علوم مستدامة

ذوبان الجليد يسرع اختلال التيارات المحيطية

ذوبان الجليد

ذوبان الجليد يسرع اختلال التيارات المحيطية

يومًا بعد يوم تتسارع وتيرة التغيُّرات المناخية، والذي نراه ماثلًا في ذوبان الجليد وغيره من مظاهر الاحترار العالميّ؛ ولهذا صرنا في حاجَةٍ إلى أبحاث علمية تُعمق من نظرتنا إلى كوكب الأرض ومناخه. ومن هذه الأبحاث ما نشرته مجلة “Nature Geoscience”، حيث كشفت عن علاقة واضحة بين ذوبان الجليد والتباطؤ في أحد تيارات المحيطات الرئيسية، التي لها دور حاسم في تنظيم المناخ العالميّ.

في البحث الجديد ظهر أنَّ هذا التيار يعمل باعتباره ميزانًا حراريًّا طبيعيًّا لكوكب الأرض، وهو في دوره المهم هذا يتعرض لضغوط كبيرة؛ بسبب زيادة كميات المياه العذبة الناتجة عن ذوبان الجليد، الأمر الذي يعطل دورة تيارات المحيطات، مما يؤثر تأثيرًا بعيدَ المدى في أنماط المناخ حول العالم، بما في هذا ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة الظواهر الجوية العنيفة، واختلال النظم البيئية البحرية.

وبالرغم من أنَّ العلماء يحذرون من التعامل مع هذه التوقعات دون اهتمام -بسبب التغيُّرات الطبيعية التي قد تؤثر في النتائج- فإنَّ الإجماع العلميّ يشير إلى عواقب كارثية محتملة إذا انهار هذا النظام الحيويّ في المحيطات؛ لذا فإنَّ المجتمع العلميّ يدق ناقوس خطر، ويدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراريّ، والتخفيف من تأثيراتها في الأنظمة الطبيعية. وهذا النداء يُعدُّ تذكيرًا حاسمًا بأنَّ الوقت ليس في صالحنا، وأنَّ تأجيل التحرك سيؤدي إلى تفاقم الأزمة المناخية، واشتداد تأثيرها في حياة الأجيال القادمة.

تأثير ذوبان الجليد

إنَّ التيار المحيطيّ العظيم -المعروف باسم “Amoc”- يُعدُّ شبكةً كبيرةً من التيارات المسئولة عن نقل المياه عبر محيطات العالم، وهو تيار يتباطأ -وفق دراسة المجلة الإنجليزية- بمعدل مقلق! وتُشير الدراسة إلى أنَّ هذا التباطؤ قد يؤدي إلى انهيار التيار بشكل أسرع مما كان متوقعًا؛ نتيجة تأثير المياه الناتجة عن ذوبان الجليد.

استندت الدراسة إلى نماذج متقدمة تأخذ في الاعتبار المياه الناتجة عن ذوبان الغطاء الجليديّ في جرينلاند والأنهار الجليدية الكندية. وأوضح الباحثانِ المشاركانِ في الدراسة -وهما من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا- أنَّ النتائج تُظهر تطابقًا مع التغيُّرات المرصودة في سلوك التيار المحيطيّ.

يؤدي التيار “Amoc” دورًا حيويًّا في تنظيم المناخ العالميّ من خلال نقله الحرارة نحو شمال المحيط الأطلسيّ، وهو ما يجعله عنصرًا أساسيًّا لاستقرار المناخ والنظم البيئية البحرية، إلا إنَّ تقريرًا صدر عام 2023 عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أعرب عن “ثقة متوسطة” بأنَّ هذا التيار لن ينهار قبل عام 2100.

تحذيرات العلماء: خطر أقرب مما نعتقد

في أكتوبر الماضي أبدى نحو أربعين عالمًا دوليًّا قلقهم إزاء الأخطار المتزايدة علَى هذا التيار، مشيرينَ إلى أنَّ احتمال بلوغ نقطة الانهيار يُعدُّ “خطرًا جديًّا” قد يحدث في العقود القليلة المقبلة. وهذا الموقف يتوافق مع دراسة نُشرت العام الماضي من قِبل جامعة كوبنهاجن في مجلة “Nature”، التي قدَّرت احتمالَ توقف التيار بين عامَي 2025 و2090 بنسبة تصل إلى 95%.

ضرورة قراءة التوقعات بحذر

في هذا السياق شددت “سابرينا سبيش” -أستاذة الجيوفيزياء في المدرسة الوطنية العليا بباريس- علَى أهمية قراءة نتائج الدراسات العلمية بتحفظ، وقالت: «نعلم أنَّ ذوبان الجليد يؤثر في التيارات المحيطية، غير أننا لا نستطيع تحديد الإطار الزمنيّ لهذا التأثير تحديدًا دقيقًا؛ لأنه يعتمد علَى سرعة ذوبان الغطاء الجليديّ».

في الختام يجدر بحماة الأرض أنْ تشير إلى أنَّ مثل هذا التباطؤ المستمر للتيار المحيطيّ العظيم قد يكون له عواقب وخيمة علَى المناخ العالميّ، وهذا يتطلب تكثيف الجهود البحثية؛ لأجل اتخاذ تدابير تحد من هذه الأخطار المناخية، وليكون كوكب الأرض مستدامًا لجميع الشعوب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى