صناعات مستدامة

جزيئات القصدير تُنتج الفورمات لتعزيز قطاع الصناعة

جزيئات القصدير تُنتج الفورمات لتعزيز قطاع الصناعة

وسط تفاقم الأزمات الناجمة عن انبعاثات الغازات الدفيئة، يتجه العالم نحو ابتكار حلول مستدامة؛ ولهذا تسلط حماة الأرض في هذا المقال الضوءَ على دراسة علمية تكشف عن نهجٍ مبتكَر لمعالجة مثل هذه المشكلات المناخية، التي من أشدها إضرارًا بالبيئة: غاز ثاني أكسيد الكربون وانبعاثاته، التي تهدد صحة كوكب الأرض، وذلك من خلال جزيئات القصدير؛ الأمر الذي يعزز صناعة الفورمات المستخدم في تطبيقات صناعية متعددة.

الكربون من متهم إلى مصدر للطاقة

من المعروف عن ثاني أكسيد الكربون أنه من أكبر مسببات ظاهرة الاحتباس الحراري، وغيرها من الظواهر المناخية العالمية، أمَّا الآن فيمكننا أنْ نؤكد أنه قد يصبح مكونًا مهمًّا من مكونات عملية إنتاج الوقود من خلال عملية تُعرف باسم “تفاعل اختزال ثاني أكسيد الكربون”، وذلك بمساعدة جزيئات القصدير.

وفي البدء ينبغي أنْ نشير هنا إلى طبيعة الفُورمات ووظيفته (HCOO- Formate)، وهو مُركب كيميائيّ عديم اللون، وخالٍ من المواد السامة، ويُطلَقُ عليه ملح حمض الفورميك (HCOOH)، ويُستخدم في عدة صناعات، من أبرزها قطاع النفط، حيث يدخل -بفضل خصائصه الفريدة- في تحضير سوائل الحفر، ليساعد على تحقيق توازن الضغط في الآبار العميقة؛ مما يقلل من أخطار الانهيارات، ويحسّن من استقرار التجاويف الأرضية.

وإلى جانب ما سبق، تُضاف أملاح الفُورمات إلى سوائل الحفر في البيئات الباردة؛ لمنع تجمد المعدات والسوائل في أثناء عمليات الاستخراج البتروليّ، وهذا مع تقليل التأثير البيئيّ مقارنةً بالمُركبات التقليدية مثل الجليكول والكلوريدات. وكذلك تُستخدم محاليل الفُورمات -مثل فورمات البوتاسيوم والصوديوم- في أنظمة التبريد الصناعية؛ من أجل الحفاظ على درجات حرارة منخفضة دون التسبب في تآكل المعدات، بالإضافة إلى استخدامها في المطارات لإذابة الجليد المتراكم فوق المدارج بطريقة أكثر حفاظًا على البيئة.

أمَّا في قطاع الطاقة فيُحوَّل مُركبُ الفُورمات -في عملية تُسمى تحلل الفُورمات- إلى غاز الهيدروجين الذي يُستخدم وقودًا في عمليات توليد الكهرباء؛ مما يجعله خيارًا واعدًا لتخزين الطاقة، ونقلها بطريقة أكثر أمانًا وكفاءة.

نتائج مبهرة

في الدراسة التي نُشِرت في يناير الماضي من قِبل باحثين من كلية الكيمياء في جامعتَي نوتنجهام وبرمنجهام، ثبت أنه يمكن تعزيز إنتاجية مُركب الفُورمات من خلال دمج جزيئات القصدير مع دعامة كربونية نانوية تسهم في تحفيز تحول هذه الجزيئات -أي جزيئات القصدير- إلى جزيئات نانوية في أثناء تفاعلها مع ثاني أكسيد الكربون.

وبشكل أكثر تفصيلًا فقد اعتمدت الدراسة على استخدام ألياف كربونية نانوية خضعت لمعالجة حرارية دقيقة، لتكون الدعامة المثالية لترسيب جزيئات القصدير. وتم تطبيق تقنية الترسيب الكهروكيميائيّ باستخدام محلول كلوريد القصدير اللامائيّ، مع إضافة حمض الكبريتيك وصوديوم السيترات، وهذا باعتبارهما عاملينِ مساعدينِ على تعزيز ترسيب القصدير بشكل متجانس.

وقد رُوقِبَت التغيرات البنيوية للمحفز باستخدام مجموعة من الأدوات التحليلية الدقيقة، التي أظهرت توزيعًا متساويًا للجزيئات النانوية فوق الدعامة الكربُونية. كما تم تحليل التركيب الكيميائيّ قبل التفاعل وبعده؛ مما وفَّر رؤى عميقة حول مدى تأثير التفاعل الكهروكيميائيّ في بنية المحفز.

هناك أظهرت النتائج زيادة ملحوظة في إنتاجية الفُورمات، حيث وصلت إلى نسبة تعادل إنتاج حوالي 230 ملليلتر في الساعة الواحدة من الفُورمات السائل من كل جرام من المحفز، وهي من بين أعلى القيم المسجلة في إنتاج الفُورمات. كما حافظ المحفز على نسبة نقاء شبه تامة لإنتاج الفُورمات.

وعلاوة على ذلك، أظهر المحفز استقرارًا ممتازًا على مدى 48 ساعة من التفاعل المستمر، حيث إنَّ كمية التيار الكهربائيّ المخصصة لإنتاج الفُورمات قد زادت بمقدار 3.6 مرَّات، وهذا مقارنة بالقيمة الأصلية مع مرور الوقت؛ مما يعني أنَّ النظام أصبح أكثر كفاءة في تحويل ثاني أكسيد الكربُون إلى فورمات.

ثورة صناعية خضراء

تفتح نتائج الدراسة السابقة آفاقًا واسعة لاستخدام هذه التكنولوجيا في تطبيقات صناعية واسعة النطاق، مثل إنتاج الوقود النظيف، وتخزين الطاقة المتجددة، كما يمكن أن تسهم في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربُون الناتجة عن القطاع الصناعيّ، مما يساعد على تحقيق أهداف الاستدامة البيئية.

وعلى الرغم من النتائج الواعدة، تظل هناك صعوبات تتعلق بتوسيع نطاق هذه التكنولوجيا في تطبيقات صناعية كبيرة؛ فلا تزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث، من أجل فهم الآليات الدقيقة لهذا العملية، وتحسين تصميم المحفزات، وذلك يتطلب تعاونًا بين الباحثين وقادة الصناعات.

خطوة إلى الأمام

إنَّ هذه الدراسة وما تقدمه من فكرة مبتكرة تُعدُّ تقدمًا ملحوظًا مقارنةً بالأبحاث السابقة، التي تهدف إلى تحويل ثاني أكسيد الكربُون إلى مُركبات كيميائية أولية، حيث أثبتت أن عملية تفتيت جزيئات القصدير يمكن أن تكون عاملًا محفزًا لتحسين الأداء عند إحداث توازن بين الجزيئات النانوية والدعامات الكربُونية.

ختامًا، فإنَّ لهذه التقنية مستقبلًا واعدًا في تعزيز كثير من القطاعات بخاصة القطاع الصناعيّ، حيث يمكنه تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ، وتعزيز مفاهيم الاقتصاد الدائريّ؛ وذلك كله يحقق أهداف التنمية المستدامة، ويُبقي كوكب الأرض أخضرَ ومستدامًا لجميع البشر في كل زمان ومكان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى