا يُولد في الفراغ، بل في ثقافة تؤمن بالمعرفة والتجريب؛ إذْ بيَّنت أبحاثُ الفائزين الثلاثة في الاقتصاد أنَّ المجتمعات التي ازدهرت في التاريخ لم تفعل ذلك بفضل مواردها الطبيعية فقط، بل لأنها شجَّعت العقولَ على السؤال والمغامرة، واحتضنت مؤسساتٍ تدعم التعليمَ، وتكافئ البحثَ العلمي.

وإذنْ، فإنَّ النمو الاقتصادي المستدام لا يبدأ من المصانع أو الأسواق، بل من المدارس والمختبرات والمراكز العلمية، حيث يتحول الفضول الفردي إلى قوة إنتاجية، ويتحول البحث العلمي إلى سياسة وطنية شاملة؛ وتلك هي الشروط التي تُمهِّد الطريقَ نحو اقتصادٍ قادرٍ على التجدد، ومجتمعٍ قادرٍ على العيش ضمن حدود كوكبه.

الابتكار المستدام

أيضًا أظهرت جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2025 أنَّ المستقبل الاقتصادي للعالم لن يُقاس بعدد المصانع أو كميات الإنتاج، بل بقدر ما تُسهم به التكنولوجيا في تحقيق الرفاه الإنساني وتقليل الأثر البيئي؛ لأنَّ الذكاءَ الاصطناعي والطاقةَ المتجددة والزراعةَ الذكية -وهي أبرز ملامح التحول العالمي المستدام- ليست مظاهرَ رفاهٍ، بل أدوات ضرورية لتصحيح مسار النمو.

وذلك ما يفرض على الدول الطامحة إلى تحقيق قفزة كبيرة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الشاملة -مثل مصر- أنْ تبني استراتيجياتها الاقتصادية على محاور واضحة، ومِن بين أبرز هذه المحاور هي إرساء ثقافة وطنية للابتكار.

وتبدأ هذه الثقافة الوطنية من التعليم وتصل إلى الصناعة، فضلًا عن دعم الشركات الناشئة في مجالات الاقتصاد الأخضر، وتشجيع البحث العلمي التطبيقي، الذي يربط الجامعة بسوق العمل، مع وضع سياسات مالية تُكرِّم الصناعات المستدامة، وتُقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

النمو الاقتصادي المستدام

لقد أكدت جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2025 أنَّ العالم يمر بمرحلة مراجعة شاملة لمفاهيمه الاقتصادية؛ فما عاد التقدم منحصرًا في مؤشرات الناتج المحلي، بل في مؤشرات أكثر إنسانية: جودة التعليم، العدالة الاجتماعية، استدامة الموارد، وانخفاض الانبعاثات؛ أي أنَّ الابتكار هو روح النمو الاقتصادي، وأنَّ التنمية الحقيقية لا تنفصل عن المعرفة، ولا تستقيم دون العدالة البيئية.

ومن هذا المنطلق، تؤمن مؤسسة حماة الأرض بأنَّ طريق المستقبل لا يُعبَّد بالشعارات، بل بالسياسات الذكية التي تُحوِّل الابتكار إلى ممارسة يومية، وتُعيد تعريف الثروة على أنها قدرة المجتمع على الإبداع دون أن يُدمِّر موارده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى