علوم مستدامة

تقليل البصمة المائية.. خطوات عملية لحماية موارد المياه

تقليل البصمة المائية.. خطوات عملية لحماية موارد المياه

تشهد البيئة من حولنا تحولات جذرية نتيجة الضغوط المتزايدة على الموارد الطبيعية، حيث لم يعد استهلاكنا للأشياء مجرد مسألة فردية، وإنما بات يحمل أبعادًا بيئية واقتصادية عميقة؛ فكل ما نأكله أو نرتديه أو نستخدمه في حياتنا اليومية يرتبط بسلسلة طويلة من العمليات، التي تستنزف موارد كوكبنا، وعلى رأسها المياه.

ومع تفاقم أزمات الشح المائي، أصبح من الضروري أن نعي حجم الأثر الذي تتركه اختياراتنا في البيئة، وأن نبحث عن سبل للعيش بأسلوب أكثر توازنًا ومسئولية، ومن هنا تتناول حماة الأرض في هذا المقال مفهومًا بيئيًّا مهمًّا يساعدنا على فهم الكميات الهائلة من المياه المستخدمة بشكل غير مباشر في إنتاج ما نستهلكه يوميًّا، وهو مفهوم البَصمة المائية.

هذا المفهوم يشكل أداة عملية لقياس تأثيرنا الحقيقي في الموارد المائية، ويوفر إطارًا يساعد الأفراد والمجتمعات على اتخاذ قرارات أكثر وعيًا تسهم في الحفاظ على هذا المورد الحيوي. وانطلاقًا من هذا الفهم، نستعرض في السطور التالية الجوانب الأساسية لهذا المفهوم، ونوضح كيف يؤثر استهلاكنا في حجم المياه المستخدمة، وما يمثله ذلك من تحديات وفرص لمستقبلنا البيئي.

ما البصمة المائية؟

البصمة المائية هي مقياس بيئي يوضح كمية المياه التي تُستهلك لإنتاج كل منتج أو خدمة نستخدمها، مثل بصمة الكربون التي تحدد تأثيرنا في البيئة من حيث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فهذه البصمة تُظهر مقدار المياه المستهلَكة في عملية الإنتاج، بدءًا من زراعة المحاصيل إلى تصنيع الملابس وإنتاج الوقود.

على سبيل المثال، يتطلب إنتاج كيلوجرام واحد من لحم البقر نحو 15 ألف لتر من المياه، وتختلف هذه الكمية بشكل كبير حسب ظروف الإنتاج، مثل نوع نظام الإنتاج، وتركيبة علف الأبقار. ويتم حساب هذه البصمة على مستوى الفرد أو المنتج، كما يمكن حسابها على نطاق أوسع، مثل البلدان أو الشركات الكبرى. وبشكل عام، تهدف البَصمة المائية إلى تعزيز الوعي بحجم المياه التي يحتاجها كل جانب من جوانب حياتنا اليومية، وبذلك تتيح لنا اتخاذ قرارات أكثر استدامة في استخدام المياه.

الوضع العالمي للمياه

الوضع العالمي للمياه يشير إلى تحدٍّ متصاعد نتيجة التغيرات المناخية، والنمو السكاني، وتلوث المياه. ووفقا لتقرير الأمم المتحدة فإنَّ عدد السكان سوف يصل إلى 10 مليارات إنسان بحلول عام 2050، ما يعني زيادة ضخمة في الطلب على المياه، ولا يمكننا الاعتماد على حقيقة أنَّ الماء يغطي نحو 70% من سطح الأرض فإنَّ 97.5% من هذا الماء مالح، في حين أنَّ 2.5% منه عذب.

وعلى ذلك يعيش ثلثَا سكان العالم في مناطق تعاني من شح مائي لفترات تمتد إلى شهر واحد من كلِّ عامٍ، في حين يعاني حوالي نصف مليار إنسان من هذه المشكلة طوال العام؛ لذا تواجه دول كثيرة صعوبات عديدة في إدارة موارد المياه، مثل منغوليا التي تسجل أعلى بصمة مائية في العالم بمعدل 10,000 لتر لكل إنسان يوميًّا، وتليها نيجيريا، ثم بوليفيا.

ولذلك تعرب الأمم المتحدة عن قلقها إزاء التدهور السريع في موارد المياه العذبة، معتبرةً الإفراط في الاستهلاك أحد أبرز التحديات البيئية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، كما أنَّ المنتدى الاقتصادي العالمي قد صنَّف أزمة المياه ضمن أخطر خمسة مخاطر عالمية منذ عام 2012.

وتدعو الأمم المتحدة إلى تبني إدارة عادلة وشفافة للموارد المائية، من خلال وضع حدود للبصمة المائية؛ حتى نضمن عدم تجاوز معدلاتُ الاستهلاك القدرةَ الطبيعيةَ للتجدد، وأنْ نحافظ على الحد الأدنى من المياه من خلال التوازن البيئي.

وترى الأمم المتحدة أنَّ معالجة هذه الأزمة تتطلب إجراءات متعددة، تبدأ بتحديد مؤشرات استهلاك المياه حسب المنتج، بما في ذلك الغذاء والملابس والوقود، بهدف تقييم كفاءة الإنتاج وتشجيع ممارسات أكثر استدامة. كما تدعو إلى تعزيز الشفافية في سلاسل الإمداد، وإلزام الشركات بالكشف عن مدى التزامها بالمعايير البيئية، إلى جانب تثقيف المستهلكين حول تأثير خياراتهم اليومية، وتحفيزهم على تقليل الهدر الغذائي واعتماد أنماط استهلاك أقل استخدامًا للمياه.

كيف يتم قياس البصمة المائية؟

تُقاس البصمة المائية وفقًا لعدة عوامل رئيسية، منها حجم استهلاك المياه في البلد وأنماط استهلاك السكان. وتختلف من دولة لأخرى حسب حجم الاقتصاد، وأساليب الزراعة والصناعة المتبعة؛ ففي الصين -على سبيل المثال- يبلغ متوسط البصمة المائية للفرد حوالي 1070 مترًا مكعبًا سنويًّا، وفقا لموقع “شبكة البصمة المائية – Water Footprint Network”.

ويُستخدم في قياسها منهجان رئيسيان:

الأول– تابع لشبكة البصمة المائية، ويركز على كمية المياه المستخدمة وتأثير الملوثات الناتجة عن إنتاج السلع.

والآخر– يتبع معايير شهادة (ISO)، التي تقيّم الأثر البيئي للمنتجات طوال دورة حياتها.

كيف يمكن تقليل البصمة المائية؟

يُعد تقليل البصمة المائية مسئولية جماعية تبدأ من الأفراد، وتمتد إلى المؤسسات والحكومات. وعلى المستوى الشخصي يمكن تبني عادات واعية، مثل تقليص استهلاك المياه أثناء الاستحمام، وإغلاق الصنبور أثناء غسل الأسنان أو اليدين، وهي خطوات صغيرة غير أنها فعّالة في تقليل الهدر.

أما على مستوى الشركات فإنَّ تبني ممارسات مستدامة في جميع مراحل الإنتاج هو أمر ضروري، حيث يمكن للمؤسسات إحداث فرق حقيقي من خلال تحسين إدارة المياه، سواء عبر إعادة استخدامها أو تدريب الموظفين على ترشيد الاستهلاك داخل بيئة العمل.

ولذلك كله تدعو حماة الأرض الجميع إلى تبني هذه الاستراتيجيات المستدامة؛ فكل خطوة صغيرة تسهم في تقليص بصمتنا المائية، وتحافظ على موارد المياه لنا وللأجيال القادمة، بالإضافة إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى