سلامة الغذاء ركيزة لصحة المجتمع والتنمية المستدامة
سلامة الغذاء ركيزة لصحة المجتمع والتنمية المستدامة
تُعد سلامة الغذاء من القضايا الجوهرية التي تمس حياة الإنسان، حيث تؤثر في صحة الأفراد واستقرار المجتمعات وتنعكس على التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ فالغذاء الآمن هو حق أساسي يعكس جودة النظام الغذائي العالمي ومدى التزام الدول بضمان صحة شعوبها، وتؤكد هذه الحقيقة أهمية التعاون الدولي لمواجهة المخاطر الغذائية المتزايدة، بما يعزز الأمن الغذائي ويضمن مستقبلاً مستداماً للبشرية.
وفي السابع من يونيو 2025، يحتفل العالم باليوم العالمي لسلامة الأغذية، وبهذه المناسبة تنطلق حملة عالمية تحت شعار “سلامة الأغذية: العلم وأسس اتخاذ القرارات”، بتنظيم من منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة الصحة العالمية، تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية البحث العلمي في التصدي للتحديات الغذائية المعقدة، التي ترتبط بأهداف التنمية المستدامة، ومن هذا المنطلق سوف تسلط حماة الأرض الضوء في هذا اليوم على دور العلم في ضمان سلامة الغِذاء وتحقيق استدامة الأمن الغذائي؛ فتابعوا القراءة.
دور العلم في ضمان سلامة الغذاء
يأتي اليوم العالمي لسلامة الأغذية 2025 في وقتٍ تُشكِّل فيه الأزمات المناخية والاضطرابات الاقتصادية تهديدًا مباشرًا لأنظمة الغذاء العالمية، وتُركِّز حملة “سلامة الأغذية: العلم وأسس اتخاذ القرارات” على تحويل المعرفة العلمية إلى سياسات وممارسات فعّالة؛ إذ تُشير “كورينا هوكس” مديرة قسم أنظمة الغذاء في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، إلى أن “العلم وحده لا يكفي، وإنما يجب ترجمة توصياته إلى إجراءات ملموسة”.
من هنا تبرز الحاجة إلى تبني نماذج زراعية ذكية مناخيًّا، تعتمد على تقنيات مراقبة الجودة المدعومة بالذكاء الاصطناعي؛ لتقليل هدر الموارد وزيادة إنتاجية المحاصيل دون الإضرار بالتنوع البيولوجي، ويبرز نظام “التتبع الذكي” باعتباره أحد الحلول المبتكرة، حيث تعمل تقنيات مثل البلوك تشين على تعزيز الشفافية في سلاسل الإمداد الغذائية؛ مما يسهل تتبع مصادر التلوث بسرعة أكبر مقارنة بالأساليب التقليدية، وتعمل شركات ناشئة على تطوير حلول تعتمد هذه التقنية لتعزيز سلامة الأغذية، مع تقليل وقت الاستجابة لمصادر التلوث من أسابيع إلى أيام أو حتى ساعات، وهو ما يمثل نقلة نوعية في إدارة الأزمات الصحية.
نحو أمن غذائي مستدام
إن تحقيق الأمن الغذائي يبدأ من سلامة الغذاء؛ إذ إن الغذاء غير الآمن يقوض جهود القضاء على الجوع وسوء التغذية، كما تؤثر الأمراض المنقولة عبر الغذاء بشكل غير متناسب في الفئات الضعيفة، مثل الأطفال، وكبار السن، والنساء الحوامل، والمجتمعات المتضررة من النزاعات والكوارث؛ ومِن ثَمَّ فإن ضمان سلامةِ الغِذاء يسهم في تعزيز الصحة العامة، وتحسين جودة الحياة.
في هذا السياق، تبرز أهمية تعزيز أنظمة الرقابة الغذائية، وتطبيق الممارسات الزراعية الجيدة، وتوفير المياه النظيفة، وتحسين سلاسل التوريد لضمان وصول الغذاء الآمن والمغذي إلى الجميع، ويتطلب ذلك تعاونًا وثيقًا بين الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمستهلكين، في إطار متكامل يحقق أهداف التنمية المستدامة.
تأثير التحديات البيئية في سلامة الغذاء
تُواجه سلامةُ الغذاءِ تحديات متزايدة نتيجة للتغيرات البيئية، مثل تغير المناخ، وتدهور الأراضي، وتلوث المياه، وفقدان التنوع البيولوجي، حيث تُؤثر هذه العوامل في جودة وسَلامة الغِذاء من خلال زيادة انتشار الآفات والأمراض، وتلوث المحاصيل، وتغير أنماط الإنتاج الزراعي.
على سبيل المثال، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار إلى زيادة مخاطر تلوث الأغذية، كما أن استخدام المبيدات والأسمدة بشكل مفرط يُسهم في تلوث التربة والمياه؛ مما يؤثر في جودة المنتجات الزراعية، وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ فقدان التنوع البيولوجي يُضعف مقاومة النظم الزراعية للآفات والأمراض؛ مما يزيد من الاعتماد على المواد الكيميائية.
ولمواجهة هذه التحديات، من الضروري تبني ممارسات زراعية مستدامة، مثل الزراعة العضوية، والتدوير الزراعي، وتقليل استخدام المواد الكيميائية، كما يجب تعزيز البحث العلمي والتقنيات الحديثة لرصد ومراقبة سلامة الأغذية، وتطوير نظم إنذار مبكر للكشف عن المخاطر المحتملة.
سلامة الغذاء تدعم تحقيق التنمية المستدامة
وتُعتبر سلامة الغذاء عنصرًا أساسيًّا في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف (2) المتعلق بالقضاء على الجوع، والهدف (3) المتعلق بالصحة الجيدة والرفاه، والهدف (12) المتعلق بالاستهلاك والإنتاج المسئولين؛ فمن خلال ضمان سَلامة الغِذاء، يُمكن تقليل معدلات الأمراض والوفيات، وتحسين التغذية، وتعزيز الإنتاج الزراعي المستدام، وتقليل الفاقد والمهدر من الأغذية، كما أنها تُسهم في تعزيز التجارة الدولية، وفتح أسواق جديدة للمنتجات الزراعية؛ مما يُعزز النمو الاقتصادي ويُوفر فرص العمل.
لذلك يجب أن تكون سلامةَ الغِذاء جزءًا أساسيًّا من السياسات والاستراتيجيات الوطنية والدولية لتحقيق التنمية المستدامة، ويجب تعزيز التعاون بين مختلف القطاعات والجهات المعنية، وتوفير الموارد اللازمة لبناء القدرات وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الوعي والتثقيف الغذائي بين المستهلكين.
دور مصر في دعم سلامة الغذاء
وفي هذا الإطار الذي يعكس التكامل بين أهداف التنمية المستدامة وسلامةِ الغِذاء، تواصل مصر تعزيز مكانتها باعتبارها مركزًا إقليميًّا ودوليًّا للصادرات الغذائية الآمنة وعالية الجودة؛ فقد كشف أحدث التقارير الصادرة عن الهيئة القومية لسلامة الغِذاء عن الفترة من 17 – 23 مايو 2025، عن استمرار الزخم في حركة الصادرات الغذائية المصرية، حيث أوضح التقرير أنه تم تصدير نحو 200 ألف طن من المنتجات الغذائية إلى 193 دولة عبر 4130 رسالة لصالح 1380 شركة مصرية.
ويبرز هذا الإنجاز تنامي الثقة العالمية في جودة وسلامة المنتجات المصرية، وتنوعت الصادرات بين الخضراوات والفواكه، بواقع 55 ألف طن من الخضراوات، و45 ألف طن من الفواكه، كما أصدرت الهيئة 735 شهادة صحية و1893 إذن تصدير، وسجلت 821 منشأة غذائية جديدة خلال الأسبوع نفسه. هذا الحراك المتواصل يعمل على تحسين سلاسل التوريد والتطبيق الفعّال لاشتراطات السلامة الحديثة؛ مما يعزز الصحة العامة، والأمن الغذائي، ويدعم الاقتصاد الوطني بقوة.
وفي ضوء ما تقدم، تدرك حماة الأرض أن ضمان سلامة الغذاء ليس مسئولية جهة واحدة، وإنما هو مسئولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود على المستويات المحلية والوطنية والعالمية، ومن خلال تقوية أنظمة الرقابة، وتعزيز التعاون والشراكات، يُمكننا بناء نظام غذائي أكثر استقرارًا، يُسهم في تحقيق الأمن الغذائي، وتحسين الصحة العامة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.