رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات في حوار خاص مع مجلة حماة الأرض
رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات في حوار خاص مع مجلة حماة الأرض
الأستاذ الدكتور/ طارق العربيّ:
- سعى الجهاز إلى رسم رؤية شاملة وإدارة فعَّالة.
- نُنْتِجُ ما مقداره 25 مليون طن -سنويًّا- من المخلفات.
- مشروع طاقة أبو رواش واحدٌ من 17 مشروعًا تسعى مصر إلى إنشائها.
- نعمل الآن على تطوير مصانع التدوير الميكانيكيّ البيولوجيّ.
كان إصدار القانون رقم (202) لسنة 2020 -الخاص بتنظيم إدارة المخلفات- بمثابة حجز الزاوية لوضع إطار تشريعيّ واضح، وتحديد الأدوار والمهام المنوطة بجهاز تنظيم إدارة المخلفات؛ ليكون الأخير عينَ مراقبة ومتابعة، وليعملَ على تنظيم العمليات المتعلقة بإدارة المخلفات مركزيًّا ومحليًّا؛ ولذا عقدتْ مجلةُ حماة الأرض هذا الحوار مع الأستاذ الدكتور/ طارق العربيّ -رئيس الجهاز- رغبةً في الاطلاع على أحدث تقنيات هذا المجال.. فإلى سطور الحوار.
إننا جميعًا نعلم بوجود مجال إدارة المخلفات منذ 25 عامًا، وقد أردنا في بدء الحوار أنْ نعرف تقييم رئيس جهاز إدارة المخلفات لهذا المجال، والذي قال: مجال إدارة المخلفات موجود منذ زمن، والناس يعلمون كيف يستفيدون من المخلفات، وكيفية تدويرها، سوى أنه كان مجالًا يفتقد إلى التنظيم -من حيث أدوار ومسئوليات الجهات الفاعلة، وكذلك القطاع العامِّ والقطاع الخاص- وينقصه تحديد الطريقة المناسبة، كما أنَّه في حاجَةٍ إلى أدلة إرشادية.
وأمَّا عن قانون تنظيم إدارة المخلفات، ففصَّل العربيُّ محتواه، الذي تمثل في تقسيم المخلفات إلى قسمينِ، الأول: المخلفات غير الخطرة، والآخر: المخلفات الخطرة. ويشمل القسم الأول المخلفات البلدية الصلبة، المخلفات الزراعية، مخلفات الهدم والبناء، والمخلفات الصناعية غير الخطرة. ويشمل القسم الآخر: المخلفات الطبية، المخلفات الصناعية الخطرة، مثل المخلفات الإلكترونية والكيماوية والبترولية. وهنا بيَّن أنَّ المقصودَ بالمخلفات الخطرة هي التي تحتوي على صفة مِن صفات الخطورة، كالسُّمية، والتفاعلية، والتآكل، وغيرها من المواصفات الكمياوية الخطرة.
وفي السياق نفسه، قال رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات: لقد جعل قانونُ تنظيم إدارة المخلفات الجهازَ جهةً مختصةً بإصدار تراخيص العاملين في المخلفات غير الخطرة، وأمَّا المخلفات الخطرة فأسند أمرها إلى الجهة المعنية بمثل هذه المخلفات؛ فوزارة الصحة -مثلًا- هي الجهة المسئولة عن إصدار التراخيص المتعلقة بمعالجة وتدوير المخلفات الطبية، وكذلك وزارة الاتصالات معنية بتدوير المخلفات الإلكترونية، وأيضًا المخلفات البترولية تعود تراخيصها إلى وزارة البترول؛ وهذا كله بعد موافقة جهاز تنظيم وإدارة المخلفات باعتباره الجهةَ العليا المعنية بهذا الشأن طبقًا للقانون.
بعد ذلك انتقلنا إلى سؤال سيادته حول الفائدة التي تعود على مصر من معالجة المخلفات الإلكترونية في ظل مفهوم الإدارة المتكاملة. وهنا قال رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات: قد شاع بين الناس مدى أهمية هذه المخلفات الإلكترونية بعدما قلنا إنها كنز، إلَّا إنَّ الأمرَ اتخذ مسارًا خاطئًا، حيث عَمَدَ كثيرٌ من الناس -قبل إنشاء الجهاز- إلى خلط المخلفات الإلكترونية بالكيماويات؛ لاستخلاص كنوزها، التي تتمثل في 17 نوعًا من المعادن، مثل الذهب والألومنيوم.
ونتيجة لهذا، أكَّد رئيسُ جهاز تنظيم إدارة المخلفات وجودَ تحفظ على بيان أهمية هذا النوع من المخلفات، الذي يُعدُّ مَنجَمًا حَضَريًّا. لافتًا الانتباه إلى أمرٍ سلبيٍّ في عملية معالجة المخلفات الإلكترونية، وهو أنَّ نسبةَ 2% من هذه المخلفات تُعدُّ موادًّا خطرةً، بل شديدة الخطورة. وهذه الخطورة تستدعي وجودَ ترخيص؛ للتأكد من اتباع الأدلة الإرشادية الخاصة بهذا المجال؛ حمايةً للعاملين فيه من المواد الخطرة كالزئبق والكادميوم، وغيرهما من المواد التي تتسبب في انتشار أمراض السرطان، والتأخر العقليّ، وتشوُّه الأجنة، فضلًا عن أمراض الجهاز العصبيّ.
ثم استطرد العربيُّ حول الطريقةِ المُثْلَى التي يجب اتباعها في التخلص الآمن من هذه المخلفات شديدة الخطورة، مثل الحرق في محارقَ ذات درجة حرارة معينة. مشيرًا إلى أنَّ النظامَ القديمَ تمثل في حرق هذه المخلفات عند درجة 1200، حيث كان يُعتقد أنَّ هذا المقدارَ الحراريَّ كفيلٌ بإذابة وتكسير هذه المخلفات، غير أنَّها تصعد بعد هذا عبْرَ مدخنة المحرقة، وحينئذٍ -بسبب ظروف تساعد على إعادة تكوينها مرَّةً أخرى- تبرد هذه المواد، وتظل عالقةً في الهواء.
ولذا، أشار الدكتور/ طارق العربيّ إلى أنَّ الأسلوبَ العلميّ الأمثلَ، هو تبريد العادم الناتج عن عملية الحرق بالنيتروجين السائل؛ ليصبح عند درجة 70 -تقريبًا- في وقت قياسيّ؛ مما يمنع تكوين هذه المواد مرَّةً أخرى.
وبصورة عامة أكَّد رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات أنَّ القطاعَ غير الرسميّ لا يمانع في معالجة هذه المخلفات عن طريق المعدات والأجهزة الخاصة بهذا، غير أنَّ التخوفَ من البيروقراطية كان التحدي الأكبر بين أفراد هذا القطاع، حينما يسعون إلى استخراج رخصة أو طلب مشورة استشاريّ؛ ولذا عمل الجهاز على تجاوز هذا التحدي عن طريق تقديم الدعم الفنيّ، ونتيجةً لهذا أصبح لدينا 26 مَصنعًا لتدوير المخلفات الإلكترونية يستفيدون من هذا الدعم، وحوالي 6 مصانع في مجال تدوير البطاريات.
ثم انتقلنا بالحوار إلى مناقشة النتائج الإيجابية التي حققها الجهاز، ومن بينها مشروع طاقة أبو رواش؛ فسألنا سيادته عن طبيعة وهدف هذا المشروع؟ وللإجابة عن هذا السؤال أشار العربيُّ -على عجالة- إلى استراتيجية مصر في جمع المخلفات. موضحًا أنَّ نسبةَ هذا الجمع في بدء الأمر كانت 55% تقريبًا، والآن تستهدف هذه الاستراتيجيةُ زيادةَ نسبة جمع المخلفات حتى تصل إلى 95% بحلول عام 2026. وأشار -أيضًا- إلى أنَّ نسبةَ المخلفات التي كانت تُرسل إلى المدافن الخاصة بها حوالي 80%، مؤكدًا أنَّ الاستراتيجيةَ المتبعةَ الآن تسعى إلى تقليل هذه النسبة إلى 20%. وقد أرجع سببَ ارتفاع نسبة المخلفات المرسلة إلى المدافن -في السابق- إلى قِلةِ المصانع الخاصة بتدوير ومعالجة مثل هذه المخلفات.
وحول مقدار إنتاج هذه المخلفات، صرَّح الدكتور/ طارق العربيّ بأنَّنا -في مصر- نُنتج ما مقداره 25 مليون طن -سنويًّا- من المخلفات، مشيرًا إلى أنَّ نسبةَ 60% من هذه المخلفات تذهب إلى محطات المعالجة الميكانيكية البيولوجية، و20% تذهب إلى إنتاج الطاقة، و20% أخرى تذهب إلى مجال التكنولوجيات الجديدة، كإنتاج الهيدروجين الأخضر والبيوديزل.
ثم اقترب حديثُ العربيّ أكثرَ فأكثرَ حول مشروع طاقة أبو رواش، الذي يُعدُّ -باعتباره مشروعًا لإنتاج الطاقة- دعمًا للمحافظات التي ليس لها ظهير صحراويّ، خاصة وأنَّه لا توجد لدينا أماكن صالحة لدفن المخلفات، وهذا بالإضافة إلى كونه مشروعًا واعدًا في تعزيز التحول نحو الطاقة البديلة، مثل استعمال الطاقة الناتجة عن المخلفات بدلًا من استعمال الغاز في توليد الكهرباء.
وأضاف أيضًا، أنَّ مشروع طاقة أبو رواش واحدٌ من 17 مشروعًا تسعى مصر إلى إنشائها في هذا المجال، وقد بدأتِ الفكرةُ منذ 2019، وبعدها تقدم إلى هذا المشروع أكثر من 90 شركةً عالميةً، وقد تأهل منها -إضافةً إلى بعض الشركات الوطنية- 19 شركةً.
ثم كانتْ لنا وقفة مع عمليات إنتاج بدائل الأكياس البلاستيكية، لكونها هدفًا رئيسيًّا من أهداف رؤية مصر 2030، وكان سؤالنا حول أهم سياسات وتشريعات الدولة لتحفيز المجتمع المصريّ في هذا المجال؟ وأجاب العربيُّ بقوله: إنَّ اسمَ القانون -تنظيم إدارة المخلفات- هو اسم للجهاز أيضًا، وهذه المخلفات تشمل الخطرة منها، وإنَّ عملَ جهاز تنظيم إدارة المخلفات متمحورٌ حول إصدار تراخيص مزاولة النشاط، والموافقات والتصاريح المتعلقة باستيراد هذه المواد، والإخطارات المتعلقة بنقلها عبر الحدود، وهذا كله حسب نوع المخلف، وما يترتب عليه من عمليات معالجة.
وقد لَفَتَ الدكتور/ طارق العربيّ الانتباه إلى أنَّ عملَ الجهاز لا يتوقف عند الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام فقط، وإنما يشمل كل المنتجات البلاستيكية أحادية الاستخدام. وهذا قبل أنْ يشيرَ إلى أنَّ القانونَ ولائحته يوجِّهانِ بعدم توزيع الأكياس البلاستيكية توزيعًا مجانيًّا، وأنَّ الحالَ قبل صدور هذا القانون كانت منحصرةً في تطبيق استراتيجية وضعتها وزارة البيئة للحد من الأكياس البلاستيكية، التي بلغت نسبة إنتاجها في القطاع الرسميّ 14 مليار كيس سنويًّا.
وحول خطورة استخدام الأكياس البلاستيكية وجَّه العربيُّ الأنظارَ إلى أنَّ دورةَ استخدام الأكياس البلاستيكية قليلةٌ، وأننا نستورد 70% من مواد تصنيعها، مما يكلف الدولة عملةً صعبةً، وذلك كله دون فائدة تُذكر، مع الإضرار بالبيئة والصحة العامة؛ لذا عمل جهاز تنظيم إدارة المخلفات على إصدار مواصفة جديدة بخصوص هذا الشأن، حيث اشترط أنْ تكون الأكياسُ المستخدمةٌ خاليةً من المواد الخطرة، مع اشتراط زيادة سُمْكِهَا؛ حتى يمكننا استخدامها مرَّةً أخرى، ولكي لا تطير في الهواء، فضلًا عن أنَّ زيادةَ سماكتها سوف يُضفِي قيمةً على الكيس البلاستيكيّ في نظر عامل جمع المخلفات؛ فيذهب به حينئذٍ إلى الجهات المختصة بتدويره.
ثم تحدث رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات عن بعض المحفزات، التي تدعم مجالَ إدارة المخلفات، مثل العلامة الخضراء – Green Label، وهي شهادة تُمنح للمُصنِّعينَ الذين يسعون إلى تقليل المخلفات في عملياتهم الصناعية، وإلى الذين ينتجون منتجات قابلة لإعادة التدوير، وحينئذٍ تُوضع فوق منتجاتهم علامات خضراء؛ حتى يُفرِّقَ المستهلِكُ بين المنتجات الصديقة للبيئة وغيرها من المنتجات.
ومن المحفزات التي تحدث عنها الدكتور/ طارق العربيّ، ذلك التعاون بين الجهاز ومجلس الوزراء على تحفيز المُصنِّعينَ للتحول إلى البدائل الآمنة للأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام؛ وبهذا يحصلون على جميع الحوافز الموجودة في قانون الاستثمار، إضافةً إلى حصولهم على الرخصة الذهبية عند تحقيقهم شروطًا معينةً.
بعد ذلك جاء سؤالنا عن قدرات محطات المعالجة البيولوجية الميكانيكية في استخراج الطاقة البديلة؛ فقال رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات: قد ذكرنا سابقًا أنَّ 60% من المخلفات يذهب إلى محطات المعالجة البيولوجية الميكانيكية، وهي محطات تعمل على إنتاج الأسمدة العضوية والوقود البديل، وهو وقود مهم لمصانع الأسمنت؛ لأنه يوفر الطاقة، وسعره أرخص -وهذا يجعل الأسمنت منافسًا في السوق المصريّ والعالميّ- ويوفر كذلك العملة الصعبة، التي يُستورد بها الفحمُ.
وهنا اختتمنا حوارنا بسؤال عن المشروعات المستقبلية لجهاز تنظيم إدارة المخلفات، فأجاب العربيُّ قائلًا: إنَّ جهازَ تنظيم إدارة المخلفات حديثُ النشأةِ، والشائعَ بين الناس أنَّ عملَ الجهاز منحصرٌ في المخلفات البلدية الصلبة، أما مخلفات الهدم والبناء ومخلفات الزراعة فهناك تخطيط سابق في معالجة مثل هذه المخلفات. والمخلفات الزراعية -على سبيل المثال- تعمل عليها شركات كثيرة، خاصة في مخلفات الموز، حيث هناك نجاح ملحوظ في استخراج سماد سائل من هذا النوع من المخلفات، وكذلك مخلفات المجازر، التي يُستخرج منها الجلاتينُ الدوائيُّ والأعلافُ؛ وذلك كله في حاجَةٍ إلى حاضنات أعمال كثيرة.
وتمثيلًا لهذه المتطلبات العملية ذات العَلاقات المتداخلة، ذَكَرَ الدكتور/ طارق العربيّ أمثلةً تعكس هذه العَلاقات، ومنها:
- المخلفات الزراعية التي تتبع المديريات الزراعية في المحافظات، وهي التي تحدد -طبقًا للقانون- مكان تجميع هذا النوع من المخلفات.
- حطب القطن، الذي يمكن أنْ يكون وقودًا لمصانع الأسمنت، وهذه الأخيرة هي المسئولة عن إدارة أماكن تجميع مثل هذا النوع من المخلفات، كما أنها تدفع للمزارعينَ تكلفةَ نقلها مع مستحَقٍّ ماليّ.
- محطات معالجة مياه الصرف، التي تعاون بخصوصها الجهازُ مع وزارة الإسكان على جعل الحمأة مصدرَ طاقة كهربائية، بدلًا من كونها سمادًا فقط، بالإضافة إلى استخدامها في مصانع الأسمنت باعتبارها وقودًا بديلًا.
وفي الختام، تشكر مجلةُ حماة الأرض رئيسَ جهاز تنظيم إدارة المخلفات -الدكتور/ طارق العربيّ- على إتاحة وقته لهذا الحوار، الذي ألقى الضوء على محورٍ رئيسيّ من محاور “رؤية مصر 2030”.