خطى مستدامة

اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية تاريخ مستدام

اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية تاريخ مستدام

يبدو أنَّ شعوب العالم في السنوات الأخيرة شديدة الاهتمام بكل ما يعزز جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة الشاملة، وهو ما يجعلنا نتطلع إلى مكافحة كل صور التراجع الإنسانيّ على مستوى هذه الأهداف العالمية؛ لذا أصبح واجبًا على الجميع -حكومات وشعوب- أنْ ينظر في تحويل كل فرصة ممكنة إلى واقع مستدام في حياة الناس، وذلك ما يعبر عنه أصدق تعبير مفهوم العدالة الاجتماعية.

لذلك سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال معنى العدالة الاجتماعية في سياق التنمية المستدامة، مع تسليط الضوء على الخلفية التاريخية لليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، الذي تحتفل به دول العالم في 20 فبراير من كل عام. كما ستناقش -أيضًا- جهودَ مصر في هذا المجال، ومقدار ما قدَّمته من دعم إلى الفئات الأكثر احتياجًا.

ويأتي ذلك في ظل ما تقدمه حماة الأرض من جهود نشر الوعي بأهداف التنمية المستدامة، فقد تناولت سابقًا مفهومَ العدالة الاجتماعية من زوايا أخرى ضمن سلسلتها الشهيرة سلسلة فيديوهات “يعني إيه؟”، فضلًا عن دورها في إبراز هذا المفهوم بأسلوب بسيط من خلال سلسلة مقالات “ما..؟”؛ لذا تابعوا قراءة المقال، وتعرفوا كيف يساعد اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية على جعل العالم أكثر استدامةً.

سياق تاريخي ودولي

لقد بدأت فكرة تخصيص يوم عالميّ للعدالة الاجتماعية استجابةً للتحديات التي فرضتها العولمة، ومعالَجةً للتفاوت الاجتماعيّ بين كثير من شعوب العالم، وهو ما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى الإعلان في يوم 26 نوفمبر 2007 عن تحديد يوم 20 فبراير من كل عام للاحتفال باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية.

هذا الإعلان جاء استنادًا إلى الاعتراف بأهمية العدالة الاجتماعية لتحقيق الاستقرار والسلام العالميينِ، ولكونها حجرَ الأساس في جهود تنمية المجتمعات على نحوٍ متوازنٍ يضمن حقوق الجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية أو الاجتماعية.

ولم يكن هذا الإعلان بمعزل عن الجهود الدولية السابقة التي سعت إلى ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية، فقد سبقته وثائق رئيسية، مثل إعلان فيلادلفيا عام 1944، الذي ركز على الحقوق الأساسية للعمال، وإعلان منظمة العمل الدولية عام 2008، الذي تناول قضية العدالة الاجتماعية من أجل حياة عادلة، والذي يمثل رؤية حديثة لدور منظمة العمل الدولية في دعم العمالة اللائقة.

ولا تزال هذه المبادئ تشكل جوهر الجهود الدولية الساعية إلى تحقيق أهداف التّنمية المستدامة، وهو ما يظهر في الهدف (8) الذي يركز على توفير عمل لائق ونمو اقتصاديّ شامل، والهدف (10) الذي يسعى إلى تقليل الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين الأفراد والمجتمعات.

ركيزة أساسية لتحقيق تنمية مستدامة

من بين أكثر المحاور أهميةً في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية: الانتقال العادل، الذي يربط العدالة الاجتماعية بالتّنمية المستدامة، وهو مفهوم يشير إلى ضرورة تنفيذ سياسات بيئية واقتصادية واجتماعية تحقق التوازن بين قضايا البيئة والمناخ وضمان عدم تضرر الفئات الفقيرة بالتغيرات التي تتسبب فيها مثل هذه القضايا العالمية.

وإنَّ تحقيق مثل هذا الانتقال العادل يستلزم توفير برامج تدريبية -على سبيل المثال- من أجل إعادة تأهيل العمال في القطاعات التي تتأثر بالتغيرات العالمية، لا سيما في الصناعات التقليدية كثيفة الكربون. ومن خلال هذه البرامج يمكن للعمال اكتساب مهارات جديدة تتناسب مع متطلبات الاقتصاد الأخضر؛ مما يضمن عدم فقدانهم لمصادر دخلهم نتيجة للتحولات الاقتصادية.

ويتطلب تحقيق الانتقال العادل -بالإضافة إلى ما سبق- توفير سياسات حماية اجتماعية قوية، وتشمل هذه السياسات تأمينات ضد البطالة، ودعمًا ماليًّا مؤقتًا للعاملين المتأثرين بكل التغيرات العالمية، إلى جانب تشجيع الاستثمارات في القطاعات المستدامة، مثل الطاقة المتجددة، وإعادة التدوير.

وكل ما سبق نهجٌ لا يضمن الحدَّ من معدلات الفقر والتفاوت الاجتماعي فقط، وإنما يعزز -أيضًا- من قدرة الاقتصادات على مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية؛ فيمكننا حينئذٍ تحقيق نمو مستدام يؤثر تأثيرًا إيجابيًّا في حياة الشعوب كلها.

مصر والعدالة الاجتماعية

في مصر يشكل تحقيق العدالة الاجتماعية أحدَ الركائز الأساسية لـ”رؤية مصر 2030″، التي تتوافق ركائزها مع الأجندة العالمية للتنمية المستدامة. ومن أبرز المبادرات التي سعت إلى تعزيز مؤشرات العدالة الاجتماعية “مبادرة حياة كريمة”، التي أُطلقت في عام 2019، حيث استهدفت تحسينَ مستوى المعيشة في الريف المصريّ، وهذا بتطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وإتاحة فرص عمل للشباب.

وتعكس هذه المبادرة -مبادرة حياة كريمة- التزام الدولة المصرية بتحقيق توزيع عادل للموارد بين المواطنين دون أدني تمييز؛ مما يجعلها واحدة من أكبر المشروعات التنموية، التي تعكس جهود مصر الملموسة في مجال تحقيق أهداف التّنمية المستدامة.

وإلى جانب “حياة كريمة” تم إطلاق “برنامج تكافل وكرامة“، الذي يهدف إلى تقديم دعم نقديّ مباشر إلى الأُسر الفقيرة وكبار السن وذوي الإعاقة؛ من أجل ضمان حصولهم على حياة كريمة، وتعزيز دمجهم بالمجتمع.

تحديات العدالة الاجتماعية وفرصها

مع تزايد الترابط الاقتصاديّ بين الدول -بسبب العولمة- برزت تحديات جديدة تتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث أسهمت العولمة في خلق فرص اقتصادية هائلة من خلال التجارة والاستثمار والتكنولوجيا، إلا إنَّها في الوقت ذاته أدت إلى تفاقم التفاوت بين كثير من المجتمعات، حيث لا تزال دول نامية تواجه صعوبات في تحقيق تكافؤ الفرص بين مواطنيها؛ بسبب القيود الاقتصادية، وعدم القدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.

وكل تلك التحديات تفرض علينا تبني سياسات عادلة، تضمن توزيع الفوائد الاقتصادية والاجتماعية بطريقة أكثر إنصافًا، من خلال تطبيق نظم ضريبية عادلة، وتحفيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية التي تعزز النمو الشامل.

ولذلك تعمل مؤسسات دولية كثيرة على تنفيذ جهود من شأنها أنْ تُحقق التوازن بين التّنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. ومن هذه المؤسسات منظمة العمل الدولية والبنك الدولي، وهما يساعدانِ على تطوير استراتيجيات تدعم سياسات العمل اللائق، وتتيح برامج تدريبية تساعد الأفراد على التأقلم مع المتغيرات العالمية.

في الختام، تدرك حماة الأرض أنَّ العدالة الاجتماعية نبضٌ يحرك عجلة التّنمية، التي تُعدُّ مسارًا يضمن لنا جميعًا النجاح والتكافؤ في الفرص، حيث يجب ألَّا يتخلف أحد عن الرَّكْب؛ وذلك كله هو جوهر أهداف التّنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى