صناعات مستدامة

تحول صناعة السيارات الأوروبية نحو الاستدامة

تحول صناعة السيارات الأوروبية نحو الاستدامة

تشهد صناعة السيارات الأوروبية تحولًا استراتيجيًّا يتوافق مع التوجهات العالمية نحو التنمية المستدامة، عبر تقليل الانبعاثات وتعزيز الابتكار وتوفير وظائف لائقة، بما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خصوصًا في مجالات المناخ، والنمو الاقتصادي، والصناعة المستدامة.

وفي هذا الإطار، تسلط حماة الأرض الضوء على أبرز ما ورد في الوثيقة التي أصدرتها المفوضية الأوروبية بتاريخ 5 مارس 2025، التي تمثل نقطة تحوّل في رؤية الاتحاد الأوروبي لمستقبل صناعة السيارات، حيث تعد خارطة طريق نحو اقتصاد مستدام، يُوازن بين الطموح المناخي والتنافسية العالمية.

ذلك لأنَّ صناعة السيارات تمثل ركيزة للازدهار الأوروبي؛ إذ تُسهم بما يقرب من تريليون يورو في الناتج المحلي الإجمالي، وتمثل ثلث الاستثمارات في البحث والتطوير، وتوفر فرص عمل لـ13 مليون شخص، فيما يستحوذ المصنعون الأوروبيون على أكثر من 40% من سوق الشاحنات العالمي.

وتتجه المفوضية الأوروبية إلى تحويل صناعة السيارات نحو الاستدامة من خلال خطة عمل شاملة ترتكز على خمسة محاور، هي: الابتكار والرقمنة، والتنقل النظيف، وتعزيز التنافسية ومتانة سلاسل الإمداد، وتطوير المهارات وإدماج البعد الاجتماعي، وتكافؤ الفرص وضمان بيئة عمل عادلة، وقد شاركت أكثر من 100 جهة معنية في مشاورات استمرت من 30 يناير حتى 20 فبراير من هذا العام؛ مما أضفى على الخطة عمقًا يتناول التحديات المصاحبة للتحول الهيكلي في قطاع صناعة السيارات. وفيما يلي سوف نتناول تفاصيل هذه المحاور الخمسة، وعلاقتها بالتنمية المستدامة.

الابتكار والرقمنة

تسعى أوروبا إلى استعادة ريادتها في مجال السيارات الموصلة والقيادة الذاتية، حيث يُتوقع أن تضيف تقنيات القيادة الذاتية قيمة اقتصادية تصل إلى 400 مليار يورو بحلول 2035. وللتعامل مع التحديات الحالية، سيتم إنشاء بيئات اختبار ومسارات للقيادة الذاتية اعتبارًا من عام 2026. وتدعم المفوضية أيضًا الاستثمارات في تقنيات الشرائح الدقيقة والذكاء الاصطناعي، التي تُعتبر من الركائز الأساسية لتحقيق تحول صناعة السيارات نحو الاستدامة.

وفي هذا السياق، يُعتبر تطوير تكنولوجيا البطاريات حجر الأساس في خفض الانبعاثات وتعزيز الاستدامة البيئية، وقد خصصت المفوضية ميزانية تقدر بحوالي 350 مليون يورو للفترة من 2025 إلى 2027 -إضافة إلى تمويل يصل إلى مليار يورو لدعم أنشطة الابتكار- بهدف بناء اقتصاد صناعي أخضر يدمج بين التقدم التكنولوجي والاستدامة البيئية والاجتماعية.

التنقل النظيف

يُعد النقل البري مصدرًا لحوالي ربع انبعاثات الغازات الدفيئة في الاتحاد الأوروبي؛ مما يفرض على أوروبا إيجاد حلول لخفض هذه الانبعاثات. وقد شهدت مبيعات السيارات الكهربائية تقلبات ملحوظة؛ حيث ارتفعت بمعدل ستة أضعاف بين 2019 و2023، ثم تراجعت بنسبة 5.6% بين 2023 و2024، قبل أن تعود للارتفاع بنسبة 15% بدايةَ العام الجاري.

واستجابةً لهذه التحديات، تعتزم المفوضية الأوروبية إدخال تعديلات مرنة على معايير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفترة من 2025 إلى 2027، مع دعم الاستثمار في البنية التحتية للوقود البديل بمبلغ 570 مليون يورو. وتُمثل هذه الإجراءات خطوة مهمة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال استدامة قطاع النقل وتقليل تأثيره البيئي.

مرونة سلاسل الإمداد

تواجه صناعة السيارات الأوروبية تحديات في إنتاج السيارات الكهربائية، خاصة فيما يتعلق بالبطاريات التي تمثل 30% إلى 40% من قيمة السيارة. وتستهدف الخطة تحقيق قيمة مضافة تفوق 50% من صناعة البطاريات بحلول عام 2030، من خلال مبادرة “مُعزّز البطاريات” التي تقدم دعمًا ماليًّا يصل إلى 3 مليارات يورو.

وفي الوقت نفسه، تعمل المفوضية على ضمان توفير المواد الخام بأسعار تنافسية، ووضع خطط لإنشاء مركز للمواد الخام الحرجة في 2026؛ مما يعكس توجهًا نحو صناعة أكثر استدامة، تعتمد على تنويع المصادر، وتقليل الهدر، وتعزيز الاستقلالية؛ وذلك كله وفق مبادئ الاقتصاد الدائري.

الأبعاد الاجتماعية

ومن تحديات صناعة السيارات تفاوت المهارات، وتقدم أعمار القوى العاملة؛ لذا أطلقت المفوضية “مرصد الانتقال العادل الأوروبي” لجمع البيانات، وتحليل اتجاهات سوق العمل، وتقديم تعديلات تشريعية ضمن “صندوق العولمة الأوروبي – EGF”؛ من أجل دعم إعادة الهيكلة، والحد من البطالة.

ويأتي هذا التوجه ضمن الإطار الأوسع للتنمية المستدامة، الذي يُعلي من شأن العدالة الاجتماعية، ويؤكد على ألا يتسبب التحول الصناعي في تهميش فئات بعينها، كما أنه يسهم في تحقيق الهدف (8) من أهداف التنمية المستدامة “العمل اللائق ونمو الاقتصاد”.

تكافؤ الفرص

وفي هذا السياق، تؤكد المفوضية الأوروبية أن استثمار المواهب وتنمية المهارات يشكلان حجر الزاوية في بناء انتقال عادل وشامل نحو مستقبل مستدام لصناعة السيارات. وتولي الخطة الأوروبية اهتمامًا لتوفير التدريب والدعم اللازمين للعمال الذين تأثروا بتغيرات القطاع، من خلال مبادرات مثل “ميثاق المواهب الأوروبية” و”الصفقة الاجتماعية الأوروبية”، إلى جانب تعزيز دور العمال والمجتمعات المحلية في صنع القرار عبر الحوار الاجتماعي.

وبناء على ما تقدم ترى حماة الأرض أن هذه الخطة تشكّل خطوة استراتيجية نحو مستقبل صناعي مستدام، يُوازن بين الابتكار والعدالة والمنافسة العالمية. ومع هذا التوجّه الشامل ترسّخ أوروبا مكانتها باعتبارها قوة محركة لاقتصاد نظيف، وتؤسس لنموذج يُلهم العالم في ربط الصناعة بالتنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى