اليوم الدولي للطاقة النظيفة يكافح الوقود الأحفوري
اليوم الدولي للطاقة النظيفة يكافح الوقود الأحفوري
أصبح تغير المناخ واقعًا مؤثرًا في حياتنا اليومية بشكل مباشر، وليس مجرد أرقام وإحصاءات؛ لأنَّ ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف الشديد، والرياح القوية هي ظواهر تهدد وجودنا على هذا الكوكب، حيث يأتي التحول إلى الطاقة النظيفة باعتباره ضرورة ملحة؛ من أجل ضمان حياة صحية ومستدامة.
لماذا نتحول إلى الطاقة النظيفة؟
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة ينتج عن حرق الفحم والنفط والغاز أكثر من 75% من انبعاثات الغازات الدفيئة، وحوالي 90% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ولتجنب الآثار السلبية لتغير المناخ يجب خفض تلك الانبعاثات بمقدار النصف -تقريبًا- بحلول عام 2030، والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050.
وفي هذا السياق يحتفل العالم اليوم -26 يناير- باليوم الدولي للطاقة النظيفة، ذلك اليوم الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة يومًا دوليًّا في 26 يناير عام 2009، وهو تاريخ تأسيس الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، التي أُسست لدعم تحول جميع البلدان نحو الطاقة الجديدة؛ لذا يأتي هذا الاحتفال ليذكرنا بأهمية هذه القضية، ويتيح لنا فرصةً لتوضيح أهمية هذا الأمر، وتسليط الضوء على الجهود المبذولة لتحقيق مستقبل أكثر استدامة.
ذلك لأنَّ كل منزل في العالم يُعدُّ مصنعًا للطاقة، وبدلًا من الاعتماد على مصادر طاقة محدودة ومتقلبة، يمكننا توليد الطاقة التي نحتاجها من مصادر لا تنفد مثل الشمس والرياح. وهذا التحول من شأنه أن يوفر الطاقة اللازمة لأنشطتنا اليومية بأسعار معقولة للجميع، ويقلل من اعتمادنا على الوقود الأحفوري الذي يضر بالبيئة.
وعلى الرغم من أن الوقود الأحفوري لا يزال يمثل أكثر من 80 % من إنتاج الطاقة العالمي، فإن الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة يشهد نموًّا متزايدًا، حيث تصل حصة الكهرباء المولدة من مصادر متجددة الآن إلى 29% من حصة الكهرباء العالمية. وهذا التحول يرجع إلى عدة أسباب، منها أنها متوفرة في كل مكان ولم تستغل إمكاناتها بالكامل.
ولهذا أشارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن 90% من كهرباء العالم يمكن أن تُنتج من الطاقة النظيفة بحلول 2050. وهذه المصادر تمنح الدول القدرة على تقليل الاعتماد على الواردات، وتنويع اقتصاداتها، وحمايتها من تقلبات الأسعار؛ مما يعزز النمو الاقتصادي، ويوفر فرص عمل جديدة؛ لذا وجب تسريع التحول إلى الطاقة النظيفة.
كيف نشارك في بناء مستقبل مستدام؟
إن التحول نحو الطاقة النظيفة هو هدف يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف بشكل متكامل، فمن المعلوم أنه لا يمكن لأي جهة أن تحقق هذا الهدف بمفردها؛ فالحكومات تؤدي دورًا أساسيًّا في وضع السياسات والتشريعات، التي تشجع على الاستثمار في الطاقة المتجددة؛ مما يخلق بيئة ملائمة لتطوير مشروعات جديدة.
ولتحقيق هذا الهدف تسعى الحكومات في مختلف البلدان إلى تسريع هذا التحول، ومن بين هذه المساعي ما تُقدمه مصر من جهود في مجال الطاقة النظيفة، فهي رائدة في هذا المجال عربيًّا، وتحتل المركز الثالث إفريقيًّا في توليد الكهرباء عن طريق الطاقة النظيفة حسب تقرير وكالة الطاقة الدولية، وهذا بمعدل 12% من مصادر توليد الطاقة.
ومن أبرز الأمثلة على ريادتها أنها أقامت عديدًا من المشروعات الكبرى على المستوى المحلي والعالمي، مثل مشروع بنبان للطاقة الشمسية أحد أبرز الأمثلة على هذه الجهود، حيث يُعد من أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم، ويضم 32 محطة بقدرة إجمالية تصل إلى 1465 ميجاوات.
وقد تبنت مصر استراتيجية الطاقة المستدامة، وهي استراتيجية طموحة للانتقال إلى الطاقة النظيفة، وتهدف إلى تحقيق 20% من احتياجاتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2022 و42% بحلول عام 2035. ولدعم هذا التحول تُقدم الحكومة حوافزَ ماليةً وإعفاءاتٍ ضريبيةً من خلال المنصة الوطنية للمشروعات الخضراء برنامج “نُوَفِّي“؛ مما يعزز من جذب الاستثمارات إلى قطاع الطاقة المتجددة.
وفي إطار هذا الدعم الحكومي الذي يوفر بيئة عمل مشجعة على الاستثمار، تأتي المؤسسات وشركات القطاع الخاص لتؤدي دورًا مهمًّا في التحول؛ إذ تستطيع -من خلال الاستثمار في البحث والتطوير- اكتشاف تقنيات جديدة تسهم في تقليل تكاليف الطاقة النظيفة، وزيادة كفاءتها.
ومن خلال تبني ممارسات إنتاج صديقة للبيئة، تسهم هذه المؤسسات في تقليل النفايات، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة في عملياتها، كما أن تطوير منتجات تعتمد على الطاقة النظيفة -مثل السيارات الكهربائية- يؤثر في زيادة الطلب على تلك الطاقة، وتغيير رؤية المجتمع لها.
ولا يكتمل نجاح هذا التحول إلا بمشاركة فعّالة من قِبل المستهلكين؛ فاختيارات الأفراد اليومية تؤثر بشكل مباشر في الطلب على الطاقة النظيفة، فعندما يختار المستهلكون استخدام المنتجات المستدامة أو يفضلون وسائل النقل المستدامة، فإنهم يعبرون عن دعمهم للطاقة المتجددة؛ مما يشجع الشركات على الاستثمار في مثل هذه الاتجاهات.
إذنْ، فإنَّ الأدوار في التحول إلى الطاقة النظيفة متكاملة ومترابطة، فالشركات توفر التكنولوجيا والمنتجات، والدول توفر الدعم والتشريعات، والأفراد هم المحرك الرئيسي لهذا التحول من خلال قراراتهم اليومية.
وفي الختام فإنَّ حماة الأرض تؤمن بأن اليوم الدولي للطاقة النظيفة ليس مجرد مناسبة، بل هو دعوة إلى العمل الجاد والتغيير الإيجابيّ؛ فالتحول إلى الطاقة المتجددة أصبح ضرورة ملحة لحماية كوكبنا ومستقبل أجيالنا القادمة.